لا يخلو دور القائد من مواقف تتطلب إيصال أخبار صعبة وحرجة، تمس أفراد الفريق على المستوى المهني أو النفسي، سواءً تعلق الأمر بقرارات مؤلمة مثل إنهاء خدمة موظف، أو بمراجعة أداء غير مُرضٍ، فإنّ طريقة إيصال الرسالة قد تكون فارقة بين كسر الثقة أو بنائها.
عبر السطور القادمة نتطرق إلى أحد النماذج الإدارية المساهِمة في إدارة المواقف الإدارية الحرجة.
السياق التاريخي للنموذج
أخبرنا بداية المستشار المعتمد في التخطيط وتحليل الأعمال "خالد البلوي" قائلاً: "في أواخر التسعينيات، طوّر الطبيب "Walter Baile" وفريقه من مركز "MD Anderson" الطبي نموذجاً يُعرف بـ"SPIKES "، صُمم بالأساس لمساعدة الأطباء في إيصال الأخبار السيئة للمرضى بطريقة إنسانية ومنضبطة، لكن ما لبث هذا النموذج أن وجد طريقه إلى السياقات الإدارية والقيادية، بفضل ما يتضمنه من خطوات تُراعي الخصوصية، والتدرج، والتعاطف، والتوجيه العملي، ويُعد هذا النموذج اليوم أداة فعّالة للقادة الإداريين الذين يطمحون إلى ممارسة الشفافية دون الإضرار بالعلاقات المهنية؛ حيث يُقدّم هيكلاً متكاملاً يُوازن بين الحزم والاحتواء، وبين الحقيقة والاحترام.
لماذا يستخدم القادة الإداريون نموذج "SPIKES"؟
بحسب البلوي هناك خمسة أسباب تجعل هذا النموذج مستخدماً من قبل القادة والإداريين، وهي:
- لأنه يمنح العملية طابعاً إنسانياً دون فقدان المهنية.
- يساعد في تقليل الصدمات والانفعالات السلبية التي قد تنشأ من الأخبار المفاجئة.
- يرسّخ الثقة والاحترام المتبادل في لحظات القرارات الصعبة.
- يعزز قدرة القادة على ممارسة الشفافية بحسّ عاطفي متزن.
- إيصال المعلومات الجوهريّة بصراحة ووضوح.
مزايا وعيوب نموذج "Spikes"
كما وتطرق "البلوي" إلى مزايا وعيوب هذا النموذج كالآتي:
مزايا النموذج الخمس:

- تعزيز الثقة بين القائد والموظف؛ حيث يتيح للقادة إيصال القرارات الصعبة بشفافية وتعاطف، مما يُعزز مصداقيتهم وثقة الآخرين فيهم حتى أثناء الأزمات.
- تنظيم الحوار وتجنب الفوضى الانفعالية؛ إذ يساعد على تسلسل الحديث بطريقة عقلانية، ما يخفف من ردود الفعل الحادة أو المشوشة من الطرف الآخر.
- مراعاة الجانب الإنساني؛ حيث إن النموذج لا يركّز فقط على المعلومة بل أيضاً على المشاعر، ما يجعله مناسباً للبيئات الحساسة مثل فرق العمل، الحالات التأديبية، أو إنهاء العقود.
- توفير إطار عمل قابل للتكرار والتدريب؛ حيث يمكن تدريب القادة عليه بسهولة، ويُعتمد كأساس لمهارات التواصل المتقدمة في الإدارة والموارد البشرية.
- دعم الانتقال السلِس بعد القرار، فمن خلال مرحلة "الاستراتيجية"، يتم توضيح ما سيحدث بعد القرار، مما يقلل من الإرباك، ويحفّز الموظف على التكيف أو التحسين.
عيوب النموذج:

كما أنّ للنموذج على الجانب الآخر عيوباً خمسة قد تحد من استخدامه في السياق الإداري وهي:
- قد يتطلب وقتاً وجهداً في المواقف العاجلة، فهو يتطلب إعداداً ومهارة، ما قد لا يكون عملياً في حالات تحتاج إلى قرارات سريعة ومباشرة دون مساحة للحوار.
- لا يناسب جميع الثقافات التنظيمية، ففي بعض البيئات المؤسسية التقليدية قد تفضّل الصرامة المباشرة، وقد ترى في النموذج ليونة مفرطة أو ضعفاً في الحزم.
- قد يُساء استخدامه عند ضعف مهارات القائد؛ فإذا لم يكن القائد مدرَّباً على التعاطف وضبط النفس، قد تتحول الخطوات إلى حوار متوتر أو غير أصيل يفقد مصداقيته.
- احتمالية مقاومة الموظف للمشاركة؛ حيث إنّه في بعض الحالات، قد لا يرغب الطرف الآخر الدخول في حوار مفتوح، مما يصعّب تطبيق النموذج كما هو مخطط له.
- يركّز النموذج على الفرد أكثر من الموقف، فهو مصمم للتواصل الفردي غالباً، مما قد يجعله محدوداً عند التعامل مع فرق كاملة أو قرارات جماعية.
اطلعوا أيضاً على نموذج "grow" للتوجيه الإداري الفعّال
مجالات التطبيق
- المجالات الطبية: إعلام المرضى بتشخيصات صعبة أو نتائج طبية معقدة.
- التدريب الطبي: يستخدم لتعليم طلبة الطب والرعاية الصحية هذه المهارة الحيوية.
- الإدارة: يمكن أن يُطبّق في سياق توديع الموظفين أو نقل قرارات مؤثرة.
خطوات سلِسة للتطبيق

كلية الطب بجامعة كولومبيا البريطانية "UBC CPD" نشرت عبر موقعها كيفية تطبيق هذا النموذج مع المرضى بخطوات سلِسة وواضحة وهي:
"S" تعود لكلمة setting وهي تمثل الإعداد
ويتم ذلك من خلال توفير بعض الخصوصية، إشراك الأشخاص المهمين، الجلوس، التواصل وبناء علاقة وطيدة مع المريض، كذلك إدارة ضيق الوقت والمقاطعات.
"P" تعود لكلمة perception وتشير إلى إدراك الحالة وخطورتها
ويتم من خلال تحديد ما يعرفه المريض عن حالته الطبية أو ما يشتبه به، ثم الاستماع إلى مستوى فهم المريض، يلي ذلك تقبّل الإنكار وعدم مواجهته هذه المرحلة.
"I" تعود لكلمة invitation وتشير إلى دعوة من المريض لتقديم معلومات
ويتم ذلك بسؤال المريض إذا كان يرغب في معرفة تفاصيل الحالة الطبية أو العلاج، ثم تقبل حق المريض في عدم المعرفة، ومن ثم عرض الإجابة عن الأسئلة لاحقاً إذا رغب في ذلك.
"K" تعود لكلمة knowledge وتستخدم للدلالة على المعرفة وتقديم الحقائق الطبية
وفي هذه الخطوة يتم استخدم لغة مفهومة للمريض، والوضع في الاعتبار المستوى التعليمي، والخلفية الاجتماعية والثقافية، والحالة النفسية الحالية، ومن ثم تقديم المعلومات في أجزاء صغيرة، والتحقق مما إذا كان المريض قد فهم ما قلته، ثم الاستجابة لردود فعل المريض فور حدوثها وذكر الجوانب الإيجابية على سبيل المثال: لم ينتشر السرطان إلى الغدد الليمفاوية، أو استجابته للعلاج بشكل كبير، أو توفر العلاج محلياً، إلخ، جنباً إلى جنب مع تقديم معلومات دقيقة حول خيارات العلاج، والتشخيص، والتكاليف، إلخ.
"E" تعود لكلمة emotion وتشير إلى استكشاف المشاعر والتعاطف
في هذه المرحلة يتم الاستعداد لرد الفعل المتعاطف أثناء تحديد المشاعر التي عبّر عنها المريض (الحزن، الصمت، الصدمة، إلخ)، ثم تحديد سبب أو مصدر المشاعر، ثم يتم منح المريض وقتاً للتعبير عن مشاعره والإجابة عليه بطريقة منظمة ومتعاطفة.
أخيراً "S" وتعود لكلمتي strategy و summary وتعني الاستراتيجية والملخص
ويتم في هذه المرحلة اختتام المقابلة وسؤال المريض عمّا إذا كان يرغب في توضيح شيء آخر ثم القيام بجدولة الأعمال للاجتماع القادم.
تعرفوا أيضاً إلى بعض النماذج الإدارية المساعدة على صناعة القرارات