من بين القصصِ المضيئةِ للمرأةِ السعوديَّةِ في مسيرةِ التنميةِ والتطوير، تندرجُ قِصَّةُ أبرار محمد باشويعر، المستشارة الماليَّة وقائدة التحوُّل والتطوير المؤسَّسي، التي حقَّقت أخيراً إنجازاً دولياً باختيارها ضمن قائمةِ أبرز 200 قائدةٍ ملهمةٍ عالمياً لعامِ 2025. كذلك، سبقَ أن اختارتها هيئةُ السياحة، خلال مسيرتها التي تمتدُّ نحو عقدَين، ضمن صنَّاعِ السياحةِ في السعوديَّةِ عامَ 2020.
وتشغلُ أبرار، التي حاورتها «سيدتي»، حالياً منصبَ مساعدِ أمين محافظةِ جدة للتخطيط الاستراتيجي حيث تقودُ التوجُّه الاستراتيجي للأمانة، وتوائمُ مشروعاتِ التطويرِ الحضري والخدماتِ مع أهدافِ التحوُّل الوطني.
أبرار محمد باشويعر ورحلة الإلهام والتميز
نبدأ حوارنا بتهنئتكِ على هذا الإنجازِ المتميِّز، حدِّثينا عن شعوركِ باختياركِ ضمن قائمةِ أبرزِ 200 قائدةٍ ملهمةٍ عالمياً لعامِ 2025؟
الحمد لله. شعوري حينها، لا يُمكنني وصفُه بالكلمات. عندما وصلني الخبرُ من مؤسَّسةِ «وايت بيج إنترناشيونال» العالميَّة، كان أوَّلُ شيءٍ يخطرُ في بالي، هو الامتنانُ العميقُ لله سبحانه وتعالى، ثم للوطنِ الغالي الذي احتضنني، ومكَّنني من الوصولِ إلى هذا المستوى، وكذلك لوالدي اللذين غمراني دائماً بالدعمِ والتشجيع، وأبنائي فهم وقودي وأساسُ طاقتي التي لطالما دفعتني لتحقيقِ المزيد. هذا التكريمُ ليس مجرَّد اعترافٍ شخصي، إنه أيضاً تتويجٌ لجهودٍ جماعيَّةٍ، وانعكاسٌ حقيقي لـ «رؤية 2030» التي وضعت تمكينَ المرأةِ في مقدِّمةِ أولويَّاتها. أشعرُ بمسؤوليَّةٍ كبيرةٍ تجاه هذا التكريم، فهو يُحمِّلني أمانةَ تمثيلِ المرأةِ السعوديَّةِ خيرَ تمثيلٍ على الساحةِ العالمية، وأن أكون مصدرَ إلهامٍ للشابَّاتِ الطموحاتِ في وطني والعالمِ العربي. هذا الإنجازُ، هو رسالةٌ واضحةٌ للعالم بأن المرأةَ السعوديَّةَ قادرةٌ على القيادةِ، والإبداعِ، والتأثيرِ الإيجابي على المستوى الدولي.
ما الذي يُميِّز هذا التكريم عن غيره من الجوائزِ والتقديراتِ التي حصلتِ عليها؟
هذا التكريمُ، هو من مؤسَّسةٍ عالميَّةٍ مُعترفٍ بها دولياً، ويضعني ضمن نخبةٍ من القيادات النسائيَّةِ المؤثِّرةِ من جميع أنحاءِ العالم، ثم إنه جاء في فئةِ «القيادةِ التنفيذيَّةِ للتغيير والتحوُّل»، وهذا يعكسُ طبيعةَ عملي ورؤيتي في إحداثِ تغييرٍ إيجابي بالمؤسَّساتِ والمجتمعات. ما يجعلُ هذا التكريمَ أكثر خصوصيَّةً، هو توقيته، فهو يأتي في وقتٍ تشهدُ فيه السعوديَّةُ تحوُّلاتٍ جذريَّةً في إطارِ رؤية 2030، وأشعرُ بالفخر لكوني جزءاً من هذا التحوُّلِ التاريخي. كذلك، هذا الاعترافُ العالمي، يُسلِّط الضوءَ على الدورِ المتنامي للمرأةِ السعوديَّةِ في قيادةِ التنميةِ والتطوير.
تمكين المرأة السعودية
من خلال تجربتكِ الشخصيَّةِ والمهنيَّة، كيف تصفين الجهودَ التي تبذلها الحكومةُ السعوديَّةُ في تمكين المرأة؟
الحكومةُ السعوديَّة، بقيادةِ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله، قدَّمت نموذجاً استثنائياً في تمكينِ المرأة، يستحقُّ الإشادةَ والتقدير على المستوى العالمي. ما نشهده اليوم، هو تحوُّلٌ جذري وشاملٌ في النظرةِ إلى دورِ المرأةِ في المجتمعِ والاقتصاد.
البرامجُ الحكوميَّةُ مثل برنامجِ «تمكينِ المرأة» ضمن رؤيةِ 2030، ومبادراتُ صندوقِ التنمية الوطني، وبرامجُ الدعمِ المالي للمشروعاتِ النسائيَّة كلّها أمثلةٌ حيَّةٌ على هذا الالتزامِ الحكومي.
يمكنك أيضًا التعرف على بسمة الميمان
المرأة السعودية ورؤية 2030
كيف ترين إسهاماتِ المرأةِ في رؤيةِ 2030، وهذا التحوُّلَ الوطني الكبير؟
المرأةُ السعوديَّة، ليست مجرَّد مستفيدةٍ من رؤيةِ 2030، بل هي أيضاً شريكٌ أساسي وفاعلٌ في تحقيقِ أهدافها الطموحة.
في القطاعِ الاقتصادي، نرى المرأةَ تقودُ مشروعاتٍ رياديَّةً مبتكرةً، وتتولَّى مناصبَ قياديَّةً في الشركاتِ الكبرى، وتسهمُ في زيادةِ الناتجِ المحلي الإجمالي. وفي مجالِ التعليمِ والتطوير، تتصدَّرُ المرأةُ المشهد، إذ إن هناك نسبةً عاليةً من الخريجات الجامعيَّات، مع مشاركةٍ متزايدةٍ في برامجِ الدراساتِ العليا والبحثِ العلمي، إلى جانبِ حضورٍ قوي في المؤتمراتِ والملتقياتِ العلميَّة. هذا الاستثمارُ في التعليمِ والتطوير أساسُ التحوُّلِ المعرفي الذي تسعى إليه رؤيةُ 2030.
"هناك فرص لا محدودة لكل من يريد أن يكون جزءاً من التحول التاريخي في السعودية"

الرحلة العلمية
كيف بدأت قِصَّةُ نجاحِ أبرار باشويعر؟
قصَّتي، بدأت من حلمٍ بسيطٍ لفتاةٍ صغيرةٍ، كانت تتمنَّى أن تصبحَ طبيبةً. تأثَّرتُ في ذلك بجدي، رحمه الله، إذ كان له تأثيرٌ كبيرٌ في تشكيلِ شخصيَّتي، وعندما دخلتُ كليَّةَ الطبِّ، ورأيتُ المشرحة، أدركتُ أن هذا المجالَ ليس لي. كان هذا أوَّلَ درسٍ تعلَّمته في الحياةِ بأن على الإنسانِ أن يبحثَ عن الأبوابِ المفتوحةِ في حال قابله بابٌ مغلقٌ، لأن الله لا محالة اختارَ له الأفضل.
تالياً، انتقلتُ إلى دراسةِ المحاسبةِ في جامعةِ الملك عبدالعزيز، وهنا اكتشفتُ شغفي الحقيقي بعالمِ الأرقامِ والتحليل المالي. وبعد التخرجُّ، كان طموحي كبيراً للحصولِ على درجةِ الماجستيرِ في التحليل المالي من أستراليا. السفرُ للدراسةِ في الخارج علَّمني الاعتمادَ على النفس، واتِّخاذَ القرارات، وتقبُّلَ جميع الحضارات، والتعلُّمَ منهم بصدرٍ رحبٍ، كما أكسبني منظوراً عالمياً في التفكيرِ والعمل.
ما أصعبُ اللحظاتِ التي مررتِ بها في رحلتكِ المهنيَّة، وكيف تجاوزتِها؟
كانت هناك لحظاتٌ صعبةٌ كثيرةٌ، لكنْ أصعبها التوفيقُ بين الدراسةِ والعملِ ودوري بوصفي أماً. غريزةُ الأمومة، هي الأقوى والأعظمُ دائماً، وقد أكرمني الله بوالدةٍ حكيمةٍ، زرعت فيَّ الصبرَ والقوَّة، وألهمتني كثيراً، واقتنعتُ أن الأبناءَ يريدون أماً ناجحةً، ومع مرورِ الوقت، بدأتُ أرى الفخرَ في أعين أبنائي، وهذا كان أحدَ أهمِّ أسرارِ نجاحي. التحدِّي الآخرُ، كان في بدايةِ مسيرتي المهنيَّةِ عندما كنت أعملُ في بيئاتٍ، يهيمن عليها الرجال. كان عليَّ أن أثبت جدارتي وكفاءتي في كلِّ موقفٍ. هذا علَّمني أن الكفاءةَ والإتقان، هما اللغةُ الوحيدةُ التي يفهمها الجميع بغضِّ النظرِ عن الجنسِ، أو العمرِ، أو الخلفيَّة.
ما أهمُّ الدروسِ التي تعلَّمتِها من رحلتكِ، وتودِّين مشاركتها مع قرَّائنا؟
الدرسُ الأوَّلُ والأهمُّ، هو أن النجاحَ رحلةٌ، وليس وجهةً. كلُّ إنجازٍ تحقِّقينه، هو نقطةُ انطلاقٍ لتحدٍّ جديدٍ وهدفٍ أكبر، وبما أن العالمَ يتغيَّرُ بسرعةٍ، لذا استثمري في تطويرِ نفسكِ باستمرارٍ، واقرئي، وتعلَّمي، واحضري دوراتٍ تدريبيةً ومؤتمراتٍ، وابني علاقاتٍ قويَّةً ومتينةً مع زملائكِ ومرؤوسيكِ ورؤسائكِ، وكوني مصدرَ دعمٍ للآخرين, وتعلَّمي كيف تديرين وقتكِ بفاعليَّةٍ، وضعي أولويَّاتٍ واضحةً، ولا تتردَّدي في طلبِ المساعدةِ عند الحاجة، ولا تخافي من المخاطرة، أو من ارتكابِ الأخطاء فكلُّ خطأ، هو فرصةٌ للتعلُّمِ والتطوير. إن النجاحَ الحقيقي، يكمن في قدرتكِ على إحداثِ تأثيرٍ إيجابي في حياةِ الآخرين.
بمكنك الاطلاع على لمى الشثري لـ برنامج سيدتي عن رؤية السعودية 2030: المرأة تعيش عصرها الذهبي
التوازن بين الحياة المهنية والأسرية
كيف تديرين التوازنَ بين مسؤوليَّاتكِ المهنيَّةِ الكبيرةِ ودوركِ بوصفكِ أماً؟
أولاً، أؤمنُ بأن النجاحَ المهني، والسعادةَ الأسريَّة، ليسا متضادين، بل يمكن أن يُكملا بعضهما بعضاً. عندما أكون ناجحةً في عملي، أشعرُ بالرضا والثقة، وهذا ينعكسُ إيجاباً على علاقتي بأسرتي.
ما طموحاتكِ وأهدافكِ للمرحلةِ المقبلةِ من مسيرتكِ المهنيَّة؟
التكريمُ العالمي الذي حصلتُ عليه أخيراً، فتح أمامي آفاقاً جديدةً، وأعطاني منصَّةً أكبر للتأثيرِ والإلهام. أهدافي للمرحلةِ المقبلة، تتمحورُ حول محاورَ رئيسةٍ، هي حبُّ الوطن، وتقديمُ كلِّ ما أملك لتحقيقِ رؤية 2030، وعلمٌ يُنتَفعُ به، سأنشره بكلِّ الطرقِ والوسائل، ليستفيدَ منه أكبر قدرٍ ممكنٍ من البشر، وإعمارُ الأرض، وفتحُ أبوابِ الرزق.
كلمةٌ نختمُ بها اللقاء؟
نحن نعيشُ في وقتٍ استثنائي بتاريخِ السعودية، في وقتِ التحوُّلِ، والتطويرِ، والنمو. هذا الوقتُ، يحملُ فرصاً لا محدودةً لكلِّ مَن يريد أن يكون جزءاً من هذا التحوُّلِ التاريخي. أخيراً، أشكرُ «سيدتي» على هذه الفرصةِ الرائعةِ لمشاركةِ تجربتي وأفكاري مع القرَّاءِ الكرام. أتمنَّى أن تكون هذه الكلماتُ مصدرَ إلهامٍ وتحفيزٍ للجميع، وأن نستمرَّ جميعاً في العملِ من أجل مستقبلٍ أفضل لوطننا الغالي.
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط