الدكتورة سناء فلمبان "حارسة الإيدز"

4 صور

لأكثر من 13 عاما مضت، وأمرأة سعودية، تحاول التأكد يومياً، أن أبواب ونوافذ الصحة مغلقة أمام فيروس الإيدز، الذي نحت جزءاً كبيراً من شخصياً، وبات موضوعاً يشاركها تفاصيل حياتها، وهي تقضي معظم أوقاتها في الطائرة من مؤتمر إلى منتدى إلي ورشة علمية، كلها تناقش طرق مكافحة الإيدز.

في منتصف العام 2004، كانت الطبيبة السعودية، سناء فلمبان، تفرك يديها، وتحاول صناعة إبتسامة، لفلاش كاميرا صحافي، جاء لحوار مصابين بالايدز، للحديث عن قضيتهم، في أول ظهور اعلامي وقتها لسعوديين في الصحافة المحلية.

تقول الدكتورة فلمبان عن تلك الليلة: "كان اختباراً صعبا أن يدخل الاعلام من باب مكافحة المرض، المسافة كانت كبيرة بين المجتمع وحقيقة المرض.. ليلة اللقاء كنت خائفة على هؤلاء المصابين، لكني كنت مؤمنة أن الإعلام لابد أن يشارك، وأن قضية الإيدز بات ضرورياً أن تخرج للشمس".

وخلال سنوات طويلة، كانت "حارسة الإيدز" كما يفضل الإعلام السعودي تسميتها، ترتدي دوماً نظارة طبية ذات إطار أحمر، كرمز لشعار "شريطة الإيدز الحمراء"، وكانت تعدّ ذلك لمسة أنثوية ناعمة، لكنها رسالة لمن يهمه "الخطر". وهو أمر جعل كثيراً من العاملات معها في مستشفى الملك سعود وبرنامج الإيدز في مكة المكرمة، تلك الفترة، يتحولن لناشطات في حقوق مرضى الإيدز، وصار اللون الأحمر في ردهات المبنى الواقع في مكان من ميناء الملك عبدالعزيز في جدة، ثقافة يتعاطاها الجميع.

السيدة التي تبدو قطعة من نار، وهي تتجول في المستشفى، أو تتابع تنظيم مؤتمر علمي حول الإيدز، هي السيدة نفسها التي حولت منزلها لمتحف للنحت، وافتتحت في مطلع الألفية معرضاً للنحت رعاه حينها وزير الصحة الأسبق أسامة شبكشي، وهي الليلة ذاتها التي دعاها فيها الوزير ليكون نحتها في مجال الإيدز بتركيز أكبر، ومنحها الدعم المهني لإنجاز مهمة خطرة من كل الجهات.

وتنحدر الدكتورة فلمبان، من أسرة متعلمة، وبدت كثيرة التأثر بوالدها الذي درس الطيران الحربي، لتقود هي بعد ذلك طائرة الوعي حول مرض الإيدز، قائلة: "والداي علماني أن الحياة بلا مبدأ، بلا قيمة، تعرضت لمطبات مهنية وصحية في حياتي، وعندما كنت طفلة شارفت على الموت بسبب مرض داهمني فترة طويلة، لكني خرجت بدرس عظيم، أن الموت الحقيقي هو في الحياة المجانية. لابد أن تدفع الثمن من حياتك لكي تشعر بأنك حي".

ولاينسى السعوديون كيف نقلت فلمبان، قضية الإيدز من أفقها المحلي في السعودية، إلى أفق دولي، ولكن بنفحة إسلامية، كان يفتقر لها هذا الملف على صعيد الاستراتيجيات، حينما خاضت تحدياً هو الأول من نوعه، بإشراك نحو 30 سيدة ورجلاً في موسم الحج من العام 2005، لتثبت للعالم، أن هؤلاء المصابين يمكنهم مقاومة المرض في أصعب اختبار مناعي، ألا وهو موسم الحج.

وتصف فلمبان ذلك الصباح بلغة شاعرية أكثر منها صحية: "مشهد الحافلة في مكان التجمع، وتلك الدموع التي كانت أكثر من الكلمات، هي صورة أعلقها في جدارية قلبي كلما داهمني التعب أو الإحباط .. لبيك اللهم لبيك بأصوات المصابين كانت تزرع في داخلي قبيلة من الدمع لايجففها سوى مناديل البذل لغد أفضل لشباب وشابات بلادي".

الشاهد أن الدكتورة فلمبان، التي تجلس منذ العام 2009 على كرسي مدير برنامج الإيدز والمشرف على قسم المناعة في وزارة الصحة السعودية، كأول امرأة في بلادها، وتتولى رئاسة مجلس إدارة الجمعية السعودية الخيرية لمكافحة الإيدز، وهي تقود ملف الإيدز، لتضع السعودية في مركز ريادي بتبني سياسات واستراتيجيات كان آخرها المبادرة السعودية الخليجية لمكافحة الإيدز، وغيرها من المبادرات، هي اليوم أكثر ثقة من عقد مضى، أن أبواب ونوافذ الإيدز في بلادها محكمة الإغلاق، وأن حلم الوصول لمجتمع بلا إيدز بحلول العام 2017 لم يعد أمراً مستحيلاً.