هل تساءلتِ يوماً: كيف يمكن لمدينة عصرية مثل أوسلو أن تمزج بين روح الطبيعة البرية والفن المعاصر في مشهد واحد؟ هذه العاصمة النرويجية ليست مجرد بوابة إلى الشمال الأوروبي، بل هي لوحة نابضة؛ تجمع بين ثقافة الفايكنغ القديمة وروح الابتكار الإسكندنافي الحديث. من لحظة دخولكِ إلى المدينة، ستكتشفين أن كل زاوية فيها تحكي قصة، من المتحف الوطني الذي يحتضن روائع الفن العالمي، إلى دار الأوبرا المهيبة التي ترتفع من مياه المضيق كتحفة معمارية ناصعة. لكن ماذا عن الجانب الإنساني الذي يعبّر عنه أكثر من 200 تمثال في حديقة فيغلاند؟ أو تلك اللمسة العاطفية في أعمال إدفارد مونك، التي جعلت من الصرخة رمزاً خالداً للفن الحديث؟ وربما تتساءلين: هل يمكن لمكتبة أن تكون أكثر من مجرد مكان للقراءة؟ ستجيبكِ مكتبة ديشمان بيورفيكا بنعم، إذ تحوّلت إلى مركز نابض بالثقافة والإبداع. أما إن كنتِ تبحثين عن سكينة الطبيعة، فستجدينها على ضفاف نهر آكرس إلفا، أو في غابات نوردماركا الممتدة إلى ما لا نهاية. وبينما تنعمين بدفء الساونا العائمة في ميناء أوسلو، أو تتجولين بين جزر المضيق الهادئة، ستدركين أن هذه المدينة تعرف كيف تُوازن بين الراحة والمغامرة، بين الفن والحياة اليومية. فهل أنتِ مستعدة لاكتشاف أفضل عشرة أشياء يمكن القيام بها في أوسلو؟
زيارة المتحف الوطني

وراء واجهته المتواضعة، يخفي المتحف الوطني في النرويج عالماً مذهلاً من الفنون والتصميم، يمتد عبر آلاف السنين. يضم المتحف أكثر من 6500 عمل فني معروض في 86 قاعة مرتبة زمنياً، حيث يستكشف الطابق الأرضي العلاقة بين التصميم والمجتمع؛ من خلال قضايا فكرية، مثل: هل يمكن للآلات أن تصنع الجمال؟ أما الطابق العلوي، فيعرض أعمالاً بارزة لفنانين نرويجيين وعالميين من عام 1500 حتى اليوم، من بينهم مونش، مونيه، فان غوخ. ومن أبرز المقتنيات؛ نسخة زاهية من لوحة الصرخة لمونش، إلى جانب لوحات أخرى مميزة. أثناء الصعود إلى قاعة الضوء في الأعلى، يمكن للزائر ملاحظة أحفورة مدمجة في درج الحجر الجيري قبل الوصول إلى المعارض المؤقتة التي تركز على الفن المعاصر. كما يتيح تطبيق المتحف الوطني تجربة أكثر تفاعلاً؛ من خلال الأدلة الصوتية والمرئية والجولات المقترحة والمحتوى المخصص للأطفال.
قد يهمك أيضًا قراءة السياحة في النرويج.. وجهات صيفية غنية بالمناظر الطبيعية
مغامرة في غابات نوردماركا
قليل من العواصم يمكنها أن تفخر بوجود طبيعة برية نقية داخل حدودها مثل أوسلو، التي تحيط بها غابات واسعة يسهل الوصول إليها، تمتد شمال المدينة على مساحة 430 كيلومتراً مربعاً. للوصول إلى نوردماركا، استقلي خط المترو رقم 1 حتى محطة Frognerseteren، ومن هناك يمكنكِ اختيار أحد المسارات المميزة وسط أشجار الصنوبر والبتولا والتنوب. من أكثر المسارات شهرة؛ جولة بطول 10 كيلومترات ذهاباً وإياباً إلى المقصورة الجبلية Ullevålseter، حيث يمكنكِ الاستراحة. رغم وضوح العلامات على الطرق، يُستحسن ارتداء حذاء مخصص للمشي في الجبال، وحمل زجاجة ماء ووجبات خفيفة وملابس إضافية مقاومة للمطر، فطقس الغابات في أوسلو قد يتبدّل بسرعة.
قصد دار الأوبرا

تُعد دار أوبرا أوسلو، مقر الأوبرا والباليه الوطني النرويجي، رمزاً للتحول الثقافي الحديث في العاصمة. هذا الصرح المكسو بالرخام الأبيض يطلّ على واجهة بيورفيكا البحرية، وقد صُمم ليبدو كأنه نهر جليدي ينهض من مياه المضيق. يضم المبنى قاعات عروض وتدريب متطورة يمكن زيارتها عبر جولات سياحية إرشادية مميزة، لكن السطح المائل للأوبرا هو ما يجعلها وجهة فريدة، إذ يدعو الزائرين للمشي فوقه والاستمتاع بإطلالات بانورامية خلابة على المدينة والميناء. ويُعد وقت الغروب اللحظة المثالية للصعود إلى السطح ومشاهدة الشمس وهي تغيب خلف المضيق، مع ضرورة الحذر من انزلاق الرخام في الأجواء الممطرة.
جولة في جزر مضيق أوسلو
قد لا يكون مضيق أوسلو بنفس روعة المضايق الشهيرة في غرب النرويج، لكنه يملك سحره الخاص الذي يجمع بين الهدوء والمناظر الخلابة. يمكنكِ التنقل بين جزر المضيق باستخدام العبارات الكهربائية العامة، وكل ذلك بتذكرة مواصلات عامة صالحة لمدة 24 ساعة، أو مجاناً لحاملات بطاقة Oslo Pass. انطلقي من ميناء Aker Brygge E/Rådhusbrygge واستقلي خطوط B1 أو B2 لاكتشاف الجزر على مهلكِ. ابدئي بجزيرة Hovedøya، الأقرب إلى الشاطئ وتفصلكِ عنها أقل من عشر دقائق. هناك، يمكنكِ السير في ممرات الغابات واستكشاف أطلال دير سيسترسي يعود إلى القرن الثاني عشر، إضافة إلى منشآت من القرن التاسع عشر، مثل مبنى Lavetthuset الذي تحول إلى معرض فني صيفي. واصلي إلى جزيرة Gressholmen، التي تربط بين ثلاث جزر صغيرة، هي: Gressholmen وRambergøya وHeggholmen. كانت هذه المنطقة موقع أول مطار في أوسلو في عشرينيات القرن الماضي، لكنها أصبحت اليوم محمية طبيعية مثالية لعشّاق مراقبة الطيور، إذ تزورها أكثر من 160 نوعاً من الطيور سنوياً. اختمي رحلتكِ في جزيرة Langøyene النابضة بالحياة، والتي تحوّلت اليوم إلى وجهة صيفية رائعة؛ تضم شاطئاً رملياً جميلاً ومنطقة مخصصة للسباحة، إلى جانب مساحة تخييم، وهي الجزيرة الوحيدة التي يُسمح فيها بالتخييم وملعب كرة طائرة وبعض الأعمال الفنية العامة.
ما رأيك بالاطلاع على السياحة في النرويج.. مشاهد طبيعية آسرة للقلوب في جزر لوفوتين
استكشفي منحوتات غوستاف فيغلاند

على مدى أربعين عاماً من العمل الدؤوب، أنجز النحّات النرويجي الشهير غوستاف فيغلاند تحفته الخالدة؛ حديقة فيغلاند، وهي معرض فني مفتوح يضم أكثر من 200 تمثال تعبيري يعكس عمق المشاعر الإنسانية. تقع الحديقة ضمن حديقة فروغنر في الجانب الغربي من أوسلو، وتضم منحوتات مصنوعة من الغرانيت والحديد والبرونز. استوحى فيغلاند أعماله من تداخل مشاعر الإنسان بين الفرح والحزن والغضب، ومن أشهر أعماله تمثال الولد الغاضب الذي يصور طفلاً صغيراً في نوبة غضب. كما تضم الحديقة نافورة ضخمة وساعة شمسية، وتُتوَّج بمركزها المذهل؛ عمود مونوليث الذي يبلغ ارتفاعه 17 متراً، وهو كتلة غرانيت واحدة منحوتة بـ121 شكلاً بشرياً متشابكاً. يمكنكِ زيارة متحف فيغلاند المقابل للحديقة في شارع نوبلز، لاكتشاف حياة الفنان وأستوديو عمله الأصلي.
اختبري دفء الساونا العائمة
قبل أن تري الساونا العائمة نفسها، سترين حشود الزائرين الفضوليين المتجمعين حولها. هذه الساونات المثبتة على أرصفة الميناء مستوحاة من ثقافة الساونا الفنلندية، وأصبحت وسيلة محبوبة للتدفئة والاسترخاء بين السكان والسائحات على حد سواء. الطقس هناك بسيط وجريء؛ اجلسي داخل غرفة خشبية مسخّنة بموقد حطب تصل حرارته إلى ما بين 80 و95 درجة مئوية، ثم اقفزي في مياه المضيق الباردة لإنعاش نفسك، وكرري التجربة بقدر ما تشائين.
تسوّقي في حي غرونرلُكّا
يُعد حي غرونرلُكّا الفني من أكثر مناطق أوسلو حيوية، إذ يمتلئ بالمقاهي والمطاعم والمحلات التي تزخر بالأزياء الفينتج الفريدة. سواء أكنتِ من محبات أزياء السبعينيات البراقة أو موضة الثمانينيات اللامعة أو أسلوب التسعينيات الجريء، فستجدين ما يناسب ذوقكِ.
تعمّقي في عالم إدفارد مونك

في منطقة بيورفيكا المطلّة على البحر، يقف متحف مونك الذي افتُتح عام 2021 تكريماً لأعظم فنان نرويجي، إدفارد مونك. يضم المتحف 13 طابقاً تحتوي على لوحات ورسومات ومطبوعات تركها الفنان لمدينة أوسلو قبل وفاته عام 1944. تركز المعارض الدائمة على موضوعات متكررة في أعماله؛ مثل المرض، الحزن، والطبيعة. وتُعرض في المتحف ثلاث نسخ من لوحة الصرخة كـ لوحة، طباعة ورسم، لكن واحدة منها فقط تُعرض في كل مرة؛ حفاظاً على سلامتها، ويتم التبديل بينها كل 30 دقيقة تقريباً. تضيف المعارض المؤقتة نظرات جديدة لأعمال مونك، إلى جانب عروض لفنانين آخرين، ما يجعل العودة إلى المتحف تجربة متجددة دائماً. وخارج المبنى، تقف منحوتة البرونز الأم للفنانة البريطانية تريسي إيمين، بارتفاع تسعة أمتار على الرصيف المطل على البحر.
اقرئي في مكتبة ديشمان بيورفيكا
تُعد مكتبة ديشمان بيورفيكا من أكثر مكتبات العالم تفرّداً، وقد حازت لقب أفضل مكتبة عامة جديدة عام 2021. تمتد على ستة طوابق مفعمة بالفن والحيوية، وتستضيف فعاليات ثقافية متنوعة؛ من مسابقات الرقص إلى المعارض الفنية. ورغم أن الزائرات لا يستطعن استعارة الكتب أو استخدام آلات الخياطة والطابعات ثلاثية الأبعاد المخصصة للأعضاء، إلا أن المكان يزخر بما يستحق المشاهدة. تمتد الطوابق العليا لتمنح المبنى مساحة أكبر من دون الإخلال بانسجامه مع البيئة المحيطة. يدخل الضوء الطبيعي من ثلاث نوافذ سقفية ضخمة؛ ليغمر المساحات بزواياها المتنوعة وأشكالها الهندسية. وتضم المكتبة قاعات للقراءة والعمل والإبداع والتفاعل، إضافة إلى قاعة سينما وتركيبات فنية مبهرة. لا تفوّتي مشاهدة عمل الفنانة سيمون هوويمنز، صوت النباتات، وهو عرض بصري وصوتي غامر مستوحى من عالم الطبيعة.