عوالم بديلة مبدعة في طبق الفتة لا يختلف فيها الفقراء والأغنياء

فتة الثريد.. الصورة من "مطبخ سيدتي"

تجلس حبيبات الأرز المفلفل، تتخللها شعرات الشعرية الذهبية، في أنفة وشمم، وبمزيد من الكبرياء والعظمة فوق قطع الخبز المجفف المقلية، تزينها "هُبر" لحم الضأن المقطعة بعشوائية، وكأنها كتل من الأحجار الثمينة الضخمة سقطت من تاج أحد القياصرة القدماء، لتستقر في اتزان ورسوخ في طبق الفتة العظيم، تتلألأ حولها قطع من دهن ضأن سمين؛ يشف ما حوله من فرط نعومته ورقته، يجاورها ما لذّ وطاب في مائدة عامرة تنتظر لمة العائلة فى أول أيام عيد الأضحى المبارك. 

عوالم طبق الفتة السحرية تتخطى كل المحاذير 

فتة الثريد.. الصورة من "مطبخ سيدتي"

على الرغم من تحذيرات الأطباء، وصيحات خبراء التغذية، وشجب خبراء الصحة العامة، فإن عوالم طبق الفتة السحرية بمكوناتها الكثيرة المعقدة، وتوابلها، وأعشابها، ودهونها، تظل جاذبة لكل مَعدٍ عربية، دون تفكير في عواقب هذه المغامرة اللذيذة التي يسيل لها اللعاب من مجرد ذكر اسمها، حيث تظل جملة "هذا مجرد يوم"، "ولا يحلو العيد بدون الفتة"، وما يشابه من عبارات تتردد على أمل التخفيف من آثار الفتة المفسدة لكل ريجيم، المخربة لكل نظام غذائي والمؤذية لأصحاب الأمراض المزمنة. 

 

طبق الفتة قاسم مشترك في كل بيت عربي أول يوم العيد 

الثريد.. الصورة من موقع الموسوعة العربية الشاملة

لا يختلف منزل عربي على طبق الفتة (الثريد) كطقس احتفالي في أول أيام عيد الأضحى المبارك، حيث تظل الإضافات والإبداعات والابتكارات في الطعم والشكل وطريقة التقديم تعكس الذائقة الفنية الثرية لكل ربة منزل عربية، والذي يخلق عوالم بديلة مبدعة، لا تفرق غنياً من فقير، حيث تتفنن كل سيدة عربية فتضع بصمتها الخاصة في طبق الفتة (الثريد)، والتي قد يختلف مسماها ونكهاتها وإضافاتها من بلد عربي لآخر، إلا أنها تتشابه في مكوناتها الأساسية، فالثريد في مصر هو "الفتة"، وهو "الشخشوخة" في المغرب والجزائر، في حين يسمى "المثرودة والفتات" في ليبيا، ويطلق على طبق الثريد في بلدان الخليج العربي اسم "التشريب"، ويشتهر في بعض المناطق باسم "المنسف" كالأردن و فلسطين و سوريا. 

مِمَ يتكون طبق الفتة (الثريد)؟ 

الثريد الإماراتي.. الصورة من موقع "نبض الإمارات"

المكونات الأساسية للفتة هي لحم الضأن، الخبز المحمص، الأرز، وتبدأ طريقة صنع طبق الفتة باختيار قطع لحم الضأن السمينة (الهُبر) وسلقها، ثم إسقاطها في السائل الذهبي السحرى الملقب بالسمن البلدى، لتكتسب لوناً بنياً لامعاً، ثم تبدأ مرحلة طهي حبيبات الأرز الشفافة بالشعيرية في شوربة اللحم الغنية بالتوابل والأعشاب، تتبعها أخطر مرحلة وهي صناعة الفتة، فعقب تحميص لقيمات الخبز في ذات السائل السحري، والذي تم تحمير هُبر اللحم فيه من قبل، يتم تحمير أو تحميص قطع الخبز؛ لتكتسب نكهة تحمير اللحم، ثم يضاف الثوم في ذات الإناء؛ ليكتسب ذات الخواص السحرية من السائل الذهبي، مع إضافة ملعقتين من الخل وثلاث ملاعق مرق لحم، ويأتي المنعطف التاريخي المتمثل في رص كل المكونات السابقة في طبق التقديم، فتفرش لقيمات الخبز المحمصة الذهبية في الطبقة السفلية، يستتبعها متتالية صفوف من حبيبات الأرز بالشعيرية اللذيذة، ثم يتوج الطبق بقطع لحم الضأن البديعة، يتخلل كل تلك الطبقات صلصة الخل والثوم؛ لتضفي للفتة الطعم الرائع المميز. 

الفتة من أحب الطعام للرسول صلى الله عليه وسلم 

من المعروف أن الفتة (الثريد) أول أيام العيد سُنّة عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، وكان من أحب الطعام إليه، إلا أنه يجب الحرص فى تناول الفتة (الثريد)، فالإفراط في تناولها قد يسبب الضرر لأصحاب الأمراض المزمنة.