mena-gmtdmp

هذا ما جناه أبي

هذا ما جناه أبي

 

سيدتي أقرأ لك منذ كنت في بداية المراهقة وكنت أختلف معك حين ترسلين رسالة تفاؤل متصل، مهما كانت الظروف المحيطة بالإنسان؛ ما دفعني للكتابة اليوم هو الإحساس بأن كل محاولاتي للانتصار على الظروف باءت بالفشل. أنا إنسانة قوية يعترف لها كل من يعرفونها بالعقل والحكمة. كل صديقاتي يلتمسن نصحي وأجد نفسي دائما في وضع الطرف الذي يعطي النصيحة ويساند المكظوم. لم أشك لغير الله يوما. ولكن قوة احتمالي تراجعت كثيرا في الشهور الماضية. السبب الذي لم أعترف به لأحد هو علاقتي مع أبي المتوفى. لقد مات أبي من قبل أن أواجهه بالألم الذي فرضه علي حين تركني وترك أمي وأنا بعد طفلة. لقد حاولت أمي بكل الوسائل أن تعوضني عن الخسارة. ولم تسمح لنفسها يوما بأن تذكره بسوء، ورغم ذلك ورغم أنني تعلمت تعليما عاليا وتبوأت أفضل المناصب مازالت بداخلي طفلة فاقدة الثقة؛ لأن أباها تركها. وللأسف إن هذه الطفلة تؤثر على علاقتي بالعالم وخصوصا علاقتي بالرجل. رغم بلوغي التاسعة والعشرين لم أتزوج بعد وأكاد أجزم بأن السبب هو فقدان الثقة بالرجال. يتصور البعض أنني شديدة التكبر؛ لأنني أحرص على كبريائي حرصي على الحياة، وكلما لاحت في الأفق فرصة الارتباط يتغلب عليّ الخوف من خيانة الرجل أو من هجره لي ولأولادي، لو كتب لي الإنجاب فتتعقد الأمور ويتوقف المشروع. أتمنى أن أكون وضحت مشكلتي: مشكلة أدركها بعقلي وذكائي ولكني أعجز عن تجاوزها. لقد مات أبي ولكن إهماله لي مازال يحرك دوافعي ويضفي على الدنيا ظلالا قاتمة

ناهد

 

عزيزتي في اليوم الذي تحسمين فيه أمرك وتقررين أن تسامحي والدك المتوفى سوف تتغير حياتك. لم أجد في رسالتك أسباب انفصام عرى الزوجية بين والديك. ولكن الدليل على أن خيرا كثيرا وجد في تلك العلاقة هو أن أمك لم تذكره بسوء.  حين أجد نفسي في موقف يهدد إحساسي بالأمان اسأل نفسي عن أسوأ الاحتمالات وعن أفضلها، وأتكيف مع احتمالات تشمل هذا وذاك. ومن هنا أقول لك: إن أباك لم يتركك وإنما ترك بيت الزوجية. لم يكن بإمكانه أن يتركك؛ لأنك بضع منه. ومن هذا المنطلق يمكن القول: إنه ترك جزءا من نفسه في بيت الزوجية. والأسباب لا يعلمها إلا الله. وقد يكون الأب تركك ولكن هل تخلى عنك من خلقك وأنشأك؟ لقد سخر لك أمًا متفانية عكفت على تربيتك وتعليمك حتى صرت سندا للقاصي والداني، فلا أقل من أن تشكري النعمة.  اختزان الألم واجترار ما نعتبره إساءة لا يضر إلا صاحبه. كلما أطلت عليك تلك الطفلة تذكري أنك لم تعودي مثلها. هي الجزء وأنت الكل. اكتسبت من الدنيا الكثير من الدروس والنعم والتجارب فلا يسعك الآن إلا أن تعترفي بوجود تلك الطفلة ولكن في مكانها الصحيح وبحجمها الصحيح. إذا أطلت عليك ربّتي على كتفها وقولي لها: إنك معترفة بحقها ولكنك مشغولة باكتساب حقوق لك هي أيضا مهمة.ليس كل الرجال خونة. والبيوت العامرة المستقرة أكثر بكثير من البيوت المنهارة. ثم إن الحالة الزوجية هي الحالة المثلى للخلق وإلا لما خلقنا الله من ذكر وأنثى.  إذا أمعنت في الإصرار على علاقة مثالية خوفا من الفشل أصبحت مثل إنسان يفرض على نفسه العزلة؛ خوفا من الخروج إلى الطريق العام فتدهسه سيارة. سامحي أباك وأطلقي سراح الإنسان التواق إلى الحب والتواصل الذي يسكن في أعماقك جنبا إلى جنب مع الطفلة المتألمة.

 


أهل الزوج

سيدتي عندي مشكلات كثيرة وأتمنى أن أجد حلا. أنا تعبت من التفكير وأعلم أن كل مشكلاتي أساسها أني متسامحة جدا مع زوجي ولا أطالب بحقوقي، أنسى نفسي من أجله ومن أجل أهله، ولكنهم، لا يعاملونني إلا بقسوة ونكران الجميل والغيرة والحقد واستكثار نعم ربنا الكثيرة علي، ولأنني لا أفهم الأسباب أشعر بقدر مضاعف من الألم، علما بأن أهله يعاملونه بالقسوة والجحود. نفس المشاكل تحاصرني من كل جانب وهو يضغط عليَّ؛ لكي أبدأ بالاعتذار والصلح حتى أصبحت حياتنا نكدا في نكد، عمري ما أسأت لأي فرد منهم حتى بنظرة، بل إن العكس صحيح لأني أعاملهم كما لو كانوا إخوتي وأهلي؛ لكي أكسب ودهم. 

 ضحيت بكرامتي ودست عليها، ولكن زوجي عند اللزوم لا يتذكر ولا يقدر أنني زوجة محبة وأنني أسرف في تدليله؛ لكي أسعده. إحساسي بالظلم يبدل مشاعري نحوه أحيانا من الحب إلى الكره خصوصا حين أشعر بأنه يظلمني. أريد حلا.

 زوجة ناصر

 

 

 

عزيزتي أتعاطف معكِ ولكني أذكرك بعدة أشياء، المثل القائل «لاجل الورد ينسقي العليق»، ومعناه أنك من أجل خاطر زوج تحاشي التصادم مع أهله، وظفي عقلك وحيدي مشاعرك بحيث تكونين كمن لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم في وجودهم. أذكرك أيضا بأن ارتباطه بأهله يجعل شكواك منهم تصيبه بالعصاب لأنهم أهله وأنت زوجته وهو ليس حكما بينكما في مباراة كروية حامية.

أذكرك بأنك ذكرت النعم وأنهم يستكثرون عليك النعمة ويغارون منك. النعمة من عند الله، والله يقول: «ولَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُم».  المطلوب منك هو الثبات والنضج. تصوري أنك في البحر وأن الأمواج تتوالى عالية. حين تأتي الموجة هل تستقبلينها بصدرك فتوقعك وتغمرك أم تنحنين أمامها فتمر من فوقك بلا إصابات. الزواج ميثاق وعشرة ولا يجب أن يتحول إلى لعبة يحركها حب التملك. وظفي عقلك مهما كلفك الثبات، اثبتي.

 

 

الابن المدلل

 

سيدتي مشكلتي أنني تزوجت رجلا من طبقة غير الطبقة التي أنتمي إليها. فزوجي ينحدر من أسرة ثرية وأنا ابنة طبقة متوسطة تقدس العمل. زوجي هو الابن الوحيد وله خمس أخوات. والده رجل أعمال ثري يتعامل مع أسرته بقسوة وديكتاتورية إلا مع زوجي. أم زوجي تحملت القهر من أجل أولادها. أما أنا فقد نشأت في أسرة تحترم آدميتي وحريتي. تزوجت بعد أن تخرجت في الجامعة وكنت أتطلع إلى العمل، ووعدني زوجي قبل الزواج بألا يقف في طريقي. ولكنه رفض أن أعمل بعد أن تم الزواج. قنعت وتفرغت لبيتي ولأولادي الذين جاءوا تباعا.

منذ أيام الزواج الأولى اكتشفت أنانية زوجي ورفضه لتحمل المسؤولية. ورغم أنه تخرج في الجامعة لم يقبل على العمل،  واعتمد كليا على مال أبيه. كان زوجي ميالا لفرض رأيه بالقوة وبالعنف الجسدي أيضا، وكنت إذا شكوت أو عدت إلى أهلي جاء إليّ معتذرا محملا بالهدايا، ووعد بألا يتكرر سوء المعاملة.

وبدأت الخلافات حين تبين لي أن أسلوبه في تربية الأولاد غير سليم. كان ينكر أية قيمة أخلاقية أحاول أن أغرسها فيهم. وكان إذا غضب عاقبهم عقابا قاسيا مذلا، وكان أهله يشجعونه. ثم تطورت الأحداث بحيث فقد والد زوجي ثروته في صفقة خاسرة، فأصبح لزاما على زوجي أن يبحث عن عمل. وفي ذلك الوقت أيضا وافق على أن أعمل أيضا. وحين حصلت على وظيفة أصر على أن يأخذ راتبي كله علما بأنه لم يثبت في أي عمل ولم يكن دخله يكفي احتياجات البيت والأبناء، وكنت إذا تذمرت أشبعني ضربا حتى أنه أصابني إصابة بالغة بالقرب من العين في إحدى هجماته الشرسة. فكرت في الطلاق خوفا على نفسي ولكن ماذا يكون مصير أولادي لو حكم القضاء لي وللأولاد بنفقة؟ أنا أعرف أن زوجي لن يلتزم بها، ولا أريد أن أترك رعاية الأولاد له ولأهله حتى لا يزرعوا في قلوبهم كراهية نحوي. بيت أهلي لن يسعني ويسع أولادي، ولو فقدت وظيفتي فسأكون في وضع لا أحسد عليه. أخاف من قسوة زوجي وأخاف على أولادي وأعجز عن اتخاذ أي قرار.

زوجة ناصر

 

 

عزيزتي رغم أنك ذكرت في رسالتك مئات التفاصيل الدالة على أخطاء زوجك الذي أفسده التدليل وأعمته الأنانية، أنصحك بالعودة من أجل أولادك. فأنت تتحملين جانبا من المسؤولية. في رسالتك قلت إن أخطاءه ظهرت منذ الأسابيع الأولى بعد الزواج ومع ذلك أنجبت منه لا طفلا واحدا بل عدة أولاد وبنات. هؤلاء الأطفال أصبحوا جزءا من مسئؤوليتك الإنسانية. وهي مسؤولية تتطلب صبرا وحكمة.  القضاء قد يقول كلمته ولكن العناد قد يدفع زوجك إلى عدم الوفاء والالتزام. كما أن النزاع والصراع لابد أن ينعكس سلبا على نفسية الأولاد.

نصيحتي هي أن تجتمعي بزوجك في غير وجود وسطاء؛ لأن وجود الآخرين قد يضطره إلى اتخاذ موقف دفاع وتبادل اتهام وتشدد. أما مواجهته وحدك فقد تجعله يعتذر لك ويطلب عودتك. اشترطي أن تعودي لتربية أطفالك وأن تحتفظي براتبك لنفسك ومصروفاتهم، وأن يتحمل هو تأمين المسكن ومصروفات المدارس. جربي هذا الحل وإن فشل يمكنك أن تستقلي في مسكن خاص أكثر تواضعا ولكن أكثر أمانا. إذا قررت العودة فتحاشي المواجهات التي تفضي إلى العنف. إذا ثار اتركي المكان.

لا تخافي من فقدان وظيفتك؛ لأن الله يرزق من يشاء بغير حساب. مادامت نواياك طيبة فسوف يحميك ربك ويرزقك. أنصحك أيضا بعدم معاداة أهل زوجك وشجعي أولادك على زيارتهم كلما أمكن. أتمنى لك التوفيق والسكينة.