كل بيئة أعمال لها خصوصيتها وعناصر تميز خاصة بها، وكل مجتمع اقتصادي له تحدياته وفيه فرصه الخاصة، واليوم تعد السعودية من أكثر بيئات الأعمال نمواً في العالم، وأكثرها تحفيزاً لريادة الأعمال، بالأخص للجيل الشاب الذي تلاقى طموحه العالي مع استراتيجيات التحول الكبرى التي رسمتها رؤية السعودية 2030 في شتى القطاعات.
لكن ما هي مفاتيح النجاح ضمن هذا السوق التنافسي الضخم؟ في هذا المقال يحدثنا رائد الأعمال والمختص بالتسويق أمير أحمد الباحوث، عن أهم عناصر النجاح بالنسبة لرواد الأعمال في السعودية.
معادلة أساسية

يقول أمير الباحوث: "تخيَّلوا معي هذا المشهد البسيط: رائد أعمال شاب، يجلس مساءً في مقهى هادئ في أحد أحياء الرياض الحديثة، يحمل في يده دفتر ملاحظات تقليدياً، رغم ازدحام الطاولة بالأجهزة الذكية، ينظر تارة إلى شاشة هاتفه حيث أرقام المبيعات بالكاد تتحرك، وتارة إلى صفحة بيضاء كتب في أعلاها سؤالاً وجوديّاً صغيراً: كيف أنجح؟".
ويضيف: "ربما تبدو الصورة مألوفة، ليس لهذا الشاب فحسب، بل لجيش متنامٍ من الحالمين الذين يدفعهم مشهد التحول الاقتصادي السريع في السعودية للبحث عن موطئ قدم في ساحة ريادة الأعمال المتقلبة، لكن في خضم هذا الحراك، ثمة معادلة أساسية كثيراً ما تُغفل أو تُختزل، مع أنها، في بساطتها الظاهرة، المفتاح الحقيقي لعبور هذا المسار: فهم السوق + فهم تجربة العميل + فهم طرق التسويق الفعّالة... فلنحاول معاً تفكيك هذه المعادلة".
فهم السوق: القاعدة التي تُبنى عليها القصة كلها

عن هذه النقطة يؤكد الباحوث أنه رغم وفرة التقارير الرسمية وبيانات السوق التي تُنشر شهريّاً عن الاقتصاد السعودي، من التجارة الإلكترونية إلى الخدمات المالية مروراً بالقطاعات الخضراء، إلا أن فهم السوق لا يعني مجرد حفظ الأرقام. إنه أقرب إلى قراءة "النص بين السطور"، من هم اللاعبون الكبار؟ من هم الوافدون الجدد؟ كيف تتحرك أذواق المستهلكين تحت تأثير التحولات الاجتماعية؟ ما الذي تغيّره مواسم مثل موسم الرياض في سلوك الإنفاق؟
ريادة الأعمال في السعودية -وهنا بيت القصيد- ليست مجرد استيراد نموذج ناجح من وادي السيليكون ولصقه هنا، البيئة السعودية تملك خصائص ثقافية، تنظيمية، وحتى جغرافية تفرض على رائد الأعمال أن يطوّر حساسيات محلية فائقة، فهم السوق، إذاً، ليس خياراً، إنه "امتحان الدخول" الحقيقي.
لقرائنا أيضاً: تعرفوا إلى أبرز أسباب نمو ريادة الأعمال المحلية
فهم تجربة العميل: القلب النابض لكل مشروع ناجح

يحذر رائد الأعمال هنا أن الكثيرين من الرياديين، في لحظة الانبهار بفكرتهم الجديدة، يقعون في فخ: الحديث عن المنتج أكثر مما يستمعون للعميل، لكن هل نحن فعلاً أمام مشروع تجاري... أم أمام حلّ حقيقي لمشكلة يواجهها العميل؟
في السعودية اليوم، حيث شرائح العملاء شديدة التنوع، لا يمكن افتراض أن "تجربة العميل" هي شيء موحّد أو بسيط، عليك أن تفهم: كيف يبحث عميلك عن المنتج؟ ما الذي يهمّه فعلاً؟ ما العقبات الثقافية أو النفسية التي قد تمنعه من اتخاذ قرار الشراء؟
الشركات التي تبرع هنا، هي التي "تعيش مع عميلها، تستمع إلى مكالمات الدعم، تراقب السلوك على الموقع الإلكتروني، تجرب بنفسها رحلة الشراء، والأهم: تُعيد بناء منتجها باستمرار حول هذه الرحلة.
فهم طرق التسويق الفعّالة: المُسرّع السحري، إن أُحسن استخدامه
ومن منطلق تخصصه في مجال التسويق يقول: "هنا نصل إلى أكثر عناصر المعادلة خضوعاً للترند، وربما أيضاً أكثرها عرضة لسوء الفهم".
ويتابع أنه في مشهد مليء بمؤثرين على "سناب شات"، وحملات ممولة على "إنستغرام"، وتقنيات growth hacking المستوردة، يسهل أن يظن البعض أن النجاح هو مجرد حملة تسويق "تضرب"، لكن مهلاً، هل نحن أمام سوق يتجاوب مع الضجيج؟
السعودية، رغم تسارعها الرقمي، تبقى سوقاً تُبنَى فيه الثقة ببطء، العلاقات، السمعة، الشفافية، التجربة المتكررة، هذه هي العملة الحقيقية. التسويق الفعّال هنا ليس عبارة عن أكثر إعلان يحقق ظهوراً، بل أكثر قصة تبني علاقة، وأحياناً أقل حملة صاخبة وأقرب حملة صادقة تكون هي الرهان الرابح.
تعرفوا أيضاً إلى الأخطاء التسويقية: أبرزها، وكيف تؤثر على العمل سلباً؟
في الختام: هل هي فعلاً "معادلة بسيطة"؟

يختم أمير الباحوث حديثه بالقول: "ربما تبدو معادلة: فهم السوق + فهم تجربة العميل + فهم التسويق الفعّال، سهلة الطرح على الورق، لكن في واقع السوق السعودي المتغير، كل عنصر منها يحمل عوالم كاملة من التعقيد والتفاصيل، وربما هذا ما كان يشغل صاحبنا في المقهى، وهو يقلب بين الأرقام والأسئلة، لأن النجاح في ريادة الأعمال هنا ليس سبقاً في فكرة، بل سباقٌ في الفهم: فهم الناس، فهم الثقافة، فهم اللحظة. يبقى السؤال معلقاً: من سيصمد في هذا السباق؟ ومن سيكتفي بلحظة ضوء عابرة على وسائل التواصل؟ الزمن كفيل بالإجابة"...
أخيراً إليكم لماذا أصبحت السعودية وجهة رائدة لرجال وسيدات الأعمال من حول العالم؟