سينما: أكبر معارك محمد على كلاي، وكيف رفض الجندية

14 صور

محمد علي كلاي، رجل دخل التاريخ كأشهر بطل في رياضة الملاكمة؛ بل إنه أصبح «أسطورة»، ويلقب بـ«ملك الملاكمة»، وذاع صيته مشرقاً ومغرباً، وقد تم انتخابه في العام 1999 ليكون «رياضيّ القرن العشرين»، ورغم ابتعاده عن حلبة الملاكمة منذ عقود؛ فإن النسيان لم يلفه أبداً، وبقي حياً في ذاكرة الناس رغم تقدمه في السن ومرضه؛ فقد أصيب منذ عام 1984 بمرض الشلل الرعاش، لكنه لم يستسلم، وبقي يظهر من حين لآخر في بعض المناسبات، وعام 2005 حصل على «ميدالية السلام» من منظمة الأمم المتحدة في حفل رسمي أقيم في برلين بألمانيا؛ تقديراً لنضاله ضد العنصرية، وتكريماً لمواقفه وأعماله من أجل النهوض الثقافي بالسود في العالم.

أكبر المعارك
ويتم هذه الأيام عرض شريط سينمائي جديد يحمل عنوان Muhammad Ali's Greatest Fight:
«أكبر معارك محمد علي»، للمخرج الإنجليزي ستيفن فريرز، وتمّ عرضه في الدورة الأخيرة لمهرجان «كان» السينمائي، ويتناول فصلاً من أهم فصول حياة بطل العالم، الملاكم محمد علي كلاي عندما رفض القيام بالخدمة العسكرية والالتحاق بالجيش الأميركي إبان الحرب الأمركية في الفيتنام، والفيلم الذي يستمر عرضه ساعة ونصف الساعة، شارك فيه ممثلون أدوا الأدوار الرئيسية، من بينهم كريستوفر بليمر، وفرانك لانجلا، وهاريس يولين، أما السيناريو فقد كتبه شاون سلوفو.

الزنجي القذر
يعود المخرج البريطاني إلى فترة سابقة في العام 1966، عندما كان محمد علي كلاي شاباً، وكان مدعواً كغيره من الشباب الأميركي في سنه لأداء الخدمة العسكرية الإجبارية، ولكن الملاكم كان له موقف رافض للحرب، وهو يرى أنها حرب ظالمة ولا مبرر لها، حتى إنه يقول في الفيلم: «ليس لدي شيء ضد الفيتنام، ولم يعيرني أي فيتنامي بالزنجي القذر!» في إشارة واضحة إلى العنصرية التي عانى منها وكل السود الأميركان في تلك الفترة في الولايات المتحدة الأمركية.

اعتناق الإسلام
موقف محمد علي كلاي كان مدوياً لأنه من المواقف الأولى المعارضة للتدخل العسكري الأميركي في الفيتنام، وقد أعلن على الملأ: «أنا أسود؛ فلماذا أقتل «الصفر» «في إشارة إلى لون بشرة الفيتناميين».. لمجرد إرضاء البيض؟ «وقد شنت الصحافة الأميركية عليه وقتها حملة شعواء؛ خاصة وقد صادف هذا الموقف الشجاع للملاكم البطل اعتناقه الديانة الإسلامية؛ مما زاد في ضراوة الحملة الشرسة ضده، والتي انتهت إلى محاكمته وإدانة القضاء له في المرحلة الابتدائية من التقاضي، وصدر عليه حكم بالسجن خمس سنوات، وبدفع غرامة مالية كبيرة، إلا أنه استأنف الحكم بتوصية من المحامين الذين تولوا الدفاع عنه، وبقي إثر صدور الحكم أربع سنوات ممنوعاً من خوض أية مباراة ملاكمة، وتم سحب لقب بطل العالم منه.

إفلاس واستدانة
في أوج مجده الرياضي، وعنفوان شبابه، حرم محمد علي كلاي بسبب الحكم القضائي الصادر ضده من ممارسة رياضة الملاكمة، ومن خوض أية مقابلة مهما كانت، وهو ما تسبب في إفلاسه وغرق أسرته بالديون؛ فمصاريف التقاضي في أميركا كبيرة، وأجور المحامين مرتفعة، وكل هذه التفاصيل يستعرضها الفيلم بأسلوب روائي شيق؛ للتأكيد على أن قضية محمد علي كلاي كانت قضية رأي عام، وأنها حظيت باهتمام الإعلام والسياسيين والإعلاميين، ووصلت إلى حد عرضها على المحكمة الأميركية العليا «المتكونة من تسعة قضاة للفصل فيها».

المنعرج
ورغم أن المحكمة العليا محكمة محافظة، والقضاة فيها من كبار السن ومن المحافظين، إلا أنهم أصدروا حكماً قضائياً تاريخياً بتبرئة محمد علي وإعادة حقوقه المدنية إليه، ورفع قرار المنع بممارسة رياضة الملاكمة، ويعد هذا الحكم منعرجاً في التاريخ الأميركي المعاصر، وكان محطة هامة في مقاومة العنصرية ضد السود في أميركا، حتى أن هناك من ذهب إلى حد المقارنة بين محمد علي كلاي والزعيم مارتن لوثر كينغ، الذي تم اغتياله!

ممثّل بارع
لم يكن المخرج الإنجليزي مهتماً برياضة الملاكمة وهو يتذكر أنه لما شاهد محمد علي كلاي في مباراته الشهيرة في الزايير ضد جورج فورمن، لاحظ بعين السينمائي أن محمد علي في تلك المبارة لم يكن فقط ملاكماً؛ بل كان أيضاً ممثلاً؛ فقد كان يتلقى اللكمات القوية في أول المباراة؛ مما جعل الكثيرين يعتقدون أنه سيهزم، ولكنه بدهائه ترك منافسه يستنفد كل قواه، وتركه يتوهم أنه قاب قوسين من النصر، لينقض عليه في النهاية ويطرحه أرضاً بالضربة القاضية وسط صراخ المعجبين والمناصرين لمحمد علي من الأفارقة السود الذين كانوا يهتفون: «علي بوماييه!» أي «اسحقه يا علي»!

يلسع مثل النحلة
وكلاي ليس مجرد عضلات قوية؛ بل هو فنان فوق الحلبة، ثم إنه يتمتع بكاريزما حببته إلى الناس، وهو إلى جانب كل ذلك، عقل ومتحدث لبق ومحاور بارع، وأظهر الفيلم أن الندوات الصحفية التي كان يعقدها قبل كل المباريات الهامة، والتي يبدو فيها نرجسياً ومشاكساً، إنما هي «مسرح!» فالرجل واثق من نفسه، ولكنه ليس نرجسياً وليس عدائياً، وهو معروف بحبه للعمل الخيري والإنساني ودفاعه المستميت عن الفقراء والمحتاجين، وقد خاض محمد علي مباريات شهيرة مع أكبر أبطال الملاكمة في العالم، ومن أهمها: المقابلة التي جمعته بـ«جو فرايزر»، وهي إحدى أشهر مباريات في تاريخ الملاكمة، والفيلم يظهر في بعض لقطاته أسلوب محمد علي كلاي في الملاكمة، وهو أسلوب يعتمد الرشاقة فوق الحلبة، وشعار محمد علي المعروف هو: «أسبح فوق الحلبة، وأطير، وألسع مثل النحلة!»، أما أشهر ما قاله علي فهو:


«من لا خيال له، لا أجنحة له»، وقوله:
«أعرف إلى أين أذهب، وأنا حر بأن أكون كما أريد»