في عمر الشباب عادة ما نظن أننا نريد أشياء بسبب الضغوط المحيطة والمقارنات، لكن مع النضج والتعلم نعرف أن هذه الأشياء قد لا تكون مصدراً للسعادة حقيقياً، وأننا حتى لم نردها في يوم من الأيام.
تحديد ما يريده الشخص حقاً ليس أمراً سهلاً، لكن يتطلب كثيراً من الفهم والنضج والتواصل مع الذات، لا سيما وأن ثمة شباباً يضيعون وقتاً وجهداً فقط لمجاراة المحيطين، سواء من الأصدقاء المباشرين أو العالم الافتراضي على السوشيال ميديا، والذي بات مصدر الضغط الرئيسي.
إعداد: إيمان محمد
أشياء نريدها حقاً
الكاتب والمتخصص في التسويق براين كرامر حدد ستة عوامل، عبر موقعه، تشكل جوهر ما يريده الشباب حقاً، حتى وإن لم يدركوا ذلك بوضوح:
الإشباع
الإشباع يتحقق عندما يستخدم الشخص مهاراته وقيمته الحقيقية في عمل يلبي حاجاته النفسية والمادية، لكن مهما بذلت من مجهود في شيء لا يُشعرك بالشبع فإن الأمر لن ينتهي بشعور مستقر . يجب أن تشعر أنك تصنع فرقاً، حتى لو كان بسيطاً.
الاتصال
الاتصال لا يعني أن يحيط بك كثير من الأشخاص، أو أن تعمل وسط مجموعة كبيرة، بينما الاتصال الحقيقي يتحقق حين تعمل وسط أشخاص يشبهونك في القيم والطموحات، فهنا فقط تجد نفسك جزءاً من هدف أكبر، ومن ثم هذا يتحقق جزء مما تريده بالفعل.
النمو
كما قال جون هنري نيومان: "النمو هو الدليل الوحيد على الحياة"، الإنسان الطبيعي سواء كان في مرحلة الشباب أو بعد ذلك حتى، يبحث عن الشعور بأن كل يوم يضيف لتجربته ويُشعره أنه ينمو معنوياً أو من حيث التطور الفعلي، نحن نريد أن نتطور ونتعلم ونكتشف أفقاً جديداً.

الإبداع
الإبداع ليس رفاهية، بل حاجة إنسانية، تقديم فكرة جديدة أو منتج مبتكر يمنح الشعور بالتميز الحقيقي، وهنا يشعر الشاب أو الفتاة أن وجوده يمثل قيمة للآخرين، فهو يملك ما يمكن أن يضيفه للعالم.
المساهمة
أن يكون لك أثر إيجابي، سواء عبر العمل أو المال أو المعرفة، وأن تترك شيئاً أفضل مما وجدته. هذا هو هدف يبحث عنه أي شخص بمختلف المستويات الاجتماعية والمادية، لذلك فإن الشعور بالانغلاق لن يحقق لك ما تريده فعلاً.
التوافق
إن تتناغم قيمك الداخلية مع ما تفعله في حياتك اليومية. هذا هو الرضا الحقيقي، أن تستيقظ كل يوم وأنت تؤمن بأنك في الطريق الصحيح.
يمكنك أيضاً الاطلاع على خطوات مهمة للاستعداد لمستقبل مهني ناجح
ما نظن أننا نريده؟
لكن لماذا إذاً نقول إننا نريد أشياء معينة ثم لا نتحرك نحوها؟. الكاتب النفسي نيك وينيال يقترح إجابة جذرية: "ربما نحن لا نريد حقاً ما نعتقد أننا نريده".
يشرح وينيال فكرته من خلال "اختبار التضحية" – وهو مبدأ بسيط لكنه كاشف: "ما مدى استعدادك للتضحية من أجل ما تقول إنك تريده؟"
على سبيل المثال:
- تقول إنك تريد أن تخسر الوزن، لكنك لا تمارس الرياضة بانتظام.
- تقول إنك تريد شركة خاصة بك، لكنك تظل تقرأ فقط دون أن تبدأ.
- تقول إنك تريد علاقة صحية، لكنك لا تتحمل مسؤولية فتح حوار حقيقي مع شريكك.
ويقول "قد تكون هذه مجرد "أمنيات" أو تصورات اجتماعية، لا رغبات حقيقية؛ لأنه حين نُجبر على مواجهة التكاليف والجهد والوقت والانضباط اللازمين لتحقيق هذه الرغبات، نتراجع".
الفرق بين "أريد" و"أنا مستعد"
يقول الكاتب النفسي نستخدم كلمة "أريد" بمعنيين مختلفين:
- "أريد" بمعنى: سيكون من اللطيف أن أحصل عليه.
- و"أريد" بمعنى: أنا مستعد تماماً لدفع الثمن من وقتي وجهدي ومشاعري للحصول عليه.
إذا لم تُجرِ هذا الفحص العميق الحقيقي، بما في ذلك التضحيات التي تستلزمها، فأنت على الأرجح لا تريدها حقاً، بل فقط تحب فكرة امتلاكها.
كيف تعرف أنك تريد شيئاً حقاً؟
اسأل نفسك:
- هل أنا مستعد لتغيير عاداتي اليومية لأجل هذا الهدف؟
- هل أتحمل الانزعاج المؤقت، والتخلي عن الراحة من أجل المكسب طويل المدى؟
- هل سألتزم حتى لو لم يرَ أحد مجهودي أو يقدّرني في البداية؟
إذا كانت إجابتك "نعم"، فأنت على الطريق الصحيح. وإذا كانت "لا"، فقد يكون الوقت مناسباً لإعادة تعريف أهدافك.
ما نصح به الخبراء هو أن يكون لكل شاب أو فتاة قصته الخاصة، وهذا عمل داخلي شاق وصادق، لكنه يستحق. لأنك حين تُدرك ما تريده بصدق وتعرف الثمن، وتقبل بدفعه حينها فقط، تبدأ رحلتك الحقيقية.