mena-gmtdmp

هل الصفات الشخصية لطفلك مكتسبة أم موروثة؟ وما مفهوم التفاعل الجيني- البيئي؟

صورة لأسرة سعيدة
تجمع صفات الطفل الشخصية بين الوراثة وتأثير البيئة

نستمع كثيراً لجمل وتعليقات تتكرر بعد الولادة، ودائماً ما تحمل معنى واحداً قد يبدو بريئاً مثل: هذا الولد صورة عن والده، البنت سبحان الله جمالها نُسخة من أمها، الكلمات مُعبرة وتحمل معنى جميلاً، لكنها تحفز على تساؤلات علمية عميقة مثل: هل يرث الطفل لون الشعر أو شكل العيون لأحد الوالدين؟ هل يرث معظم صفاتهما الشخصية كذلك؟ هل الولد يتأثر فعلاً بوالده أكثر من والدته، والعكس للبنت؟ أم أن هناك حقائق علينا التعرف إليها؟
في هذا التقرير نستوضح من الدكتور ممتاز الألفي أستاذ طب نفس الطفل ومحاضر التنمية البشرية الصفات التي يرثها الطفل من الأم، والأخرى التي يرثها من الأب، والإجابة عن سؤال: هل الصفات الشخصية للطفل مكتسبة أم وراثية؟ بجانب توضيح مفهوم المصطلح الطبي"التفاعل الجيني- البيئي"، والذي يستند في إجاباته إلى أحدث الأبحاث في علم النفس السلوكي، وعلم الوراثة، وعلم التربية.

صفات يرثها الطفل من الأم، وصفات يرثها من الأب

أم وطفلتها تتشابهان في الشكل والميول

لون العينين:
لون العين الغامق من الصفات السائدة عند الشعوب العربية، ويُعتبر لون العين الفاتح من الصفات الوراثية المتنحية، فإذا كان لون عَيْنَي الأب زرقاوين وعَيْنَي الأم بُنِّيَّتَيْن؛ فهناك احتمال أن تكون عينا الطفل زرقاوين.
الحجم:
حجم الطفل، ويُقصد به البِنْيَة الخارجية، يرتبط بالوالدين؛ فإذا كان الأب ضخم الجثة من حيث الطول وعرض المنكبين؛ فهناك احتمال كبير أن يكون الأولاد كذلك، وبالعكس، إذا كان الأب قصيراً؛ فسيرث الأولاد هذه القامة القصيرة منه.
استعمال اليد اليسرى:
غالباً ما تكون هذه الصفة متنحية؛ أي قليلة ونادرة، ولكن ذلك لا يمنع أن تُورث للأبناء من الوالدين.
الغمازات:
ويُقصد بها طابع الحسن على الخد أو منتصف الذقن عند الطفل، وهذه الصفة من الصفات المسيطرة التي تنتقل للأبناء من أحد الوالدين.
الشعر:
يرث الطفل لون الشعر ودرجة نعومته من الوالدين، فيرث الطفل لون شعر أمه، وكذلك درجة نعومته وخشونته منها.
مرض السكر:
يرث الطفل مرض السكر بنسبة كبيرة من كلا الوالدين، في حال إصابة الأم بسكري الحمل؛ يمكن أن ينتقل للطفل أيضاً ما لم يكن تحت السيطرة.
شكل الأسنان:
يرث الطفل قوة ومناعة الأسنان ضد التسوس من الأب؛ فالأب الذي لديه قدرة على الإصابة بتسويس الأسنان، سوف يُصاب به أطفاله، كما أن شكل الأسنان السيئ وغير المرتب يرثه الطفل من الأب أكثر.
طريقة النوم:
حتى طريقة النوم يرثها الطفل من الأب أكثر، ولكن إذا كانت الأم تُصاب بالأرق؛ فسوف يُصاب به الطفل، وإذا كانت الأم ممن يحرصن على نوم القيلولة؛ فسوف يرث أطفالها ذلك.
الإصابة بالصداع:
توقعي أن يرث طفلك منك وسواء كان ذكراً أم أنثى الإصابة بأعراض الصداع، أو نوبات الصداع غير المبررة وخاصة في مرحلة المراهقة.

60 % من صفات الطفل وراثية

يرث الطفل الهدوء ولون العين من جينات والديه

تؤكد دراسات عديدة أن نسبة معتبرة من الصفات الشخصية للطفل تُنقل عبر الجينات، من بين هذه الصفات:

  • الميل للهدوء أو التوتر، الذكاء، الانطوائية أو الانفتاح.
  • الميل للمخاطرة، والحساسية العاطفية.

وعن التوائم المتطابقة، والذين نشأوا في بيئات مختلفة، تبيّن أن كثيراً منهم يشتركون في سمات سلوكية وعاطفية واحدة، ما يدعم بقوة بأن الجينات لها دور أساسي في تشكيل الشخصية، قد يصل إلى معدل 60 % في بعض الحالات.
لكن هذا لا يعني أن الإنسان محكوم بجيناته بالكامل، بل إن كل طفل يولد بميول معينة، ولن تظهر ما لم تجد بيئة تسمح لها بالنمو أو تتسبب في ضعفها.

علاقة البيئة والتنشئة بصفات الطفل

أسلوب التنشئة له تأثيره على صفات الطفل

البيئة هي كل ما يحيط بالطفل منذ ولادته: أسلوب التربية، طبيعة العلاقات الأسرية، نوع التعليم، التأثير الثقافي، حتى الأحداث المؤلمة أو الداعمة.
وهنا أثبتت الأبحاث أن طريقة تعامل الأهل مع الطفل؛ سواء كانت داعمة وحنونة أو قاسية ومتسلطة، تترك أثراً عميقاً في تطور شخصيته.
مثال: الطفل الذي قد يحمل ميلاً وراثياً للقلق، قد لا يُظهر هذا القلق إذا نشأ في بيئة آمنة ومستقرة، وإذا تعرض لضغوط أو عدم احتواء، فقد تتفاقم هذه الصفة الوراثية وتتحول إلى سمة سلوكية ظاهرة.
حتى نوع التعليم والثقافة يلعبان دوراً كبيراً؛ حيث تشير إحدى الإحصائيات إلى أن الأطفال الذين ينشأون في بيئات غنية ثقافياً وتعليمياً، يملكون فرصة أعلى بنسبة 25٪ لتطوير كامل إمكاناتهم العقلية، حتى وإن لم يكونوا الأذكى وراثياً.

5 أساليب تربوية ليندمج طفلك في المجتمع تعرفي إليها داخل التقرير

حقائق عن معنى" التفاعل الجيني-البيئي"

طفل يلعب على البيانو بتشجيع من أمه
  • الوراثة والبيئة ليسا خطين منفصلين؛ بل هما في حالة تفاعل دائم يُطلق عليها العلماء اسم "التفاعل الجيني - البيئي"، بمعنى أن الجينات تُحدد القابلية، ولكن البيئة والتنشئة تُحدد ما إذا كانت هذه القابلية ستُفعَّل أم تُعطَّل؟
  • على سبيل المثال: طفل يحمل ميلاً وراثياً للموسيقى، ولكن إذا لم يحصل على تشجيع، أو لم يُعرض عليه آلة موسيقية، قد لا يظهر هذا الميل مطلقاً، عكس الحال إذا نشأ في بيئة تشجع على التعبير الفني، فقد يُصبح موسيقياً بارعاً.
  • الأمر نفسه ينطبق على صفة القيادة، أو مهارة الابتكار، وحتى السمات السلوكية السلبية مثل؛ الميل للعنف أو الانسحاب الاجتماعي.
  • كشفت الأبحاث أن نحو 80٪ من النمو العقلي للطفل يحدث خلال السنوات الثلاث الأولى من عمره، وهي فترة تتأثر بشدة بالبيئة الأسرية، بما تحمل من عاطفة ودعم نفسي.
  • وهذا يعني أن الأثر البيئي في الطفولة المبكرة قد يكون له دور حاسم في بلورة شخصية الطفل، وربما تحفيز صفات هي في الأصل موجودة وراثياً.

هل يتأثر الأولاد بالآباء والبنات بالأمهات؟

طفلة متعلقة بوالدها

نعم هناك اعتقاد سائد في الثقافات الشعبية، بأن الولد يتأثر بوالده، والبنت بأمها، لكن العلم يُظهر صورة مختلفة تماماً؛ فالجينات لا تُميز بين ذكر وأنثى في توزيع الصفات السلوكية أو الذهنية؛ بحيث أن الطفل قد يرث صفات من الأم أو الأب، بغض النظر عن نوعه.
كما تظهر الأبحاث أن نوع العلاقة التي تربط الطفل بالوالد هي الأكثر تأثيراً، فالبنت قد تجد في والدها نموذجاً عاطفياً وتربوياً عميق التأثير، كما قد يتأثر الولد بأسلوب أمه في التواصل والرعاية مثلاً.
وعلمياً: إن بعض الصفات لا تنتقل وراثياً بشكل مباشر، بل عبر ما يسمى بـ"التحفيز الجيني"وبطريقة غير مباشرة، مثلاً: والدان مثقفان أو ذوا طموح أكاديمي، حتى وإن لم يورّثا هذه الجينات صراحةً، فإن أجواء المنزل وأسلوب تفكير الآباء وتصرفاتهما، كفيلة وحدها في تطور الطفل عقلياً وسلوكياً بالتقليد ومحاولة التشبه.

تأثير الآباء على تطور صفات الطفل

طفل رضيع يتجول في برامج الجهاز الرقمي

على الوالدين عدم التوقف عند معرفة ما ورثه أطفالك جينياً، بل عليكم توفير البيئة التي تساعدهم على التفتح، والتوازن، والتطور، ولتكن الوراثة هي الإطار للصورة، بينما البيئة هي التي تلوّن الصورة أو تضع المضمون.
على الآباء عدم تجاهل تأثير البيئة بجانب الصفات الوراثية، وذلك لأن الطفل ليس مجرد نسخة مكررة من الوالد أو الوالدة، ومعها تضيع الكثير من المهارات والصفات العظيمة التي يمكن للطفل أن يتحلى بها بالاكتساب.
ضرورة إدراك أن هذا التفاعل بين الوراثة والتنشئة، يمنح الأهل أدوات لفهم أعمق لأطفالهم، بعيداً عن الصور التقليدية النمطية للطفل، وحرصاً على ضياع قدرات عظيمة، واختصار إمكانات والتقليل من التميز والخصوصية.
التربية الناجحة ليست فقط في التعليم أو التأديب، بل في توفير الحافز العاطفي والثقافي للعلم والمعرفة بكل اتجاهاتها.
*ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.