mena-gmtdmp

تاريخ التنقيط في اللغة العربية.. رحلة ضبط الحروف عبر العصور

عبارة باللغة العربية تتضح فيها أهمية التنقيط
عبارة باللغة العربية تتضح فيها أهمية التنقيط حيث يسهم في فهم وقراءة النص بشكل أسرع وأدق

التنقيط في اللغة العربية هو نظام تطور لحفظ اللغة العربية من الضياع والتحريف، وهو يتضمن تمييز الحروف "الإعجام"، وتشكيلها "الإعراب"، وهو وضع النقاط فوق أو تحت الحروف المتشابهة في الشكل "مثل الباء والتاء والثاء" لتمييزها عن بعضها، وهو أيضاً وضع الحركات "الفتحة، الضمة، الكسرة" والنقاط الأخرى "مثل السكون والشدة" لضبط النطق الصحيح للحروف وتوضيح المعاني. ولقد تم تنقيط الحروف العربية بشكل منهجي في منتصف القرن الأول الهجري، بهدف التمييز بين الحروف المتشابهة "الإعجام" وحماية اللغة من اللحن، بعد أن كانت تُكتب بلا نقاط أو تشكيل.

التنقيط نظام لغوي متكامل حفظ اللغة العربية من الضياع

كاتبة تكتب عبارة باللغة العربية لتظهر أهمية التنقيط الذي سهل عملية التعليم ونقل العلوم


يقول أحمد سليم الباحث في علوم اللغة العربية كلية الآداب جامعة الإسكندرية لـ"سيدتي": اللغة العربية مكون أساسي من مكونات هويتنا، والاعتزاز بها هو اعتزاز بكياننا وثقافتنا؛ فلقد اهتم علماؤنا باللغة العربية اهتماماً بالغاً لأنها لغة القرآن والسنة، لذلك اهتم علماؤنا قديماً بتنقيط اللغة العربية؛ فالتنقيط ليس مجرد علامات شكلية، بل هو نظام لغوي متكامل حفظ اللغة العربية من الضياع، ويسر فهمها وتداولها، وأسهم بشكل فعَّال في نقل القرآن الكريم والموروث الثقافي بدقة عبر العصور، حيث كانت الحروف تُكتب بلا نقاط أو تشكيل، ومع انتشار الإسلام واختلاط العرب بالأعاجم، ظهر اللحن (الخطأ في النطق)، مما دفع العلماء إلى السعي لضبط العربية؛ فكان أبو الأسود الدؤلي أول من وضع أسس التشكيل (نقط الحركات) بتوجيه من الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ثم قام نصر بن عاصم الليثي ويحيى بن يعمر العدواني، في أواخر القرن الأول الهجري، بتنقيط الحروف (الإعجام) لتمييز المتشابه منها كالباء والتاء والثاء. وتلاهما الخليل بن أحمد الفراهيدي، الذي طوّر نظام التشكيل بالحركات بالشكل المعروف حالياً، بهدف إزالة اللبس والحفاظ على سلامة اللغة العربية والقرآن الكريم من الأخطاء.
قد ترغبين في التعرف إلى: قيم جمالية وثقافية معرض "إعجاز" لفن الخط العربي بالرياض

أهمية تنقيط الحروف

يقول أحمد سليم: التنقيط في اللغة العربية ضروري جداً؛ لأنه يميز الحروف المتشابهة "مثل: ب، ت، ث"، ويوضح المعاني ويمنع الالتباس، ويساعد على قراءة النصوص بشكل سليم وسريع، كما أنه يحدد مواضع الوقف والتوقف، ويصون اللغة من الضياع ويضمن استمرارية فهمها عبر الأجيال وهي تتضح كالآتي:

  • التمييز بين الحروف المتشابهة

يميز بين الحروف المتماثلة في الشكل مثل "الباء والتاء والثاء، والفاء والقاف، والصاد والضاد"، وغيرها من الحروف التي تتشابه في الشكل دون التنقيط؛ ما يمنع الالتباس.

  • الضبط الصوتي

يوضح النطق الصحيح للكلمات ويضبطها بالحركات؛ ما يمنع اللحن ويحافظ على سلامة اللغة.

  • توضيح المعنى

يسهم في فهم وقراءة النص بشكل أسرع وأدق، وتسهيل الفهم، كما يزيل الغموض الذي قد ينشأ من تشابه الحروف، كما إنه يحدد نهايات الجمل ومواضع الوقف.

  • الحفاظ على اللغة

التنقيط في اللغة العربية ضروري لحفظها وضمان استمراريتها، فلولا التنقيط والتشكيل؛ لفسدت ألسن الناس واختلطت المعاني، خاصة مع دخول الأعاجم، ولأصبح فهم القرآن الكريم صعباً.

  • تيسير القراءة

حيث يقلل من الوقت والجهد الذهني المبذول لفهم النص، ويوضح للقارئ تقسيمات الجمل والعبارات ومواضع الوقف، وبسببه أصبحت قراءة النصوص وتلاوة القرآن أسهل وأكثر دقة.

  • نقل اللغة عبر الأجيال

ضمان استمرارية اللغة العربية الفصحى وقدرتها على التعبير عن المعاني بدقة، كما يسهل تعلمها للناطقين بغيرها، ولقد سهَّل التنقيط عملية التعليم ونقل العلوم والمعارف عبر الأجيال؛ ما حفظ التراث العربي والإسلامي.
والرابط التالي يعرفك إلى: المدرسة الحروفية السعودية ريادة عربية ومسار فني متميز

تطور نظام التنقيط والتشكيل في اللغة العربية

مع انتشار الإسلام وازدياد عدد المسلمين غير العرب، ظهرت الحاجة إلى ضبط قراءة القرآن الكريم والحفاظ على سلامة اللغة العربية من الأخطاء. ولتحقيق ذلك، قام العلماء على مر العصور بتطوير أنظمة التشكيل والتنقيط للحروف والكلمات، فكانت لكل مرحلة إسهامات بارزة من شخصيات علمية مثل أبو الأسود الدؤلي ونصر بن عاصم والخليل بن أحمد الفراهيدي، أسهمت مجتمعة في بناء النظام الكتابي العربي المتعارف عليه اليوم.

عبارة باللغة العربية تتضح فيها أهمية التنقيط حيث يقلل التنقيط من الوقت والجهد الذهني المبذول لفهم النص

 

أبو الأسود الدؤلي " 69هـ"

يُعدّ أبو الأسود الدؤلي (ت 69هـ) أول من وضع نقط الشكل لضبط قراءة المصاحف في العصر الأموي، بهدف تصحيح اللحن في تلاوة القرآن الكريم. وقد استُخدمت آنذاك نقاط ملوّنة توضع فوق الحرف أو تحته أو أمامه للدلالة على الفتح والكسـر والضم والتنوين، قبل أن تتطوّر لاحقاً إلى نظام التشكيل المعروف اليوم. ويُعدّ عمل أبي الأسود الأساس الذي انطلقت منه جهود العلماء اللاحقين في صون اللغة العربية والقرآن الكريم من الخطأ.

نصر بن عاصم الليثي "ت 90هـ / 708م"

يعدّ نصر بن عاصم الليثي (ت 90هـ) من أبرز العلماء الذين أسهموا في تنقيط الحروف العربية (الإعجام) لتمييز المتشابه منها، كالباء والتاء والثاء، وذلك في أواخر القرن الأول الهجري، بهدف منع اللحن وضبط قراءة القرآن الكريم مع اتساع رقعة الإسلام ودخول غير العرب فيه. وقد تم هذا العمل بالتعاون مع يحيى بن يعمر العدواني، وتحت إشراف الحجاج بن يوسف الثقفي في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، فشكّل ذلك مرحلة مفصلية في حفظ اللغة العربية والقرآن من الخطأ.

الخليل بن أحمد الفراهيدي "القرن الثاني الهجري"

أسهم الخليل بن أحمد الفراهيدي، في القرن الثاني الهجري، في تطوير نظام التشكيل الذي بدأه أبو الأسود الدؤلي، فاستبدل النقاط بعلامات الحركات المعروفة اليوم؛ كالفتحة والضمة والكسرة، تفادياً للالتباس مع نقاط الإعجام. كما وضع رموز السكون والشدة والهمزة، وأسهم في تنظيم الحروف وتحليل بنية الكلمات، ما أسّس لنظام الكتابة العربية المتعارف عليه، وكان له أثر بالغ في تطور علمي النحو والعَروض.
ومن السياق التالي يمكنك التعرف إلى: أهمية اللغة العربية ومكانتها