النرجيلة ليست البديل الآمن للسجائر

تزداد نسبة مدخّني النرجيلة على نحو مقلق، خصوصاً في صفوف المراهقين، رغم أن الدراسات الحديثة تبيّن أن للنرجيلة مخاطر تفوق السجائر أحياناً، وهي خطرة على المدخّن كما على المتلقّي السلبي. ومعلوم أن الدخان المنبعث من النرجيلة يحتوي على عدد من المواد السامة المسؤولة عن الاصابة بسرطان الرئة وأمراض القلب، وقد تسبّب جلسة تدخين النرجيلة في تعرّض المدخن الى كميّة أكبر من الدخان، اذ قد يستنشق في جلسة واحدة نفس المقدار من الدخان الذي يستنشقه مدخن السجائر الذي يستهلك 100 سيجارة أو أكثر!

للتعرّف أكثر على الآفات المترتبة عن النرجيلة، «سيدتي» حاورت مدير البرنامج الوطني للأمراض غير الانتقالية في منظمة الصحة العالمية الدكتور جورج سعادة:

- يزعم البعـــــض أن تدخين النرجيلة آمن! ما صحة هذا القول؟

إن القول بأن النراجيل هي شكل آمن من أشكال تدخين التبغ يرجع إلى القرن السادس عشر، حين اقترح طبيب يدعى أبو الفتح أن «الدخان يجب أن يمرّر أولاً في وعاء صغير من الماء، الأمر الذي يجعل منه معدوم الضرر». إن هذا التمويه الغافل للطبيعة السامة للتبغ كان مدفوعاً في أغلب الظن بنيّة حسنة، ولكنه أدّى إلى هذا المعتقد الخاطئ حول سلامة هذه الوسيلة، بدون توافر أي دليل في ذلك الحين ولا حتى في يومنا هذا على حدوث تراجع حقيقي في خطر الإصابة بالأمراض.

- ما هي الأوساط التي يكثر فيها تدخين النرجيلة؟

 من الشائع تعاطي النرجيلة من قبل أفراد العائلة، بمن فيهم الأطفال، وكذلك النساء في مناطق نجد أن تعاطي التبغ فيها بواسطة الأشكال العادية المألوفة قليل الشيوع بين النساء. بل إنه، ومع إدخال أصناف التبغ المنكّهة إلى الميدان، نجد أن استخدام النرجيلة آخذ بالإزدياد بصورة درامـــاتيكية بين الشبّان في مناطق الشرق الأوسط، كما أصبح شائعاً جداً على مستوى العالم في حرم الكليات والأماكن الأخرى. ولعل الأمر يعود جزئياً إلى الفرضية التي تجد صدى وجاذبية لديهم بشأن السلامة النسبية لاستخدام النرجيلة، وإلى الطابع الاجتماعي المميز لتعاطيها من قبل عدّة أفراد معاً.

 

خالٍ من القطران؟!

- نجد أحياناً في الاسواق إعلانات عن خلو تدخين النرجيلة من الأخطار؟

إن غياب تحذيرات قياسية موحّدة في معظم البلدان والأقاليم مقارنة مع تلك الموجودة بالنسبة للسجائر قد يعزّز من فرضية السلامة النسبية تلك، كما تباع في الأسواق خلطات خاصّة من التبغ منكهة بشدة بالفاكهة والعسل والدبس والأعشاب. يتم وسم بعض هذه المنتجات بملصق يحمل عبارة مضبوطة تقنياً ولكنها مضلِّلة إلى حد بعيد، مفادها أن هذا المنتج «خالٍ من القطران». فالعبارة مضبوطة من الناحية التقنية لأن القطران ينتج أثناء احتراق التبغ، إلا أنه نظراً الى كون المستوعب الصغير في أعلى النرجيلة يتم حشوه عادة بمقدار من التبغ أكبر بمرّات عدّة من ذاك الموجود في السيجارة، فبمجرد إشعاله يمكن أن ينتج كميات كبيرة من القطران ناتجة عن احتراق التبغ وتحلّله بفعل الحرارة المنبعثة من الفحم الملتهب.

- هل ينظّف ماء النرجيلة السموم الناتجة عنها؟

إن السموم الرئوية والمواد المسرطنة قد تقلّ بمقدار ضئيل في أحسن الأحوال، بمرور الدخان عبر الماء. أمّا امتصاص غاز أول أكسيد الكربون، تلك المادة السامة المؤثّرة على القلب والأوعية، فيمكن أن يكون مرتفعاً للغاية، علماً أن مصدر الحرارة المستخدم في الإشعال هو عادة الفحم أو الجمر الملتهب الذي يطلق كميات كبيرة جداً من أول أكسيد الكربون. وبينما يتم تدخين السيجارة عادة خلال فترة خمس دقائق تقريباً مع استنشاق حوالي 300 الى 500 ملليلتر من الدخان، نجد أن جلسات تدخين النرجيلة يمكن أن تمتد بسهولة من 20 الى 60 دقيقة، مع استنشاق كمية من الدخان تصل إلى 10 لترات أو أكثر.

ومن الممكن تصديق أن بعض المواد المذابة في الماء يتم امتصاصها جزئياً في الماء الموجود في النرجيلة، وبالتالي يقلّ تركيزها في الدخان. ولكن، من غير المعروف ما إذا كانت الخاصّة السميّة ستقلّ بشكل يكفي للحدّ من التأثيرات الصحية الضارة للنرجيلة. ومن المحتمل أيضاً أن تركيز النيكوتين في الدخان سيقلّ بدوره أيضاً، وهذا واضح من الكميات الكبيرة من الدخان التي يستنشقها مدخّنو النرجيلة مقارنة مع السجائر. إن التأثير الصحي المترتّب عن ذلك قد يكون سلبياً، لأنه بمقدور المدخّن امتصاص كميّة من النيكوتين كافية للتسبّب بالإدمان، ولكن كون تركيز النيكوتين منخفضاً يستدعي بالضرورة امتصاص كمية كبيرة من الدخان أي امتصاص مدخول أعلى من المواد المسرطنة وغيرها من السموم.

 

المرض الرئوي الإنسدادي

- ما هي أبرز التأثيرات السلبية لتدخين النرجيلة؟

لقد تمّ توثيق حدوث العديد من الأمراض الرئوية الخطيرة والسرطان وتأثيرات صحية ضارة رُبِطَت جميعها بتدخين النرجيلة، إلا أن المعلومات والمعطيات بشأن أنماط التعاطي والمحتويات والتأثيرات الصحية هي أكثر محدودية من تلك المتاحة بالنسبة للسجائر. مع ذلك، هنالك كمّ من الأدلّة المتزايدة يؤكد أن تدخين النرجيلة هو بمثابة تدخين التبغ، وأن التأثيرات الصحيّة هي إلى حد بعيد ذاتها المتوقعة من التعرّض إلى دخان التبغ، وتشتمل على أمراض رئوية وأمراض قلبية وعائية والسرطان. فعلى سبيل المثال، بيّنت دراسة حديثة من مصر أن متعاطي النرجيلة مقارنة مع الأشخاص غير المدخنين، أظهروا وجود مستويات أعلى من الإيذاءات الرئوية التي يتم قياسها بواسطة قياس النفس تنعكس في ارتفاع عدد حالات الإصابة بالمرض الرئوي الإنسدادي المزمن بين متعاطي النرجيلة، مقارنة مع غير المدخنين. أمّا بالنسبة للأمراض القلبية الوعائية، فقد أشار تقرير أولي شمل 292 فرداً ممن يستخدمون النرجيلة و233 فرداً من غير المدخنين مصابين بمرض القلب التاجي، إلى أن 31% من الحالات كان المرضى فيها مستخدمين دائمين للنرجيلة، مقارنة مع 19% من المجموعة الشاهدة. كما رُبط بين استخدام النرجيلة  وحدوث سرطان  قصبية المنشأ Bronchogenic carcinoma، علاوة على حدوث سرطانات في الفم والمثانة.

- هل من أمراض أخرى خاصّة بمدخّني النرجيلة؟

بالإضافة إلى هذه الأمراض المرتبطة بالتبغ، إن المشاركة في استخدام نفس النرجيلة يمكن أن يزيد من خطر انتقال عدوى مرض السل وبعض الفيروسات كالهربس والفيروس المسبب لالتهاب الكبد. كما ربطت بعض العلل أيضاً باستخدام النرجيلة، كإكزيما اليد و«السنخ الجاف» dry socket في أعقاب قلع السن (التهاب الأسناخ بعد القلع Postextraction alveolitis) والفقد العمودي للعظم حول السن  Vertical periodontal bone loss.

- هل يتأذّى غير المدخنين من مدخّني النرجيلة، كما يتأذون من مدخّني السجائر؟

ينطوي تدخين النرجيلة على بعض الأخطار التي يمكن أن تصيب الأشخاص غير المدخنين القريبين والمحيطين بالمدخّن، وكذلك الجنين. في دراسة أجريت على أطفال لبنانيين، تبيّن أن 8,5% أفادت بتعرّضها في المنزل لدخان النرجيلة فقط، وكانت نسبة الأرجحية لإصابتها بأمراض تنفسية هي 2,5 % نسبة إلى المجموعة التي لم يتعرض أفرادها للدخان. وكانت نسبة الأرجحية مشابهة لتلك الموجودة لدى الأطفال الذين تعرضوا لدخان السجائر فقط (أي 3,2 %). كما أن التعرّض لأوّل أكسيد الكربون أثناء الحمل قد يؤذي الجنين، ويعتقد أنه السبب في انخفاض الوزن عند الولادة وانخفاض حرز أبغار المشاهَدَيْن لدى المولودين لأمهات مدخنات (أي متلازمة الجنين التبغي). من الواضح أن متلازمة الجنين التبغي تشكل خطراً على الأطفال المولودين لأمهات يستخدمن النرجيلة أثناء الحمل، فأولئك النساء يواجهن خطراً متزايداً لولادة اطفال منخفضي الوزن.