mena-gmtdmp

الفنانة اللبنانية البلغارية نيكول سركيس: المرأة تضيف عمقاً إلى عالم النحت

يتداخلُ الحديثُ مع الفنَّانةِ اللبنانيَّة البلغاريَّة نيكول سركيس، فهي شخصيَّةٌ ثريَّةٌ، ومُتعدِّدة التخصُّصات، ومتواضعةٌ، تُركِّز في الآونةِ الأخيرةِ على فنِّ النحت، وتبدو في حالٍ مستمرَّةٍ من التجريبِ والاختبار. أثناء لقاءِ «سيدتي» مع نيكول في الاستديو الخاصِّ بها، والمُطلِّ على البحرِ الأبيض المتوسّط، كانت الفنَّانةُ سعيدةً بالأصداءِ الإيجابيَّةِ التي نالتها أعمالُها المشاركةُ في بينالي بازل الفنِّي Art Biennale Basel خلال يونيو 2025. وفيما تُجهِّز للمشاركةِ في بينالي فلورنسا، أكتوبر المقبل، تحدَّثت سركيس عن وعي فنِّي، عرفته منذ الطفولة، مصدرُه جدَّتها الأرمينيَّة، ومدى تعلُّقها بها، وعن كيفيَّةِ الموازنةِ بين الفنِّ والأمومة، كما تطرَّقت إلى الاستلهاماتِ، وتأثيراتِ تعدُّدِ الهويَّاتِ، والإقاماتِ في دولٍ مختلفةٍ، وأحوالِ المرأةِ الفنَّانة.

تصوير: فاتشيه أباكليان

 

أعوام الطفولة

نيكول سركيس، فنانة تشكيلية ونحاتة
الفنانة التشكيلية والنحاتة نيكول سركيس

أنتِ مُتعدِّدة المواهبِ والتخصُّصات، فإضافةً إلى الرسمِ، والنحتِ، ونَظمِ الشعر، وكتابةِ القصصِ القصيرة، درستِ الهندسة، وعملتِ في تصميمِ الأزياء، إلى ماذا تُرجِعين اهتمامكِ بالفنِّ والأدبِ والتصميم، وهل للأمرِ علاقةٌ بأعوامِ الطفولة؟

شغفي بالفنِّ والأدبِ والتصميم، يرجعُ لأعوامِ طفولتي، إذ نشأتُ في بيئةٍ، تُقدِّر الجمالَ والإبداع حيث ورثت رؤيتي الفنيَّةَ وحبَّ الحِرفِ اليدويَّة، لا سيما الكروشيه، من جدَّتي أرمينيَّة الجذور. دراستي الهندسةَ المعماريَّة، منحتني فهماً للشكلِ والمساحة، وتصميمُ الأزياء، غرسَ في نفسي شغفاً بالتفاصيلِ والألوان، أمَّا دبلومُ تاريخِ الفنِّ من السوربون، الذي حصلت عليه أخيراً، فساعدني في ربطِ الماضي بالحاضر. أرى أن هذه التخصُّصات مترابطةٌ، وتُمكِّنني من التعبيرِ عن رؤيتي للعالمِ من خلال الجمالِ، والألوانِ، والسعادةِ، والسلام.

قد يهمك الاطلاع أيضاً على المقابلة في النسخة الرقمية

كيف تدمجين كلَّ هذه التخصُّصاتِ والهواياتِ بفنِّكِ؟

أدمجُ تخصُّصاتي وهواياتي بانسجامٍ تامٍّ، فالهندسةُ المعماريَّة، تمنحني البنيةَ والتوازن في النحتِ والرسم، وتصميمُ الأزياء، يُثري اختياراتي للألوانِ والتفاصيل، أمَّا تاريخُ الفنِّ، فيُوفِّر لي عمقاً معرفياً، يربط أعمالي بالمدارسِ الفنيَّة. الرسمُ، هو أساسٌ في مسيرتي، والكتابةُ تُعبِّر عن الأفكارِ الملهمة، وحبُّ الرياضةِ والقراءة، يمنحني طاقةً وراحةً ذهنيَّةً، تنعكسُ على إبداعي. كلُّ هذه الجوانب، تتلاقى لتُمكِّنني من التعبيرِ من خلال أعمالي.

بين لبنان وبلغاريا

من أعمال الفنانة نيكول سركيس النحتية
منحوتات للفنانة نيكول سركيس

بين لبنان مسقطِ رأسكِ، وبلغاريا بيتكِ الثاني، والأسفارِ الكثيرةِ التي تقومين بها، كيف يُؤثِّر ذلك في فنِّكِ؟

هذا التنوُّعُ الثقافي والجغرافي، هو شريانُ الحياةِ لإلهامي الفنِّي، فالعيشُ بين لبنان وبلغاريا، والسفرُ بكثرةٍ إلى مدنٍ عالميَّةٍ، يُثريان روحي باستمرارٍ. باريس وميلانو، شكَّلتا مصدرَ إلهامي الفنِّي الرئيس، فالتناقضاتُ بين الشرقِ والغرب، والألوانُ، والقصصُ التي أصادفها، تتجمَّعُ كلّها في وعيي. أؤمنُ بأن الفنَّ، يُغذِّي الروح، وأن هذه التجارب، تمنحني منظوراً أوسعَ للجمال. كذلك أحرصُ على قضاءِ وقتٍ نوعي مع أطفالي بوصفهم أصدقاءَ لي من خلال السفرِ، وزيارةِ المتاحفِ، وورشِ العملِ الفنيَّة والمعارض، ما يضيفُ بُعداً عائلياً وإلهاماً لأعمالي الفنيَّة.

قد يهمك الاطلاع أيضاً على: المصممة اللبنانية هانيا جنيد: أتبع حدسي في عالم السيراميك

فن النحت

تُركِّزين خلال الفترةِ الأخيرةِ على فنِّ النحت، إضافةً إلى استخدامِ مادةِ الستانلس ستيل، ما الموادُ التي تشتغلين بها؟

في الفترةِ الأخيرة، زادَ شغفي بـالنحت. أعملُ حالياً، وبشكلٍ مكثَّفٍ على الستانلس ستيل، هذه المادةُ القويَّةُ، واللمَّاعةُ، تساعدُ في تحقيقِ أشكالٍ تجريديَّةٍ مميَّزةٍ، لكنَّني أستخدمُ أيضاً موادّ أخرى، منها البرونز، والراتنج/الريزين، والخشب. يعتمدُ اختيارُ المادةِ على الرسالةِ، والشعورِ اللذين أرغبُ في إيصالهما من خلال القطعةِ الفنيَّة.

حدِّثينا أكثر عن مشاركتك الفنية في مدينةِ بازل السويسريَّة، ماذا عرضتِ، وما الانطباعاتُ التي لمستها من الجمهورِ والنقَّاد، وهل كانت التجربةُ مختلفةً عن المعارضِ السابقة؟

وجودُ منحوتاتي في بينالي بازل الفنِّي Art Biennale Basel خلال يونيو 2025، كان محطَّةً استثنائيَّةً، إذ على الرغمِ من عدم تمكُّني من الحضورِ شخصياً بسبب التحدِّياتِ الأمنيَّة، وإلغاءِ الرحلاتِ الجويَّةِ من لبنان آنذاك إلا أنني عرضتُ مجموعةً مُختارةً من منحوتاتي التجريديَّة، ولوحاتي الأكريليكيَّة التي تعكسُ بحثي عن الجمالِ والسعادة. انطباعاتُ الجمهورِ والنقَّادِ التي وصلتني، كانت إيجابيَّةً للغاية حيث أشادوا بجودةِ التنفيذِ والابتكار، والرسائلِ العميقةِ في الأعمال. لقد كانت تجربةً مختلفةً، إذ تعدُّ بازل مركزاً فنياً عالمياً، وهذا أكَّد لي أن الفنَّ لغةٌ عالميَّةٌ، تتخطَّى الحواجز.

الفنّ الرقمي

كيف تنظرين إلى مستقبلِ الفنِّ في العالمِ عموماً، خاصَّةً مع بروزِ اهتمامِ «الجيل زد» بالفنِّ الرقمي؟

أنظرُ إلى مستقبلِ الفنِّ بتفاؤلٍ. بروزُ الفنِّ الرقمي، ليس تهديداً للفنِّ التقليدي، بل هو امتدادٌ للإمكاناتِ الإبداعيَّة. سيفتحُ الفنُّ الرقمي آفاقاً جديدةً، وسيصلُ إلى جماهيرَ أوسع. في المقابل، سيبقى الفنُّ التقليدي، يحمل قيمةً فريدةً، لكونه عملاً يدوياً ومادياً. أعتقدُ أننا سنشهدُ تعايشاً وتكاملاً بين الفنَّين الرقمي والتقليدي، علماً أن الفنَّ، يتطوَّرُ، ويتكيَّفُ باستمرارٍ.

قد يهمك الاطلاع أيضاً على: جامع اللوحات ألكسندر ريّس: للفن الرقمي مستقبل مشرق في منطقتنا

المرأة الفنانة

حسبَ تجربتكِ، هل تعاني المرأةُ الفنَّانة، لا سيما في مجالِ النحت، من منافسةٍ رجاليَّةٍ؟

عالمُ الفنِّ، يشهدُ تحوُّلاً إيجابياً نحو مزيدٍ من المساواةِ للمرأةِ الفنَّانة. أركِّزُ على جودةِ عملي، وتفرُّدِ رؤيتي الإبداعيَّة، فليس للإبداعِ نوعٌ اجتماعي. أؤمنُ بأن المنافسةَ، إن وجدت، هي منافسةٌ إبداعيَّةٌ صحيَّةٌ، تدفعُ الجميع لتقديمِ الأفضل. أنا فخورةٌ بكوني امرأةً فنَّانةً في مجالِ النحت، وحضورُ المرأة، يُثري هذا المجالَ بمنظورٍ مختلفٍ، وعمقٍ عاطفي.

الألوان

للألوان معنى كبيرٌ في حياتكِ، ما هو، وكيف تعكسُ حالتكِ في ظروفٍ مختلفةٍ؟

الألوانُ لغةٌ قائمةٌ بذاتها، وجوهرُ حِرفتي. أؤمنُ بأنها تُؤثِّر في أمزجةِ الناس، كما تعكسُ حالتي الداخليَّة. عندما أكون سعيدةً، تكون لوحاتي زاهيةً ومشرقةً، وعند التأمُّلِ، الألوانُ الهادئةُ، ومنها الأزرقُ الذي أعشقه ويرمزُ للسلام، يصبحُ طاغياً على فنِّي. كذلك، أحرصُ على تكرارِ بعض الألوان، لتصبحَ جزءاً من بصمتي الفنيَّة، و«قاموسي» اللوني، ما يخلقُ تناغماً، ويُعمِّق المعنى العاطفي للعمل.

"الألوان لغة قائمة بذاتها وجوهر حرفتي. أؤمن بأنها تؤثّر على أمزجة الناس، كما تعكس حالتي الداخلية"

تتبعين في لوحاتكِ تقنيَّاتٍ عدة، منها الكولاجُ والأكريليك، هل تُحبِّين اختبارَ الأساليبِ والتقنيَّات، وهل تعتقدين أنكِ وصلتِ إلى أسلوبٍ خاصٍّ بكِ؟

نعم، أحبُّ اختبارَ الأساليبِ والتقنيَّاتِ المختلفة، فأنا أرى الفنَّ رحلةَ استكشافٍ مستمرَّةً. أستخدمُ الأكريليك لمرونته، والكولاج لإضافته بُعداً نسيجياً، وأستكشفُ دائماً تقنيَّاتٍ جديدةً. أعتقدُ أنني وصلتُ إلى أسلوبٍ مميَّزٍ خاصٍّ بي، يتَّسمُ بالتجريدِ العاطفي، والجرأةِ في الألوان، ورسالةِ السعادةِ والجمال. أسلوبي، يتطوَّرُ باستمرارٍ، ويتأثَّر بأسفاري وتجاربي.

الأم والفنانة

حدِّثينا عن يومٍ عادي في حياتكِ، هل ترسمين، وتنحتين بصورةٍ متواصلةٍ، أم تُركِّزين على العملِ في فتراتٍ محدَّدةٍ؟

يومي، هو مزيجٌ من الحياةِ الشخصيَّة، والعطاءِ الفنِّي. بصفتي أماً، يبدأ يومي بالتركيزِ على عائلتي. لا أرسمُ، ولا أنحتُ بصورةٍ متواصلةٍ، بل أركِّزُ على العملِ في فتراتٍ محدَّدةٍ ومكثَّفةٍ عندما أكون في حالةٍ إبداعيَّةٍ. أقضي وقتاً طويلاً في التحضيرِ والتفكيرِ قبل التنفيذ، فالنحتُ يتطلَّبُ تركيزاً عالياً، وبين فتراتِ العمل، أبحثُ، وأخطِّطُ لمشاركاتي المستقبليَّة، وأديرُ الجانبَ التسويقي. يومي، هو توازنٌ بين التدفُّقِ الإبداعي، والمسؤوليَّاتِ العائليَّة، والتخطيطِ للمستقبل.

أنتِ أمٌّ لطفلَين، إلى أي حدٍّ، يصعبُ إنتاجُ الفنِّ في حضورِ الصغار؟

كوني أماً لطفلين، هو أمرٌ جميلٌ ومثرٍ، لكنَّه يتطلَّبُ تنظيماً وتخطيطاً أكبر لإنتاجِ الفنِّ. أحتاجُ إلى التركيزِ والهدوء، لذا أستغلُّ أوقاتَ الفراغِ تماماً، وقد أصبحتُ أكثر كفاءةً في استخدامِ وقتي. أتعاملُ مع طفلَي بوصفهما صديقَين لي، وهما أيضاً مصدرُ إلهامٍ لي، يُذكِّرني بأهميَّةِ الفرحِ والسعادة. إنه توازنٌ بين دورَي الأمِّ والفنَّانة، وهو توازنٌ، أعملُ على تحقيقه يوماً بعد يومٍ.