في مرحلة الشباب، نمر أحياناً بتجارب تترك أثراً لا يُنسى. قد تكون علاقة عابرة أو حباً لم يكتمل، وربما صداقة شعرت أنها كانت أكثر مما هي عليه في الحقيقة. وعلى الرغم من أن الحياة لا تتوقف؛ فإن الذكريات تعود لتطرق بابك من حين لآخر، وتجد نفسك عالقاً في مشاعر يصعب تجاوزها.
هذا التعلق لا يعني بالضرورة ضعفك، لكنه قد يتحول إلى عبء إذا طغى على حياتك، ومنعك من التطور والمضي قدماً؛ فكيف يمكن التحرر من هذا الشعور؟ سألنا المدربة المعتمدة في البرمجة اللغوية العصبية NLP ومدربة الحياة المتخصصة في تنظيم المشاعر وإدارة التوتر ندى مسقاوي، وخرجنا بهذا الدليل العملي للتعافي خطوة بخطوة.
إعداد: إيمان محمد
ما التعلق العاطفي؟
تقول كوتش ندى: إن التعلق هو شعور داخلي قوي بالارتباط بشخص آخر، إلى درجة تشعر فيها أن وجوده أساسي لتوازنك النفسي. قد تعتقد أنك تحب هذا الشخص، لكن الحقيقة أن التعلق أحياناً يكون تعبيراً عن فراغ داخلي أو خوف من الفقد أو حاجة للشعور بالقيمة. وتضيف: اسأل نفسك بصدق: هل كنت تحبه فعلاً؟ أم كنت تحب شعورك معه؟ هل كنت ترى حقيقته؟ أم كنت ترى ما تحتاج أن تراه؟ وتشدد في حديثها لـ"سيدتي": الوعي بهذه الفجوة هو أول خطوة للشفاء. عندما تفهم ما كنت تبحث عنه، يمكنك البدء في تلبيته من داخلك، لا عبر الآخرين.

لماذا التعلق مؤذٍ مع أنه يبدو بريئاً؟!
بحسب ندى مسقاوي، التعلق يحمل تبعات نفسية خفية تتراكم بمرور الوقت:
- يفقدك استقلالك العاطفي: تصبح حالتك النفسية مرهونة بمزاج الآخر.
- يضعف ثقتك بنفسك: تشعر أن لا قيمة لك من دونه.
- يشوِّه رؤيتك للواقع: تبرر التجاهل أو الأذى خوفاً من الفقد.
- يعطل تطورك الشخصي: تصبح حياتك معلقة، ودائماً في الانتظار.
الحب الحقيقي يمنحك نمواً وحرية، أما التعلق؛ فيقيدك بوهم ويهدر طاقتك.
خطوات عملية للتحرر العاطفي
إذا كنت ترغب فعلاً في النسيان، أو بالأصح: التحرر؛ فإليك خطة ندى مسقاوي خطوة بخطوة:
اعترف أنك متعلق
قولك لنفسك: "أنا متعلق، وهذا يضرني" ليس ضعفاً، بل هو أول بوابة للشفاء. لا يمكن معالجة ما تنكره.
لا تخجل من الحزن
خذ وقتك لتشعر، للبكاء، للكتابة، للتعبير. تجاوز المشاعر لا يتم بإنكارها، بل بمرورها الكامل في داخلك.
اقرئي أيضاً: الحب عبْر الإنترنت: قصة نجاح أم خطر عاطفي؟
راقب أفكارك وغير مساراتها
هل تكرر بداخلك عبارات مثل: "ما فيش حد هيفهمني زيه"، أو "مش هعرف أحب تاني". هذه الأفكار هي وقود التعلق. غيِّرها بوعي بـ:
"أنا كافٍ بذاتي"، "أستحق علاقة متوازنة وسعيدة".
ابتعد عن المحفزات

لا تتابع أخبار من تعلقت به. احذف الصور والرسائل مؤقتاً، أو على الأقل، اجعل الوصول إليها صعباً. أنت لا تمحو ماضيك، بل تحمي مستقبلك العاطفي.
املأ الفراغ بنفسك
مارس رياضة، خض تجربة جديدة، سافر، شارك في ورشة فنية. افعل ما يملأ وقتك بما يغذي قلبك وروحك، لا ما يعيدك لنقطة الصفر.
اكتب رسالة وداع
وجه لنفسك رسالة تسامح فيها قلبك، وتودع فيها الشخص الذي تعلقت به.اكتب كل ما لم تقله، لا ترسلها، فقط حرر مشاعرك على الورق.
متى أطلب المساعدة؟
إذا استمر التعلق لأشهر، وأثر في نومك، دراستك، علاقاتك، أو طاقتك اليومية؛ فقد حان وقت طلب الدعم.
سواء من مختص نفسي، أو مدرب حياة، أو حتى مجموعات دعم –كلها أماكن آمنة يمكن أن تساعدك على استعادة توازنك العاطفي.
طلب المساعدة لا يعني أنك ضعيف، بل أنك ناضج بما يكفي لتختار الشفاء.
وتختتم ندى مسقاوي حديثها بالقول: "التعلق لا يشبه الحب، الحب ينضجك، يحررك، يدفعك إلى الأمام. أما التعلق، فيبقيك حبيساً لذكرى، وسجيناً لأمل لا يتحقق. تحرر، ليس لأنك قوي بالضرورة، بل لأنك تستحق أن تعيش لنفسك، لا في ظل أحد، وكلما اقتربت من ذاتك؛ ابتعدت عما لا يشبهك.