mena-gmtdmp

كيف تتعامل مع الإحراج الاجتماعي بين الزملاء؟

الإحراج الاجتماعي بين الزملاء
الإحراج الاجتماعي بين الزملاء

يُعدّ الإحراج الاجتماعي بين الزملاء أحد أكثر التحديات النفسية انتشارًا داخل بيئات العمل الحديثة، ولا سيما مع تزايد ضغوط الحياة المهنية وتحوّلات التواصل الرقمي. فقد تتسبب كلمة عفوية، أو تعليق غير مقصود، أو مزاح ثقيل في إرباك العلاقات وإثارة مشاعر القلق أو الانزعاج لدى الموظفين. وبين حساسية هذه المواقف والحاجة إلى الحفاظ على أجواء مهنية صحية، يبرز السؤال: كيف يمكن التعامل مع الإحراج بوعي واتزان، وبطريقة تحفظ كرامة الفرد وتضمن استمرار علاقات مهنية محترمة؟ إنّ ذلك يتطلب فهمًا عميقًا لطبيعة الإحراج الاجتماعي، واكتساب مهارات دقيقة لإدارته دون صدام أو توتر.

الإحراج الاجتماعي بين الزملاء في زمن التغيّر الرقمي

الاحراج الاجتماعي بين الزملاء
من الضروري تعلم التحكم بالانفعالات والمشاعر

توضح الدكتورة فريال عبدالله حلاوي، المحاضِرة والمستشارة في تقدير الذات، لـ"سيدتي" كيفية التعامل مع الإحراج الاجتماعي بين الزملاء. وتشير إلى أنّ العلاقات المهنية كانت في السابق تقوم على الدعم والتعاطف والصداقة الحقيقية النابعة من المحبة والمساندة، إلا أنّ هذه المعادلة تبدّلت في السنوات الأخيرة، مع ازدياد حالات الإحراج والتنمّر، وتحول بعض "النكات" أو "التعليقات العفوية" إلى أساليب مُؤذية تجرح مشاعر الآخرين بدلًا من مشاركتهم لحظات لطيفة.

وترى أنّ هذا التغيّر يعود جزئيًا إلى التنمّر الإلكتروني، إذ أصبحت منصات التواصل الاجتماعي بيئة خصبة للإحراج العلني والانسحاب السريع من العلاقات دون أي محاسبة أو مواجهة. بل إنّ بعض الأشخاص باتوا يستخدمون الاستفزاز أو التقليد السلبي في الرد على زملائهم حتى في الحياة الواقعية، مما يزيد التوتر ويُضعف الارتباط العاطفي داخل فرق العمل.

أمام هذا الواقع، يصبح من الضروري تعلم التحكم بالانفعالات والمشاعر. فالتعبير عن المشاعر أمر مشروع، لكن ينبغي أن يتم بوعي واتزان. كما يُعدّ التفكير قبل الرد خطوة أساسية لتجنب إيذاء الآخرين، وخصوصًا عند الشعور بالإحراج أو التوتر.
ما رأيك متابعة نصائح لإدارة العلاقات العاطفية بشكل صحي في فترة الشباب

وتؤكد الدكتورة أنّ الحل لا يكمن في الهروب من العلاقات أو قطعها عبر "حظر" أو انسحاب مفاجئ، بل في بناء أدوات نفسية تساعدنا على الحفاظ على العلاقات وإصلاحها، واستعادة القيم التي تقوم عليها أي علاقة صحية: التعاطف، الاحترام، والصدق.

كيف أتصرف بعد لحظة الإحراج؟

بعد أي موقف محرج في العمل، من المهم جدًا مراجعة الذات بصدق ووضوح:

  • هل كنتُ سببًا في إحراج زميلي؟
  • هل كنتُ أنا الطرف الذي تعرّض للإحراج؟
  • هل كانت ردّة فعلي مناسبة أم أنها زادت الموقف توترًا؟


إنّ هذا النوع من المراجعة يساعد على فهم الذات وتنمية الوعي السلوكي، كما يتيح تصحيح الأخطاء. وإن تطلّب الأمر تقديم اعتذار، فلا بأس بذلك؛ فالاعتذار لا ينتقص من قيمتنا، بل يدل على قوة الشخصية واحترام الذات والآخرين.

وفي حال وقع موقف محرج لحظي، يمكن تغيير موضوع الحديث بلطف وإعادته إلى إطار العمل أو إلى موضوع محايد، مما يخفف التوتر ويعيد الراحة إلى الطرفين.

أما إذا كان هناك زميل يتعمّد إحراجك أو استفزازك باستمرار، حتى لو جاء ذلك في قالب "مزاح"، فمن الضروري إدراك أن هذا النوع من المزاح يُعدّ جارحًا وله تأثير سلبي. في هذه الحالة، لا يُنصح بالتصادم، بل بتطبيق ما يُعرف بـ"قانون المسافات": أي الحفاظ على علاقة زمالة محترمة، مع وضع حدود واضحة وراقية تحميك من الأذى وتضمن احترامًا متبادلاً.

مراجعة الذات ووضع حدود صحية في علاقات الزمالة

من الضروري خلال العمل وبعده مراجعة الذات بصدق: هل سبّبنا الإحراج لأحد الزملاء؟ هل أُحرجنا نحن؟ أم ربما كانت ردود أفعالنا غير مناسبة؟ يساعد هذا الوعي المتواصل على بناء علاقات مهنية صحية. وإذا استوجب الموقف اعتذارًا، فيجب عدم التردد في تقديمه حتى لو مضى بعض الوقت.

كذلك، عند الشعور بالإحراج أو الوقوع في موقف ضاغط، يمكن اللجوء إلى تغيير مسار الحديث بسلاسة، وإعادته إلى سياق العمل. فهذه الاستراتيجية تُخفف من التوتر وتساعد على تجاوز الموقف دون إحراج إضافي.

أما في حال وجود زميل يتعمّد توجيه النقد أو الإحراج تحت ستار المزاح، فينبغي الانتباه إلى أن هذا السلوك قد يكون مؤذيًا. وهنا يُفضل التعامل معه بحكمة، من خلال وضع حدود واضحة تحفظ الاحترام من دون قطع العلاقة.

الابتعاد عن العلاقات السامة والبحث عن الدعم الصحي

من أهم المهارات التي يجب اكتسابها في بيئة العمل القدرة على الاستفادة من التجارب والمواقف الصعبة. فإذا بدا الجو العام في مكان العمل سامًا وغير صحي، فمن الأفضل الابتعاد تدريجيًا حفاظًا على الصحة النفسية. فالبقاء في علاقات مليئة بالإحراج أو التنمّر، حتى لو كان مقنّعًا على شكل مزاح، قد يترك آثارًا نفسية عميقة.

لكن الابتعاد عن العلاقات السامة لا يكفي، إذ يجب في الوقت نفسه البحث عن الأشخاص الإيجابيين والداعمين الذين يمنحون شعورًا بالأمان والثقة، والذين يمكنهم إحداث فرق حقيقي في الحياة المهنية والشخصية. كما يُستحسن مشاركة المشاعر مع شخص موثوق، لأن الكبت المستمر قد يؤدي لاحقًا إلى توتر أو اكتئاب أو قلق.

ومع تراجع قوة العلاقات الاجتماعية الحقيقية في الواقع المعاصر، تتزايد ظواهر الإحراج والتنمر بين الزملاء. ومع ذلك، يبقى أمام كل فرد خيار واضح: إمّا التصعيد وردّ الإساءة بالإساءة، أو الحفاظ على التوازن النفسي ووضع حدود صحية، وإدارة العلاقات المهنية بذكاء.
يمكنك أيضاً الاطلاع على هل تجدين نفسك عالقة في علاقة تستهلك طاقتك؟ 11 علامة لا تتجاهليها

وفي حال أصبحت العلاقة مؤذية إلى حدّ كبير، لا ضير من الانسحاب والبحث عن بيئة عمل صحية وآمنة تُشبه قيمنا وتقدّر إنسانيتنا.