المخ: المتّهم الأوّل في إدمان الطعام

يؤكّد باحثون من جامعة "ييل" في الولايات المتحدة الأميركية في دراسة سيكولوجية نشرت مؤخراً في "أرشيف الطب العقلي العام"  Archives of General Psychiatryأن بعض الأفراد يدمنون تناول الطعام بصورة مشابهة لإدمان مواد معينة كالأدوية المخدّرة أو الكحوليات، وأن سلوكهم الغذائي يحمل النشاط العصبي في مناطق محدّدة من المخ بالصورة نفسها التي يبدو عليها مدمنو المواد المخدّرة أو الكحوليات. وتؤكّد نتائج هذه الدراسة التي خضعت إليها 48 سيدة لقياس المؤشرات العصبية العلاقة بين إدمان الطعام وقوة النشاط العصبي الواقع في لوزة المخ Amygdala والقشرة المخية الجبهية الحجابية Medial Orbitofrontal Cortex والقشرة الحزامية الأماميةAnterior Cingulate Cortex، والتي ثبت أنها تزداد بشكل كبير عند الشعور بقرب موعد تناول الأطعمة الشهية المفضّلة لدى براعم التذوّق في اللسان. وقد خلصت نتائج هذه الدراسة إلى أن إدمان تناول الطعام قد يكون مصدره السعادة بتناول أكل شهي!

"سيدتي" تسأل رئيس قسم الطاقة الحيوية في كلية العلوم بجامعة الملك عبد العزيز الدكتور جلال أعظم جلال عن أسباب إدمان تناول الطعام وطرق التخفيف منه غذائياً وسلوكياً.

 

يتخصّص المهاد البصري في المخ (الهيبوثالامس) بالتحكّم في مجموعة من الوظائف البيولوجية، من بينها الشهية ومعدّل الأيض من خلال مادتين كيماويتين تعمل كل منهما وظيفة مضادة للأخرى، هما:

- كيماويات الشبع: تنشّط "الهيبوثالامس" وسط المخ فتدفعه نحو زيادة معدّل الأيض وتثبيط الشهية وزيادة إفراز الأنسولين بهدف توصيل الطاقة للخلايا العضلية بدلاً من اختزانها في صورة دهون.

- كيماويات تناول الطعام: تشكّل نوعاً من البروتين المعروف ب "الببتيد العصبي" Y ذي التأثير المضاد على عمل "الهيبوثالامس"، وتخفّف معدّل الأيض وتزيد الشهية إلى تناول الطعام.

 

وهناك عدد من الهرمونات المرتبطة بزيادة الشهية والإصابة بالسمنة، أبرزها:

- هرمون الشبع "الليبتين" Leptin: يثبت الباحثون في "جمعية التغذية الأميركية"American Nutrition Association أن تنشيط هرمون "الليبتين"، وهو بروتين تفرزه الدهون المختزنة في الجسم يتحكّم في الشعور بالجوع وزيادة نشاط الجسم الحركي، ما يخلّص الجسم من السعرات الحرارية الزائدة المكتسبة من الغذاء من خلال تنشيط كيماويات الشبع  في المخ.

- هرمون الجوع "الغريلين" Ghrelin: تفرزه الخلايا المبطّنة لأعلى المعدة، بهدف إثارة الشهية لتناول كميات كبيرة من الأطعمة المفضّلة. وقد قام الباحثون في "منظمة الصحة العالمية" WHO بملاحظة وتسجيل أعلى نسبة لارتفاع هرمون "الغريلين" قبل تناول الطعام مباشرة، بينما كانت النسبة منه أقلّ بعد الفراغ من تناول الطعام. ويشير الباحثون إلى أن المعدة تفرز "الغريلين" في صورة نبضات كل نصف ساعة، من خلال إرسال إشارات كيماوية خفية في المخ، تكون أشبه بالرسائل البيولوجية التي تحفّز الشهية على تناول أنواع معينة من الطعام. وثبت أنها، مع مرور الوقت، تجعل الجسم عاجزاً عن مقاومة الطعام الشهي!

 

أطعمة يدمنها المخ

ثمّة أطعمة معيّنة تدمن نسبة كبيرة من الأفراد تناولها، رغم ارتفاع محتواها من الدهون والسعرات الحرارية، ما يجعلها سبباً رئيساً في الإصابة بالسمنة، أبرزها:

 


1- الشوكولاته: تمتاز بتأثيرها النفسي الإيجابي على الجهاز العصبي في الجسم، كونها تحتوي على "التربتوفان" وهو من الأحماض الأمينية الأساسية التي تعزّز وظيفة "السيروتونين" أي هرمون السعادة في الجسم، علاوة على تخفيف الشعور بالتوتر والقلق الناتجين عن الضغوط اليومية الكثيرة. وفي هذا الإطار، يحذّر الخبراء من إدمان الشوكولاته لاحتوائها على سعرات حرارية عالية ونسبة ليست بقليلة من الدهون غير المشبعة. وتفيد وزارة الزراعة الأميركية أن كلّ 100 غرام من الشوكولاته السوداء تحتوي على 579 سعرة حرارية و38.31 غراماً من الدهون و22 غراماً من الدهون المشبعة و52.42 غراماً من الكربوهيدرات و6.12 غراماً من البروتين و6 غرامات من "الكوليسترول".

وتجدر الإشارة إلى أن الأنواع الأخرى من الشوكولاته المكوّنة من السكر الأبيض المكرّر تحتوي على نسبة أعلى من السعرات الحرارية، إذ تحتوي كل 100 غرام منها على ما يزيد عن 600 سعرة حرارية، ما يجعل إدمان الشوكولاته سبباً رئيساً في ارتفاع مؤشر كتلة الجسم وزيادة الوزن!

 

 

2- الحلويات: يثبت الباحثون في "هيئة الغذاء والدواء الأمريكية" FDA أن مادة السكر الأبيض تفقد قيمتها الغذائية أثناء المعالجة والتبييض، ما يؤدي إلى تأثيرات ضارة على صحة المرء عند الإفراط في تناولها، أهمها:

- سحب كمية كبيرة من الفيتامينات والمعادن من المخزون الاحتياطي بالجسم، ما يحدث خللاً في اتزان الكالسيوم ونظام الغدد فيه.

- إضافة عدد هائل من السعرات الحرارية التي لا قيمة لها إلى الغذاء، ما يؤدي إلى قيام الجسم بتخزينها على شكل دهون موضعية حول البطن والأرداف والوركين والذراعين.

- يؤدي الإفراط في تناول المواد السكرية إلى ارتفاع معدل السكر في الدم الذي يقوم بدوره بتحفيز البنكرياس على إفراز هرمون الأنسولين بكميّات كبيرة. وتجدر الإشارة إلى أن الأنسولين يُعرف بهرمون تخزين الدهون وأن زيادته في الجسم تعني زيادة الوزن والإصابة بالسمنة.

 


3- رقائق البطاطس المقرمشة: تمثّل إحدى أنواع الأطعمة المعالجة التي تخضع إلى الإضافات الكيميائية أثناء تصنيعها، ما قد يتسبّب في حدوث تفاعلات سامّة في الجسم وخلل في الكيمياء الحيوية به. ورغم التحذيرات المتكرّرة من قبل خبراء التغذية بضرورة التخلّي عن تناول هذه المنتجات، إلا أن فئة كبيرة من الشباب والأطفال يدمنون تناولها بشكل يؤدي إلى ارتفاع معدل السمنة، خصوصاً بين أفراد تلك الفئة. 

 


4- المعجنات والفطائر: يحذّر الخبراء في "منظمة الصحة العالمية" من الإفراط في تناول الأطعمة المصنوعة من الدقيق الأبيض كونه يفقد حوالي 60% من قيمته الغذائية أثناء عملية المعالجة والتبييض، ما يؤثر على عمل الأمعاء ويبطّئ من حركتها، محدثاً زيادة غير مرغوبة في الوزن، بالإضافة إلى كونه سهل التكسّر إلى سعرات حرارية معدومة النفع في الجسم.

 


5- الوجبات الجاهزة: تسجّل الإحصائيات الصادرة عن "منظمة الغذاء والدواء الأميركية" FDA ارتفاعاً ملحوظاً في معدّل السمنة في الولايات المتحدة الأميركية خلال السنوات الخمس الماضية، نتيجةً لانتشار ثقافة الوجبات الجاهزة والسريعة بين فئة كبيرة من السكان. ويعزو الخبراء السبب إلى وتيرة الحياة السريعة وتواصل ساعات العمل وانتشار أماكن بيع تلك الوجبات في متناول الجميع. وفي هذا الإطار، يحذر الخبراء من مخاطر تناول الوجبات السريعة على الصحة، أهمها:

- احتواؤها على كميّات كبيرة من الدهون المشبعة والمهدرجة الناتجة عن تسخين الزيت في درجات حرارة مرتفعة، واستخدامه بشكل متكرّر عند إعداد الوجبات.

- احتواؤها على نسبة عالية من أملاح الصوديوم الذي يسبّب احتباس الماء في الجسم، مؤدّياً إلى زيادة الوزن وارتفاع ضغط الدم. وفي هذا الإطار، ينصح الخبراء بتناول الأطعمة الطبيعية الغنية بالبوتاسيوم كالخضر التي تساعد على إزالة الماء الزائد من الجسم.

- احتواؤها على عدد هائل من السعرات الحرارية يفوق الحدّ المسموح به في الوجبة الواحدة، ما يجعل الطاقة المكتسبة منها أكثر من المستهلكة، وبالتالي تخزينها كدهون في الجسم محدثة زيادة في الوزن على المدى القصير.

 

خطوات مفيدة

1- يجب أن يتكوّن النظام الغذائي من 80% من الأطعمة القلوية المتمثّلة في غالبية أنواع الخضر والفاكهة، فيما تشمل نسبة 20% المتبقية الأطعمة الحمضية التي تعتبر اللحوم بأنواعها المصدر الرئيس لها (الأسماك والمأكولات البحرية ولحوم الغنم والبقر والدجاج).

2- احرصي على أن تتألف نسبة 50% إلى 60% من نظامك الغذائي من النوع العضوي (الخالي من المواد الكيماوية) غير المطهو، ما يساعد على تعزيز الشبع وتخليص الجسم من السموم الناتجة عن إدمان الأنواع الضارة من الطعام.وفي هذا الإطار، يؤكد الخبرء أن تناول ملعقة صغيرة من نخالة القمح بعد كل وجبة سوف يمنح جسمك الألياف الضرورية له.

3- حقّقي التناسب في نظامك الغذائي عبر تناول  أنواع ستّة من الخضر ونوعين من الفاكهة ونوع من النشويات وآخر من البروتينات يومياً. وبذا، يكون 80% من طعامك اليومي قلوياً و20% منه حمضياً، الأمر الذي يساعد في سرعة التحكّم في الشهية، وبالتالي تخليص مراكز الإحساس في المخ من إدمان الطعام.

4- تجنّبي الإفراط في تناول نوع معين من الغذاء، ما ينتج اختلالاً في كيمياء الجسم الحيوية. ويعتبر كلّ من القمح والألبان والسكر، حسب خبراء التغذية التابعين لوزارة الزراعة الأميركية، من بين أكثر أنواع الطعام الضارة بصحّة المرء، إذ أنها تساهم في ظهور الأنسجة الدهنية، وبالتالي إنتاج حال من عدم التوازن في الجسم.

5- واظبي على تناول المشروبات الصحية التي تعزّز الشبع وتزيد معدّل الإحراق كحساء الخضر وبدائل القهوة وعصائر الفاكهة الطازجة غير المحلاة وعصائر الخضر الغنية بالفيتامينات كالجزر والطماطم والنعناع، بالإضافة إلى الماء الذي يعدّ أفضل مشروب صحّي على الإطلاق.

6- واظبي على ممارسة أنواع الرياضة الهوائية المعتمدة على الأوكسيجين للقيام بها، ما يزيد من معدّل إحراق الدهون المتراكمة من إدمان الطعام الضار وإنتاج حافز جديد على اتباع نظام غذائي صحي يخلّصك من إدمان الطعام والعادات الغذائية السيئة المرتبطة به.