mena-gmtdmp

ماريه قليجخاني: حيث تتقاطع الذاكرة بالحرفة والروح بالفن في تصميم المجوهرات

المصممة ماريه قليجخاني Mariyeh Ghelichkhani - الصورة من العلامة
المصممة ماريه قليجخاني Mariyeh Ghelichkhani - الصورة من العلامة

في عالم المجوهرات؛ حيث تتحدث الأحجار بلغتها الخاصة، تبرز المصممة ماريه قليجخاني Mariyeh Ghelichkhani كصوت فني متفرّد، يجمع بين الحنين، التأمل، والابتكار. لم تكن رحلتها نحو صياغة الذهب مجرد مسار مهني، بل كانت استعادة لحوار صامت مع والدها الراحل، صائغ الذهب وصاحب الأثر الأعمق في تكوين رؤيتها.

من ورش الطفولة التي غمرتها رائحة المعادن، إلى المزادات التي كشفت لها أسرار الجمال النادر، تشكّلت ذائقتها البصرية، وتبلورت علاقة خاصة مع الأحجار التي لا تختارها فقط كخامات، بل كرفاق رحلات روحية وفنية.

سافرت بين مدن وثقافات، وتوغلت في فلسفات الحياة والطبيعة، حتى صارت تصاميمها مرآة لعوالم داخلية. تأمل، يوجا، ذكريات عائلية، وحديث خفي مع الكون – كل هذا يتجلى في قطعها التي تتجاوز كونها زينة؛ لتصبح رموزاً وتحولات.

في هذا اللقاء، نغوص مع ماريه Mariyeh في عمق الإلهام، مراحل الخلق، وما وراء بريق المعادن؛ لنكتشف كيف تصوغ الجمال من الذاكرة، وتحوّل التجربة إلى فن يلامس الروح.

إرث والدك يبدو أن له تأثيراً عميقاً.. كيف يستمر حضوره في توجيه مسيرتك الإبداعية اليوم؟

المصممة ماريه قليجخاني Mariyeh Ghelichkhani - الصورة من العلامة

يستمر إرث والدي في التأثير بشكل كبير على عملي الإبداعي. كان يولي أهمية كبيرة للحرفية والدقة، وهذه المبادئ أصبحت ركائز في عملي. القيم التي تعلمتها إلى جانبه تشكّل أساساً متيناً لكل ما أصممه، وتدفعني إلى تكريم ذكراه من خلال جودة وإبداع تصاميمي. وجوده لا يزال مصدر إلهام دائماً، يشجعني على التمسك بالمستوى العالي الذي مثّله طوال حياته.
قد يهمك أيضاً: حمدة المنصوري: مجوهرات Hashi جسر للعبور من الجمال إلى الفخامة

نشأتِ محاطة بالأحجار النادرة والمجوهرات العتيقة، ما أول قطعة وقعت في حبها ولماذا؟

أتذكر أن والدي اشترى خاتماً رائعاً من مزاد في "كريستيز" أو "سوذبيز" كان يضم ماسة باغيت كبيرة، تزن حوالي 15 قيراطاً أو أكثر، مرصعة في إطار مستطيل بارز على جانب من خاتم مربع الشكل. سحرني تفرّد هذا الخاتم؛ إذ كان مختلفاً تماماً عن الألماس الدائري التقليدي الذي اعتدت رؤيته. شكله الفريد ترك في نفسي أثراً دائماً، وأدركت لاحقاً أنه أثّر كثيراً في ذوقي. أصبحت أميل بشكل خاص إلى أشكال الباغيت، الزمرد، والوسادة أي شكل يعيدني إلى ذلك الانطباع الأول من طفولتي.

عشتِ في مدن ذات ثقافات غنية.. كيف أثّرت هذه التجارب العالمية على جمالية وفلسفة تصاميمك؟

أثرت تلك التجارب الثقافية المتنوعة بشكل كبير على رؤيتي الفنية؛ إذ أطلعتني على مجموعة واسعة من الأساليب والتقاليد. هذا التنوع ألهمني بإدماج تأثيرات متعددة في عملي، مما يعزز الابتكار والإبداع. ويتجلى هذا الانعكاس في الأسلوب التجريدي الذي يطغى على العديد من تصاميمي؛ حيث أستخدمه لاستكشاف مفاهيم ومشاعر تتجاوز التصميم التقليدي، وتثري رحلتي الفنية.

بدأتِ رحلتك في صياغة الذهب كوسيلة لإعادة التواصل مع والدك الراحل. ما اللحظة الأكثر تأثيراً في هذا المسار؟

مجوهرات ماريه قليجخاني Mariyeh Ghelichkhani - الصورة من العلامة

إحدى اللحظات العاطفية العميقة كانت عندما قمت بإذابة قطعة من النحاس لصنع سلك، هذا الفعل أعاد إليّ ذكريات حية لما امتصصته دون وعي في ورشة والدي. بدأت أتذكر المصطلحات التقنية وأساليب تثبيت الأحجار، وكأن كل خطوة كنت أقوم بها تحمل معنى خاصاً، تُعيد إليّ شعور الترابط مع والدي وإرثه، وتؤكد لي مدى حضوره المستمر في عملي حتى اليوم.

تستلهمين من الطبيعة والروحانيات في العديد من تصاميمك كيف تؤثر ممارسات مثل اليوغا والتأمل على قطعك؟

كل تصاميمي مستوحاة من الحياة ذاتها من كل ما يحيط بنا. نميل إلى اعتبار الفن موهبة فطرية فقط، لكنني وجدت أن اليقظة الذهنية، التأمل، والتركيز يمكن أن تلعب دوراً محورياً في تنشيط وتناغم طاقاتنا ومواهبنا الداخلية. على مر السنوات، طورت قدرتي على التخيل، مما ساعدني على تصور التصاميم بوضوح قبل تحويلها إلى رسومات على الورق.

خاتم "Hayat" مثلاً وُلد من سنوات من التصور، مستوحى من ذكرى حوض ماء في منزل والدي الصيفي. وعندما رأيت حجر أكوامارين غير منتظم الشكل، انكشفت إمكانيته أمامي فوراً.

قلادة "Cosmos" نشأت من تجربة تأمل عميقة، رغبت خلالها في تجسيد التفاصيل الدقيقة لكوننا الواسع.

تصميم "Serpent's Embrace" يصوّر برعم وردة يتفتح ليصبح أفعى، ويجسد هذا التحول الرحلة الروحية التي يخوضها كل إنسان. رأس الأفعى يعكس هشاشة الزهرة، ما يرمز إلى التوازن الدقيق بين القوة والحكمة والمرونة التي تتمتع بها المرأة، كما أحرص في كل تصميم على دمج الرمزية، الصورة، والمعنى العميق.

ما مراحل عملية التصميم من الفكرة وحتى الإنجاز، خاصة عندما تعملين مع أحجار لها معنى خاص؟

عادة ما تبدأ تصاميمي بالأحجار نفسها. ألوانها وجمالها الطبيعي يوجّهان الإلهام. "الحجر هو الرسالة"، وكل حجر يحمل تصميمه في داخله. أنقل هذه الرؤية إلى رسومات أولية، ثم أبدأ بتطوير الفكرة خلال مراحل متعددة، إلى أن تتحول إلى قطعة ملموسة. تشمل العملية عدة خطوات مثل البرد، والتثبيت، والتلميع، حسب متطلبات كل تصميم.

بعض الأحجار تتطلب حرصاً خاصاً أثناء التثبيت، ومن المهم أن تتكامل بشكل مثالي مع التصميم من حيث الجمال والوظيفة. كل خطوة تُخطط بعناية لإبراز تفرد الحجر، مع الحفاظ على سلامة التصميم وجودته.

يُقال إن مجوهراتك تتحدى الحدود التقليدية.. كيف توازنين بين الحرفية التقليدية والرغبة في الابتكار؟

مجوهرات ماريه قليجخاني Mariyeh Ghelichkhani - الصورة من العلامة

أعمل دائماً على تحقيق توازن بين الحرفية التقليدية والرغبة في التجديد. أقدّر التقنيات التقليدية بعمق، وأراها جزءاً لا يتجزأ من إرثي، لكنني في الوقت ذاته أتبنى الابتكار لأعبّر عن رؤيتي الخاصة. أدمج الأساليب القديمة بالعناصر المعاصرة، لإنتاج قطع تكرّم الماضي وتواكب المستقبل في آنٍ واحد.

عندما يرتدي أحدهم قطعة من مجوهراتك، ما الذي تأملين أن يشعر به أو يختبره؟

آمل أن يشعر الشخص الذي يرتدي إحدى قطعي بارتباط حقيقي مع القطعة نفسها، ومع ذاته، ومع رحلته الخاصة. أطمح لأن تثير مجوهراتي مشاعر صادقة، وتلامس جمال التجارب الفردية، وتنشر التوازن والبهجة والتناغم في نفس مرتديها.

ما خططك المستقبلية؟

أطمح إلى الاستمرار في تطوير مهارتي، واستكشاف خامات وأساليب جديدة. أتصور توسيع علامتي التجارية، مع الحفاظ على صدقي الفني وتوسيع نطاق التعبير الإبداعي الخاص بي.
تابعي أيضاً: منى بن برّاده.. مزيج فريد من التراث الإماراتي والابتكار العصري

مجوهرات ماريه قليجخاني Mariyeh Ghelichkhani - الصورة من العلامة