ذكرى مرور 20 عام على إنشاء المجلس البحريني الأعلى للمرأة

سيدة البحرين الأولى الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة
سيدة البحرين الأولى الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة

حلت في  الثاني والعشرين من شهر أغسطس الجاري الذكرى العشرون لصدور الأمر السامي بإنشاء المجلس الأعلى للمرأة، لأطلاق مسيرة حافلة بالعطاء والإنجاز للمرأة البحرينية تقوم على حمل مسئولياتها وواجباتها الوطنية بكل كفاءة واقتدار، ولتأتي نتائجها مؤكدة على وجاهة الرؤية الثاقبة والرحبة لقائد مسيرة الوطن بالنظر إلى المكتسبات النوعية التي تجسدها مؤشرات وشواهد التنمية الوطنية الشاملة في ظل العهد الزاهر لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة الداعم الأول لمسيرة النهضة النسائية في البحرين.

كان لسيدة البحرين الأولى الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة الملك رئيسة المجلس الأعلى للمرأة وقائدة انطلاقه ونجاحه، الدور الكبير في قيادة العمل النسائي ، ورعاية نهضته الحديثة، وتثبيت أركان هذا الصرح الوطني بتوجهاته الممتدة لتشمل كل مناحي حياة المرأة البحرينية عبر اختصاصاته المتعددة التي كلف بها ليكون المرجع الوطني لدى جميع الجهات الرسمية فيما يتعلق بشؤون المرأة، والجهة المسئولة عن وضع السياسة العامة لمتابعة تقدم المرأة البحرينية، وهو ما تؤكده محطات مسيرة عمله الممتدة على مدى عقدين من الزمن. 

منهجية مؤسسية 

يعمل المجلس وفق منهجية مؤسسية قائمة على الشراكة المجتمعية الفاعلة مع جميع المؤسسات المعنية بشأن المرأة حيث بدأت مراحل التأسيس برصد احتياجات المرأة واستكشاف الواقع باعتماد العديد من الأدوات العلمية والآليات العملية، كاللقاءات التشاورية، واجتماعات العمل الدورية، والزيارات الميدانية، والدراسات والبحوث، وهو ما ساهم بإعلان " الخطة الوطنية لاستراتيجية نهوض المرأة البحرينية" التي حظيت بمباركة سامية من  جلالته كأول خطة نوعية معنية بالمرأة تعتمد من رأس الدولة في الوطن العربي. 

 وتنفيذاً لاختصاصاته، عمل المجلس على ترجمة المبادئ الواردة في ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين فيما يتعلق بالمرأة ووضع الآليات المناسبة لذلك عبر تفعيل الشراكات مع الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وتحقيق الإدماج الكامل للخطة الوطنية في برنامج العمل الحكومي، بالعمل على تصنيفها كوثيقة تحمل صفة "الملكية الوطنية" تعتمد على منهجيات الفكر الاستراتيجي لاستدامة تقدم المرأة من خلال قياس الأثر المتحقق كمحصلة نهائية على التنمية الوطنية من خلال مشاركة المرأة في عملياتها ببيان جدوى وفائدة هذه الشراكة التي لا بد من تعظيمها، وتعمل الخطة برؤية البحرين الاقتصادية 2030 وأهداف التنمية المستدامة 2030،  لتصبح البحرين مركزاً إقليمياً متخصصاً في قضايا المرأة. 

استقرار أسري 

يأتي كأول مجالات الخطة الوطنية لما يمثله من أولوية هامة لتحقيق استقرار أسري شامل عبر توفير كافة الخيارات لتأمين الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية للمرأة وتعزيز سلامتها الصحية والنفسية، حيث سعى المجلس بالتعاون مع كافة الشركاء والحلفاء إلى تعزيز المنظومة التشريعية والقانونية الكفيلة بذلك أولا، وتطوير خدمات الإرشاد والتوفيق الأسري  والبنى التحتية الداعمة  لتوفير الوقاية والحماية النفسية والاجتماعية بما يحفظ خصوصية المرأة والأبناء في اطار تقنين أحكام الأسرة، وتطوير القرارات واللوائح التنفيذية على هذا الصعيد، مع الالتزام بتنفيذ البرامج التوعوية المستمرة ومجال الثقافة القانونية والأسرية.   

ويعد صدور الأمر الملكي بتخصيص مبنى مستقل لمحاكم القضاء الشرعي "محاكم الأسرة"، وإصدار قانون الأسرة والقرارات التنفيذية له من أهم وأكبر منجزات مملكة البحرين على هذا الصعيد، إلى جانب تطوير خدمات صندوق النفقة، والرؤية، والإرشاد والتوعية الأسرية عبر تفعيل دور مكتب التوفيق الأسري بإلزامية إحالة الدعاوى الأسرية إليه، وافتتاح أفرع مكاتب التوفيق الأسري بالمراكز الاجتماعية، وكذلك التطوير المستمر لمنظومة الاستشارات التي يقدمها مركز دعم المرأة التابع للمجلس الأعلى للمرأة لتلبية احتياجات المرأة البحرينية وأسرتها، الأمر الذي ساهم في اعتماد وسائل الصلح والتسوية الودية بين أطراف العلاقة الزوجية وتجنب الخصومة القضائية. 

وأطلق المجلس الأعلى للمرأة "الاستراتيجية الوطنية لحماية المرأة من العنف الأسري" كآلية وطنية وقائية لمتابعة تنفيذ قانون الحماية من العنف الأسري ، ومن أبرزها "الإطار الموحد لخدمات الإرشاد والتوعية الأسرية ، واستحداث مكاتب حماية الأسرة في جميع مديريات الشرطة بجميع المحافظات، وتفعيل برامج التوعية والتثقيف. إلى جانب اعتماد قاعدة بيانات وإحصائيات وطنية موحدة للعنف الأسري "تكاتف"،  ساهم في تحقيق أثر ملموس على صعيد الاستقرار الأسري .

مشاركة المرأة البحرينية في الاقتصاد الوطني  

وللمرأة البحرينية حضور لافت على صعيد المشاركة في الاقتصاد الوطني، حيث تشغل نسبة مؤثرة في تركيبة القوى العاملة الوطنية، الأمر الذي ساهم في زيادة حجم مشاركتها سوق العمل، فقد ارتفعت نسبتها في القطاع الحكومي من إجمالي البحرينيين بمقدار (17%) لتصل الى حوالي (55%)، وفي القطاع الخاص بمقدار (11%) لتصل إلى حوالي (35%) وذلك خلال الفترة  " 200 -2020  "،  كما ارتفعت نسبة صاحبات الأعمال من إجمالي أصحاب الأعمال من 15% عام 2001 إلى 47% عام 2020 ، كما بارد المجلس بتقديم  خدمات التمويل الميسر والمحافظ المالية  لدعم وتوسع مشاريع المرأة البحرينية، حيث بلغ عدد المستفيدات من محفظة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة لدعم النشاط التجاري للمرأة (لدعم المشاريع المتناهية الصغر) ما يقارب 6000 مستفيدة خلال الفترة (2010-2021)، وبلغ عدد المستفيدات من محفظة "ريادات" لتمويل النشاط التجاري للمرأة (لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة) ما يقارب 270 مستفيدة خلال الفترة (2016-2021). 

تكافؤ الفرص .. والتوازن بين الجنسين 


وتنفيذاً لاختصاصات المجلس الأعلى لتمكين المرأة من أداء دورها في الحياة العامة وإدماج جهودها في برامج التنمية الشاملة، أخذ المجلس على عاتقه ترجمة النصوص الدستورية إلى واقع، لاسيما وأن المادة الخامسة الفقرة (ن) التي تنص على "تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع، ومساواتها بالرجال في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية". 

 

تنافسية المرأة البحرينية في الحياة السياسية  

 

 ويعد برنامج المشاركة السياسية للمرأة من أهم البرامج التي اعتمدها المجلس لدعم مشاركة المرأة في الشأن العام منذ بداية الإنشاء بهدف إعداد كوادر قادرة على المنافسة في الانتخابات النيابية والبلدية، والوصول إلى مواقع صنع القرار من خلال بناء القدرات وتنمية المهارات الانتخابية وقد أظهرت نتائج تنفيذ برنامج المشاركة السياسية للمرأة تحقيق نتائج نوعية متميزة . 

وأوضحت النتائج ارتفاع نسبة تواجد المرأة في المناصب القيادية والنوعية في مختلف القطاعات من (18%) إلى (25%) خلال الفترة (2012-2020)، وبشكل خاص ارتفعت نسبة النساء في الوظائف التنفيذية في القطاع الحكومي من (13%) إلى (46%) خلال الفترة (2001-2020)، وارتفعت نسبة الموظفات في الوظائف التخصصية في القطاع الحكومي من (55%) إلى (62%) خلال الفترة (2009-2020)، أما عن نسبة البحرينيات العاملات في الوظائف الإدارية والإشرافية في القطاع الخاص فقد ارتفعت من (23%) إلى (34%) خلال الفترة (2007-2020). 

 

جائزة الأميرة سبيكة للمرأة 

ومن أهم المبادرات الداعمة لتنافسية المرأة، إطلاق جائزة باسم الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة لتقدم المرأة البحرينية، واستطاعت الجائزة تحقيق أثر بالغ في مجال التوازن بين الجنسين وإدماج احتياجات المرأة والذي نتج عنه عدة ممارسات متميزة للمؤسسات الحكومية والخاصة والأهلية في تبني منهجيات إدماج احتياجات المرأة في التنمية . 

النموذج الوطني للتوازن بين الجنسين 

ويعد النموذج الوطني للتوازن بين الجنسين من المبادرات الرائدة على هذا الصعيد، ومنذ صدور الأمر الملكي السامي في عام 2011، بإنشاء اللجنة الوطنية لمتابعة تنفيذ النموذج الوطني لإدماج احتياجات المرأة،  بدأ العمل على نشر ثقافة الإدماج وتبني منهجيات علمية تتضمن سياسات وإجراءات لتطبيقات تكافؤ الفرص، واعتماد الموازنات المستجيبة لاحتياجات المرأة لحقيق الإدماج الحقيقي لاحتياجات المرأة في مسار العمل الحكومي .  

التوازن بين الجنسين  

يصدر من مملكة البحرين تقرير وطني للتوازن بين الجنسين يتم إعداده ونشره كل سنتين بالشراكة بين الحكومة والمجلس الأعلى للمرأة ويتم الاستناد له كأحد أبرز آليات نظام حوكمة تطبيقات تكافؤ الفرص ومتابعة قياس الأثر المتحقق على صعيد سياسات وبرامج التوازن بين الجنسين على المستوى الوطني. ويرصد التقرير مجموعة من المؤشرات التي تقيس مشاركة المرأة البحرينية وتنافسيتها في مؤسسات القطاع العام، وتشمل مجموعة من المؤشرات النوعية للمرأة في مجال في الاقتصاد وصنع القرار والصحة والمجتمع المدني والتعليم ، وتم إطلاق المرصد الوطني لمؤشرات التوازن بين الجنسين، الذي يهدف إلى تأسيس وتفعيل منظومة بيانية وإحصائية موحدة لتعزيز اقتصاد المعرفة ومصادر التعلم والنشر، ولقياس معدلات التنافسية المحلية والإقليمية والدولية، بما يساعد على سد الفجوات، واستثمار الشراكات والتحالفات لاستدامة عمليات تقدم المرأة البحرينية .  

التعلم مدى الحياة 

وتركز الخطة الوطنية في هذا المجال على فرص التعلم مدى الحياة للمرأة، من خلال العمل على صناعــة ممارســات تضمــن التطوير الذاتي والمهني ورفع قدرة المرأة على الاســتمرار فــي التعليم والتعلم في كافة مراحلها العمرية لبناء أجيال قادرة على الابتكار وصناعة، وتنمية المعرفة الذاتية للمرأة بما يعزز قدرتها على توسيع خياراتها وتطبيق أفضل الممارسات، وتعزيز تنافسية المرأة في نقل وإدارة المعرفة وصناعة القيمة المضافة بهدف استدامة مشاركة المرأة في برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية . 

المبادرة الوطنية للتوازن بين الجنسين  

كما أطلق المجلس "المبادرة الوطنية للتوازن بين الجنسين في علوم المستقبل" كأداة تنظيمية تعمل على تسريع تحقيق التوازن بين الجنسين في مجالات علوم المستقبل بجهود تشاركية بين المؤسسات الحكومية ومختلف القطاعات ومشاركة المواطنين في وضع مقترحات تنفيذها، و ارتفعت نسب المستفيدات من البعثات والمنح الدراسية في مرحلة التعليم ما بعد الثانوي لتصل إلى (68%) خلال عام 2020 وارتفاع نسبة خريجات مؤسسات التعليم العالي لتصل إلى 62% عام 2020 . 

جودة حياة المرأة  

ويتابع المجلس ضمن مجال "جودة الحياة" كل ما يلزم للارتقاء بجوانب حياة المرأة وأسرتها في المجالات الصحية والنفسية، والاجتماعية، والبيئية بما ينعكس إيجاباً على الأسرة والعيش بأمان وتعزيز أنماط أفضل الممارسات من خلال توفر الخيارات المناسبة وتمكين المرأة من التمتع بحياة كريمة وآمنة في جميع مراحلها العمرية والتركيز على خدمات الرعاية الصحية المقدمة للمرأة . 

وكانت المساهمة الفاعلة للمجلس في الجهود الوطنية للتصدي لجائحة كوفيد-19 ، برهانا آخر على الدور الهام الذي يقوم به في هذا الجانب، حيث أطلق مجموعة من المبادرات النوعية للتصدي للجائحة منها برنامج "مستشارك عن بعد" لمواصلة لتقديم جميع الاستشارات والاحتياجات الطارئة في ظل الجائحة. تحت مظلة حملة "متكاتفين.. لأجل سلامة البحرين" لدعم ومساندة المرأة وخصوصاً المعيلة لأسرتها، ومن بينها أسر الكوادر الطبية والتمريضية والعاملة في الصفوف الأمامية.  

بيت خبرة ومركزاً إقليمياً لقضايا المرأة  

 

وتنفيذاً لاختصاصاته بتمثيل المرأة في المحافل والمنظمات الوطنية والعربية والدولية المعنية بشئون المرأة والدخول معها في اتفاقيات تعاون وبرامج مشتركة فقد ساهم  المجلس في بناء منظومة معرفية وطنية تعزز اقتصاد المعرفة وتنوع سياسات ومنهجيات التوازن بين الجنسين وتتابع وتقيم معدلات التنافسية المحلية والإقليمية للمرأة ، ومنها  متابعة التزامات  البحرين على الصعيد الدولي ، ومن أهمها، اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة ( السيداو) ، ومنهاج عمل بيجين، وأهداف التنمية المستدامة 2030، مع مبادرات ومؤشرات الخطة الوطنية لنهوض المرأة البحرينية .  

وتفخر البحرين اليوم بأن تكون اليوم مركز خبرة دولي في شأن المرأة باعتبارها من أوائل الدول التي استطاعت ان تنقل تجربتها الوطنية على صعيد تقدم المرأة البحرين إلى العالمية من خلال تبني هيئة الأمم المتحدة للمرأة جائزة الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة العالمية لتمكين المرأة التي تم اطلاقها في العام 2017، و نسختها الثانية في يوليو 2021،  كرسالة للعالم  وكخطوة  تهد بمثابة إشادة عالمية بمدى تقدم مملكة البحرين في جهودها الوطنية لتمكين المرأة وتحقيق التوازن بين الجنسين.   

 وعلى صعيد أداء مملكة البحرين في بعض التقارير الدولية ذات العلاقة، فقد حققت البحرين المرتبة 137 في التقرير السنوي للفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) لعام 2021 مع استقرار نسبة سد الفجوة إلى 63%. كما تشير نتائج ذات التقرير إلى أن نسبة سد الفجوة في مجال المشاركة الاقتصادية والفرص قد بلغ حوالي 51.8%، مما جعلها تحتل المركز الأول خليجياً في هذا المجال وعلى مستوى المشاركة السياسية تشكل نسبة سد الفجوة حوالي 7%، وفي الصحة 95.9%. أما في مجال التعليم فقد بلغت النسبة 98.5% محققة البحرين المرتبة الأولى عالمياً في سد الفجوة في كل من الالتحاق بالتعليم الثانوي والتعليم العالي .