تجربةُ الشيف ريتا يزبك في الطبخ، هي مزيجٌ من الحبِّ والتاريخِ والذاكرة، ورحلةٌ من النكهةِ، تحملُ في ثناياها مذاقَ الطعامِ، وأيضاً قصصَ الأجيالِ، وزوايا أسرتها، وتفاصيلَ البيتِ، ودفءَ المشاركة. في مطبخها، داخلَ مطعمِ Cezanne حيث التقتها «سيدتي»، الطبخُ ليس مجرَّد تحضيرِ مكوِّناتٍ، أو التزاماً بخطواتٍ معيَّنةٍ فقط، بل يتعدَّاه إلى طقوسٍ يوميَّةٍ، تنبضُ بالحنينِ والهويَّة، إذ تُعيد خلقَ إحساسِ الانتماءِ والألفة.
اعداد: عفت شهاب الدين
تصوير | فاتشيه أباكليان Vatche Abaklian
الشيف ريتا يزبك

بين المطبخ والشغف: رحلتي مع الطهي والإبداع

«أنا شيفٌ شغوفةٌ بالمطبخَين المتوسطي والفرنسي. درستُ إدارةَ الضيافةِ Hospitality Management بالجامعةِ اليسوعيَّةِ في بيروت، وتعلَّمتُ الطبخَ على يدَي الشيف مارون شديد، ثم عملتُ مع عددٍ من الطهاةِ المعروفين، منهم Adrien Trouilloud في باريس. تدرَّبت تالياً بمدرسةِ Alain Ducasse في العاصمةِ الفرنسيَّة، وأؤمنُ بأن الطهي مهنةٌ، وتجربةٌ روحيَّةٌ وفنيَّةٌ أيضاً. أنا رائدةُ أعمالٍ كذلك، أبتكرُ تجاربَ طهي فريدةً، وأهدفُ من خلالها إلى تحريك المشاعرِ، وخلقِ لحظاتٍ لا تُنسى حول المائدة». بهذه الكلماتِ عرَّفت ريتا يزبك بنفسها في بدايةِ حديثها مع «سيدتي».
وأوضحت الشيف، أن فلسفتها في الطهي، تجمعُ بين الأصالةِ والابتكار، ومن خلفيَّاتها أنها نشأت في بيئةٍ، تُقدِّر المطبخَ المنزلي، وتُقدِّم وصفاتٍ متوازنةً وغنيَّةً. حول هذا الموضوع تقولُ: «تمرُّ رحلتي في هذا المجالِ بين الأصالةِ والابتكار، وتركيبِ مكوِّناتِ البحرِ الأبيض المتوسط مع الهويَّةِ اللبنانيَّةِ بأسلوبٍ منزلي سهلٍ ومتَّصلٍ بالجذور». وهي مع ذلك لا تخشى إبرازَ الذوقِ، أو تقديمَ لمساتٍ، تجعلُ الوصفاتِ متوازنةً بين التقليدي والمعاصر، لذا «أشيرُ إلى أنها تجربةٌ عائليَّةٌ بامتيازٍ من خلال التنسيقِ بين الأجيال، ومشاركةِ الذكريات، وتحضيرِ الموائدِ التي تُعزِّز الروابطَ بين أفرادِ العائلة، بهذا الشكلِ يصبحُ الطعامُ وسيلةٍ للتقاربِ والتواصلِ من خلال اللحظاتِ المشتركةِ حول مائدتي».
لكنْ من أين بدأت الفكرةُ لديها، ولماذا اختارت هذا المجال؟ تُجيبنا الشيف ريتا عن هذا الاستفسارِ بأن «الفكرةَ، انبثقت من حبِّي العميقِ للطبخِ، والضيافةِ، والعملِ المتقن. لطالما أحببتُ خلقَ لحظاتٍ، تجمعُ الناسَ حيث يتشاركون الطعامَ، والمشاعرَ، والقصص. كان الطهي بالنسبةِ لي وسيلةً طبيعيَّةً للتعبيرِ عن إبداعي واهتمامي بالتفاصيل، ومن خلاله أُسعِدُ الآخرين بتجاربَ دافئةٍ وصادقةٍ».
تستطردُ يزبك: «من خلال مشروعي Cézanne، أردتُ استخدامَ مواهبي في لبنان بدلاً من الانتقالِ إلى جنوبِ فرنسا، خاصَّةً أنني متأثِّرةٌ جداً بجمالِ الجانبِ البروفنسالي في فرنسا، وقد وجدتُ تشابهاً مع طبيعةِ لبنان، لذا قرَّرتُ أن أدمجَ هذا الجانبَ في مشروعي عبر قائمةِ طعامٍ مستوحاةٍ من المطبخِ المتوسطي وجنوبِ فرنسا، وحرصتُ على أن يُعبِّر كلُّ طبقٍ عن لمسةٍ من هذا المزيج». تضيفُ: «أركِّزُ على خلقِ تجربةٍ، تجمعُ بين الضيافةِ والطهي. هذا المشروعُ ليس مجرَّد مطعمٍ، إنه أيضاً مكانٌ فيه ضيافةٌ، وبيتُ ضيافةٍ حول المسبح. كذلك شاركتُ في تأسيسِ SUD Resto، وعملتُ بالمطاعمِ والمشروعاتِ في لبنان وباريس، وهذا يُؤكِّد أن تجربتي ليست محليَّةً فقط، بل هي متعدِّدةُ الثقافات. أنا شريكةٌ مؤسِّسةٌ، وطاهيةٌ في مشروعاتِ الضيافة، وشغفي هو المطبخُ المتوسطي».
ما رأيك بالتعرف على الشيف المصرية سوزان مختار
التحديات والصعوبات في طريق الشغف

البدايةُ لم تكن سهلةً، كما توضحُ الشيفُ ريتا، إذ «واجهتُ صعوباتٍ في تحقيقِ التوازنِ بين شغفي والواقع، وبين حلمي والإدارةِ اليوميَّةِ للمشروع. بناءُ مكانٍ، يحملُ روحاً حقيقيةً، تطلَّبَ جهداً هائلاً، وصبراً وتعاوناً، وعملاً جماعياً. واجهتُ أيضاً أحداثاً غير متوقَّعةٍ، لكنْ كلُّ تحدٍّ جعلني أكثر تصميماً على تحقيقِ رؤيتي من خلال مطعمي Cézanne. تجربتي في الطبخِ، هي مزيجٌ من الحبِّ، والتاريخِ، والذاكرة. هي رحلةٌ من النكهةِ، تحملُ مذاقَ الطعام، وأيضاً فيها قصصُ الأجيال، وزوايا أسرتي، وتفاصيلُ البيت، ودفءُ المشاركة». تتابعُ: «في مطبخي، الطبخُ ليس مجرَّد تحضيرِ مكوِّناتٍ، أو التزاماً بخطواتٍ معيَّنةٍ، إنه طقوسٌ يوميَّةٌ، تنبضُ بالحنينِ والهويَّةِ حيث أعيدُ خلقَ إحساسِ الانتماء، وأسعى إلى تجسيدِ الألفةِ بين الأصالةِ والابتكارِ من خلال تركيبِ مكوِّناتِ البحرِ الأبيض المتوسط مع الهويَّةِ اللبنانيَّةِ بأسلوبٍ منزلي سهلٍ ومتَّصلٍ بالجذور. مع ذلك، لا أخشى إبرازَ الذوقِ، أو تقديمَ لمساتٍ، تجعلُ الوصفاتِ متوازنةً بين التقليدي والمعاصر. إنها تجربةٌ عائليَّةٌ بامتيازٍ من خلال التنسيقِ بين الأجيال، ومشاركةِ الذكريات، وتحضيرِ الموائدِ التي تُعزِّز الروابطَ بين أفرادِ العائلة، بهذا الشكلِ يصبح الطعامُ وسيلةً للتقاربِ والتواصل».
وعن الشخصِ الذي يُلهمها في مسيرتها بالطبخِ، توضحُ الشيف ريتا أنها تستلهمُ قوَّتها وإرادتها من النساءِ القويَّاتِ الرائداتِ اللاتي يجمعن بين الصرامةِ والإبداع، على رأسهن والدتها التي كانت دائماً مصدرَ إلهامٍ لها بالصبرِ والطموح. كذلك تجدُ إلهامها في السفرِ، والتقاليدِ الطهويَّة، والذكرياتِ الجميلة، وذوقها في الأشياءِ الراقية. تقولُ: «من هنا أشيرُ إلى أن رسالتي لكلِّ امرأةٍ، هي أن تحويلَ الشغفِ إلى مشروعٍ حقيقي أمرٌ ممكنٌ. في عالمِ الطهي، الذي لا يزالُ يهيمن عليه الذكور، أثبِّت نفسي على الرغمِ من أنني لا أنحدرُ من عائلةٍ تعملُ في المطاعم. أنا فقط من عائلةٍ طموحةٍ لا تستسلم أبداً، وهذا هو جوهرُ القوة. مسيرتي كانت وما زالت مملوءةً بالتحدِّيات، لكنَّها أيضاً زاخرةٌ بالمكافآت. مررتُ بلحظاتٍ من الشكِّ والتعب، لكنْ أيضاً بلحظاتِ فخرٍ عميقٍ مع كلِّ إنجازٍ. لقد تطوَّرتُ مع مشروعي، وCezanne اليوم هو انعكاسٌ صادقٌ لحلمي وشغفي».
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط






