mena-gmtdmp

تجربتي مع ابني الراسب وكيف انتهى الجدل إلى اعتراف بالأخطاء! 

صورة لمراهق حزين ومكتئب
مراهق يشعر بالضعف والمهانة لرسوبه بالامتحان

يوم الامتحان يُكرم المرءُ أو يُهان، لذا فالرسوب من أكبر المنغّصات التي يواجهها الطفل أو المراهق في العطلة الصيفية، بعدها يمتلئ المنزل بالأحزان والعقوبات، بينما تسود الأفراح والمكافآت منازل أخرى مجاورة. ولأن الفشل ليس نهاية الطريق، بل جزء محفز للنجاح، أو خطوة في طريق التعلم؛ كان للحوار الهادئ وتبادل الأخذ والعطاء أهميته في إصلاح الكثير من المفاهيم الراقدة في ذهن المراهقين، عن قيمة العمل الجاد وبذل الجهد، ووضع البدائل التي تمهد للنجاح.
وفي تقرير اليوم، تفضّلت إحدى الأمهات لتقص على قارئات "سيدتي وطفلك" تجربتي مع ابني الراسب في امتحان الصف الثاني الثانوي، والتي بدأتها الأم منذ لحظة عودة ولدها من المدرسة يوم إعلان النتائج، فربما تجدن فيها ما يفيدكنّ، أو يخفف عن الابن أو الابنة الراسبة وطأة التجربة. وكذلك التقينا مع أستاذة التربية والصحة النفسية الدكتورة إكرام العدل؛ لشرح الكثير من التفاصيل، مُعلقة على التجربة.

تجربتي: بدأتُها بطرح الأسئلة على نفسي!

طفل يبكي بشدة

اسمي "حنان"، وولدي "حسام" بالصف الثاني الثانوي، بدأت تجربتي معه بالحوار والجدال الصريح الهادئ، والذي وصل في النهاية إلى اعتراف منه بالخطأ، ووعد بعدم تكراره.
ولن أخفي عليكنّ بأنني قبل مواجهته، بدأت أطرح على نفسي بعضاً من الأسئلة الصعبة: تُرى هل كانت توقعاتي منه واقعية، أم أنني بالغت فأثقلت عليه؟ هل كنا نضغط عليه من دون أن نشعر؟ وهل الخط الأكاديمي الذي يسلكه هو الأنسب له حقاً؟
بعد فترة، بدأ حواري مع "حسام" هادئاً واضحاً سلساً من دون غضب أو عصبية، وكان النقاشات مفتوحة حول اهتماماته، فعلمت أنه يحب أعمال التقنية والبرمجة، أكثر من المواد النظرية، التي كنت أصرّ على تفوقه فيها.
لاكتشف أنني ووالده كنا نضعه في مسار لا يشبهه ولا يحبه أو يسعى إلى تحقيق إنجازٍ فيه، وكأنه شعر بما يدور في ذهني، وإحساسي المرير بالذنب، وعندما نظرت إليه وجدت عينيه ممتلئتيْن بالدموع.
اقتربت منه، من دون لوم أو استجواب، جلست بجانبه ووضعت يدي على كتفه، وقلت له: "أنا هنا بجانبك، وأحبك فأنت ابني، سواء نجحت أو لم تنجح"، فردّ وهو يخفض رأسه: "أشعر أنني خيّبت أملكِ يا أمي".
نظرت إليه بحنان وقلت: "أنا حزينة لأنك حزين، ليس لأنك رسبت، الفشل ليس نهاية الطريق يا ولدي، بل جزء منه". وأضفت: "هل تعلم أنني رسبت في إحدى مواد السنة الجامعية الأولى؟ لكن ذلك لم يمنعني من التخرج والنجاح لاحقاً".
بدأ "حسام" بالبكاء مجدداً، لكن هذه المرة كان البكاء أقرب إلى التخفّف، التطهر، وشعرت باحتياجه لأن يكون محبوباً، بغضّ النظر عن النتيجة.

اليوم التالي: طرحتُ عليه الأسئلة

أم في حوار مرح مع ابنها المراهق

وبعد أن هدأت مشاعره قليلاً، جلستُ معه مرة أخرى، وهذه المرة بدأتُ بطرح أسئلة مفتوحة مني: "أخبرني ما الذي حدث يا ولدي؟ أين كانت الصعوبة؟".
فكر قليلاً، ثم أجاب: كنت أدرس وأحاول الاندماج، لكنني لم أتمكن من تنظيم الوقت، ولم ينتبْني الخوف الشديد إلا قبل الامتحانات.
ومعاً، بدأنا نحاول تحديد المشاكل الحقيقية؛ هل كانت مشكلة في الفهم؟ أم في القلق؟ أم في طرق الدراسة غير المناسبة؟
وكان سؤالي التالي بابتسامة صغيرة: "لو أُتيحت لك الفرصة لإعادة التجربة، ماذا كنت ستفعل بشكل مختلف؟".
هنا سارع ولدي "حسام" بالإجابة -وربما الاعتراف بأخطائه- وقال: "كنت سأطلب المساعدة في وقت مبكر، وأحاول الدراسة والتحصيل والتطبيق بطرق أكثر فعالية، وربما غيرت اختيار بعض المواد واستبدلتها بأخرى".
في تلك اللحظة، أدركتُ أن "حسام" ولدي المراهق بدأ الوعي بالمشكلة، وهذا هو بداية الحل.

وضع حلول عملية قابلة للتنفيذ

أب يدعم ولده الحزين

وبعد أن أصبحت الصورة أوضح، بدأنا أنا ووالده في وضع خطة واقعية؛ لتحسين أداء ولدنا في المستقبل، سجلنا على الورق جدولاً دراسياً مرناً يتماشى مع طاقته اليومية.
تواصلت مع أحد معلميه الذين يحترمهم، وطلبت منه دعماً إضافياً، وبدأ "حسام" يتجاوب معها بشكل إيجابي، وقررت الاحتفال بكل تقدّم صغير؛ إتمام درس كان، أو تحسّناً في نتيجة اختبار تجريبي، وهذه الانتصارات الصغيرة زرعت الثقة في نفسه تدريجياً.
نزلناً معا واشترينا كتاباً عن شخصيات مشهورة واجهت الفشل مراراً، ولكنهم نجحوا فيما اختاروه بعد ذلك، فشعر "حسام" بأن ما يمرّ به ليس غريباً، بل إن كثيرين سبقوه في هذه التجربة وتجاوزوها.
ومرة ثالثة خُضنا نقاشاً مفتوحاً حول اهتماماته، فعلمت بأنه يحب الأعمال التقنية والبرمجة، أكثر من المواد النظرية التي كنت أصرّ على تفوقه فيها؛ لأكتشف أنني كنت أضعه في مسار لا يشبهه.
وفي النهاية أقولها بكل صراحة وتحذير: "كان من السهل أن أصرخ وألوم، لكن التحدي الحقيقي كان أن أكون سنداً لولدي في لحظة ضعفه، وهو على مشارف الرجولة والاستقلالية، أردته أن يتعلم، لا أن يخاف، أن ينهض قوياً، لا أن يتحطم ضعيفاً".

نهاية تجربتي

أم تنهي نقاشها بوضع القواعد

تجربتي يا صديقاتي الأمهات لم تكن مجرد رسوب دراسي، ومرور ولدي بمرحلة نفسية صعبة، بل كانت نقطة تحوّل في علاقتي به.
علّمت ولدي خلالها أن النجاح الحقيقي لا يُقاس بالدرجات، بل بالقدرة على النهوض بعد السقوط، والثقة بأن كل إخفاق يحمل فرصة جديدة.
وأقول لكل من قرأتْ تجربتي: لا تجعلي الرسوب وصمة لابنك أو لكِ كأم مربية، بل اجعليه فرصة لتقتربي أكثر من ابنك، وتكتشفي فيه ما قد لا تترجمه الدرجات، وستذكرينني بالخير بعد ذلك.

أجمل القصص التي تحفز على النجاح.. هل تودين مطالعتها؟

ضرورة تفهم سبب حزن وعزلة الطفل

ضرورة تفهّم أسباب الرسوب:

الأسباب الأكاديمية: قد تكون هناك صعوبة في الفهم، ضعف في المهارات الدراسية، أو عدم كفاية التحضير للامتحانات.
الأسباب النفسية: قد يعاني الابن من قلق الامتحانات، مشاكل في الثقة بالنفس، أو مشاكل أسرية تؤثر على تركيزه.
الأسباب الاجتماعية: قد يكون هناك تأثير من الأصدقاء أو ضغوط اجتماعية.

أهمية تغيير أسلوب التعامل

وكما أوضحت الدكتورة إكرام العدل:

  • التحدث مع الابن والاستماع إليه؛ لفهم مشاعره ومخاوفه، وطمأنته بأنه محبوب ومقبول، بغضّ النظر عن النتيجة، مع مواصلة تقديم الدعم النفسي اللازم.
  • البحث عن دروس خصوصية أو برامج دعم تعليمي؛ لمساعدة الابن في المواد التي يجد صعوبة فيها، مع وضع خطة للمستقبل الدراسي، وتحديد الأهداف والخطوات اللازمة لتحقيقها.
  • تجنّب توجيه اللوم والعقاب للابن، والتركيز بدلاً من ذلك على تقديم الدعم والمساعدة، ولا مانع من اللجوء إلى استشاري أو متخصص؛ لمساعدة الابن في التغلب على المشاكل النفسية أو صعوبات التعلم.
  • التركيز على نقاط القوة لدى الابن وتشجيعه على تطويرها، ومساعدته في تحديد أهداف واقعية وقابلة للتحقيق، مع تشجيعه على التفكير بشكل إيجابي، والتركيز على الحلول بدلاً من المشاكل.
  • الاحتفال بكل نجاح يحققه الابن، مهما كان صغيراً، والتحلي بالصبر والمثابرة في مساعدته على تجاوز أي إخفاق، الهدوء في رد الفعل، وتجنّب الانفعال والغضب، مع تحديد الأسباب التي أدت للرسوب ومناقشتها مع المراهق.
  • الحرص على تغيير المدرسة حال رغبة الطالب في هذا الأمر، مع تجنب إطلاق لقب الراسب على الطالب؛ منعاً لتدهور حالته النفسية، وعدم مقارنة نتيجة الطالب مع أقربائه أو زملائه الناجحين.
  • لا تلقي باللوم على المراهق بمفرده، قد تكون المشكلة خارجة عن إرادته، مع وضع خطة محددة الخطوات المقررة للعام الدراسي الجديد بمشاركة المراهق.

* ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.