إلى سويسرا حملت الفنانة لولوة الحمود ثقافتها الفنية ورؤاها الفلسفية العميقة وأنماطها الإبداعية الراقية، لتروي قصة الفن السعودي الأصيل والغني والمتجذر، المحافظ على تفرده من دون أن ينغلق عن الفن العالمي بتعبيراته المعاصرة.
الحمود التي لطالما عُرفت بمزجها بين الخط العربي والتجريد الهندسي في أعمالها الفنية الهادفة خاطبت العالم بـ"لغة الوجود" في معرض "ميل للفن الرقمي"، حيث عرضت أعمالها إلى جانب مجموعة متنوعة من أعمال الفنانين العالميين.
"سيدتي" التقت لولوة الحمود للحديث عن وجودها بوصفها فنانة سعودية في أول معرض فني رقمي في مدينة بازل السويسرية، وعن تأثيرات التوجهات الفنية المعاصرة على الفن التقليدي.
الفن السعودي للعالمية..

وجودك في معرض ميل الرقمي يثبت قدرة الفن السعودي على الوجود والمنافسة عالمياً، لكن ما الرسالة التي يسعى الفنانون والفنانات السعوديون، وفي مقدمتهم لولوة الحمود، لقولها للعالم من خلال هذه المشاركات؟
الفن السعودي أثبت قدرته على الوجود عالمياً بسبب أصالة أفكاره وقدرته على التجديد والتميز والقدرة على التواصل مع مختلف الثقافات. جودة إيصال الفكرة والوسائط المستخدمة هي التي أوصلت الفن السعودي إلى العالمية. واليوم لا ينقصنا الدعم الوطني الذي يتيح للجيل الجديد من الفنانين الاستفادة من الكثير. يوجد لدينا الآن مركز متخصص في التقنيات الحديثة في الدرعية هو مركز فنون المستقبل الذي يتيح الفرصة للشباب التعرف إلى فنون العالم الحديثة محلياً. كذلك فإن الفن بشكل عام وعلى الرغم من تنوع واختلاف أساليب التعبير فيه؛ فإنه يجمع ويوحد "الإنسان" وهمومه في كل أنحاء العالم.

تقولين إنك تبحثين عن "لغة بصرية عالمية" أو بمعنى آخر لغة عالمية جديدة للتواصل، حدثينا عن الأبعاد الروحية والمادية لهذه اللغة وأي تأثير سيكون لها في الفن العالمي؟
في رأيي الأشكال التجريدية هي اللغة الأسمى للتعبير عن الروحانية؛ فالهندسة وُجدت وخُلقت من قبل أن نُخلق، كما أنها موجودة في خلقنا أيضاً. والتأمل بخلق الله يقرأها ويشعر بإعجازها ويستخدمها للتعبير عن عظمة الخالق، وهي لا تحتاج لأي تفسير؛ لأنها تحمل طاقة يستشعرها المتلقي كونها تحمل صفة الديمومة والخروج على الانشغال بالذات.
بوابة للتعلم المتواصل

أعمالك تُعرض في جناح "مؤسسة سيج للفنون" إلى جانب مجموعة متنوعة من الفنانين العالميين الذين يعملون في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية وغيرها من الأشكال الرقمية. برأيك، كيف يثري منظورك السعودي الفريد الذي يدمج التقاليد والفن المعاصر العالمي، هذا المشهد الفني الرقمي المتنوع في المعرض؟
تم عرض أعمالي بجانب أعمال فنانين عالميين، وهذا إنجاز لا أعتبره إنجازاً شخصياً، بل وطنياً. أعمالي تسعى لتقليص المسافة ما بين اللمسة الإنسانية والتكنولوجيا؛ فهي طبقات من التداخل بما هو عمل يدوي وتكنولوجي وكل عمل هو إضافة من منظور الفنان وبيئته؛ ما يثري المشهد الفني الرقمي. الفن بوابة للتعلم المتواصل عن ثقافاتنا وفكرنا. وعلى الرغم من ذلك أعمالي تحمل رسالة كونية؛ كونها مستقاة من الفن الإسلامي. دعوة "سيج" ما هي إلا ثقة عالمية بالفن السعودي ولهم الشكر على ثقتهم ودعمهم المتواصل للفن السعودي وفنانيه.

بالنظر إلى التطورات السريعة في الفن والتكنولوجيا الرقمية، ما التحديات التي واجهتِها في ترجمة تجريداتك الهندسية المعقدة إلى أشكال رقمية جديدة لجمهور عالمي في بازل وخاصةً أنه جمهور قد يكون أقل درايةً بتفاصيل الهندسة الإسلامية أو الخط العربي؟
أحد هذه التحديات السرعة في الابتكار والتطور في هذا المجال، وليس على الفنان أن يسرع لمجاراة هذه السرعة، بل يأخذ ما يناسب أعماله للتعبير عنها بشكل أفضل. ولا شك أن الجمهور على دراية بالأشكال المجردة لأن الفن الغربي تأثر بالتجريد الإسلامي، وهو أيضاً جمهور يتقبل ما هو جديد ومبتكر، بعض أعمالي تعتمد على التكنولوجيا بشكل كامل، ولكن معظمها يسعى لتقليص الفارق بين اليدوي والتقني.
التشفير لغة خفية

سلسلة "لغة الوجود"، وصفتِها بأنها رحلة إلى التجريد واستكشاف لمفاهيم التوازن والقواعد الخفية، هل تسمح لكِ الطبيعة الديناميكية للفن الرقمي، بممارسة هذا الاستكشاف بطرق أعمق من الوسائط الثابتة التقليدية؟ أو بمعنى آخر، كيف يؤثر الوسيط الرقمي في إدراك أو تجربة العناصر الروحية في أعمالك؟
سلسلة لغة الوجود هي بحد ذاتها إنشاء شيفرات جديدة لكل حرف عربي بناء على علاقته بالأرقام؛ فلو تأملنا في الحروف كما نعرفها فهي شيفرات بحد ذاتها، ولكن عندما تُؤلف كلمات فإن لها معاني وصوراً تتكون في عقولنا. أتاح لي استخدام الوسيط الرقمي إنشاء أشكال مجردة لا معنى لها للمتلقي إلا إذا فكك الشيفرات الجديدة لإنشاء فن لا يُقرأ، بل يُشعر به؛ فالتشفير بحد ذاته لغة خفية.

سلسلة "لغة الوجود" هي سلسلة متجددة، كيف تتطور هذه السلسلة وأي آفاق ستكون لها مع الوقت؟
بالطبع هي متجددة فيمكن التعبير عنها بأشكال مختلفة، وأعتبرها لغة لكل مكان وزمان، وقد أثبتت القبول باقتنائها في مؤسسات ومتاحف عالمية شرقية وغربية. التجديد لا يعني سرعة الزوال، ولكن إعادة إحياء ما هو تقليدي.
هل هناك أي مخاوف لدى لولوة الحمود من أن تطغى التكنولوجيا والفنون الرقمية على المشهد الفني العالمي وتهدد مكانة الفنون التقليدية؟
لا توجد لديَّ أي مخاوف على الإطلاق؛ فلكل نمط جمهور وداعمون. الفن الرقمي سيستمر ويتطور، ولكنه لن يتخلَّى عن اللمسة الإنسانية اليدوية ولن يقلل من قيمتها، بل بالعكس قد يزيد من قيمة الفن التقليدي؛ لأنه سيصبح يوماً أكثر ندرة، فالإنسان ابن عصره، ولكن يظل يقدر ما هو قبله من ابتكارات وأعمال فنية سابقة.
ساحة نابضة بالحياة

يُذكر أن الفنانة لولوة الحمود هي فنانة تشكيلية بصرية، وباحثة في الخط العربي، وإلى جانب مشاركتها في معرض Digital Art Mile ضمن جناح مؤسسة سيج للفنون، عُرضت لوحات للفنانة ضمن معرض آرت بازل، كما عُرضت لها لوحة خلال حفل العشاء الذي أقامته مؤسسة سيج للفنون في أقدم متحف في العالم.
أما معرض "ميل للفن الرقمي The Digital Art Mile"؛ فقد أُقيم في الفترة ما بين 16 و22 من يونيه 2025، وهو أول معرض فني رقمي في بازل من تنظيم آرت ميتا ART META ، وهو من ابتكار جورج باك وروجر هاس، حيث تم تحويل حي تاريخي إلى ساحة نابضة بالحياة مُخصصة حصرياً للفنون الرقمية، وعُرضت فيه أعمال لأبرز الفنانين والمعارض الفنية والمنصات العالمية. ومن أبرز الجهات المشاركة في المعرض كانت "مؤسسة سيج للفنون" التي احتضنت أعمال عدد من الفنانين العالمين ومن بينهم الفنانة لولوة الحمود.
ويأتي معرض "ميل للفن الرقمي" بنسخته الثانية بالتزامن مع معرض "آرت بازل" Art Basel؛ وهو معرض دولي ربحي للفنون المعاصرة يُقام سنوياً، ويُعَدُّ وجهة دولية للفنانين حول العالم لعرض أعمالهم وبيعها، إلى جانب مجموعة كاملة من البرامج والفعاليات.
تعرفوا أكثر على إبداعات الفنانة من خلال هذا المقال: لولوة الحمود: اهتمام رؤية 2030 بالخط العربي ترسيخ للهوية السعودية