في منزلٍ يحمل رائحة الذكريات وصدى الضحكات التي انطلقت من قلب أحد أعظم روّاد المسرح والدراما المصرية، يعيش المهندس محمد عبدالمنعم مدبولي، نجل الفنان الراحل عبدالمنعم مدبولي؛ محتفظاً بكلّ تفاصيل الزمن الجميل، الذي صاغته موهبةٌ استثنائية وإنسانية عميقة. ولأول مرة، يفتح محمد مدبولي قلبه للحديث عن والده الفنان، الذي لم يكن مجرد رمزٍ فني؛ بل كان أباً حنوناً، ومُربياً صارماً، وإنساناً استثنائياً، ترك بصمة لا تُنسى في المسرح المصري وفي حياة أسرته. وفي هذا الحوار الإنساني الحصري، يكشف الأبناء عن ملامح لا يعرفها الجمهور عن "بابا عبده"، الفنان الذي قدّم الكوميديا بعين الناقد، والمأساة بقلب الأب، وعلّم أبناءه أن المحبة الحقيقية تُقاس بمدى حفاظهم على اسمه وقِيمه.
المهندس محمد عبدالمنعم مدبولي، الابن الأكبر في الذكور للفنان الراحل، الذي فتح لنا أبواب منزل العائلة في مصر الجديدة، وشاركنا ذكرياته مع والده في لحظات النجاح والتعب والحياة اليومية، كما تحدّث عن تفاصيل خاصة في تربية الأب، وعلاقته بأبنائه، وحرصه على اسمه وإرثه الفني والإنساني.
عبدالمنعم مدبولي

يقول المهندس محمد: "ونحن أطفال، كان أبي في فترة الستينات مشغولاً بتكوين اسمه وتكوين نجوميته؛ فكان دائمَ العمل، وكنا لا نراه بشكل كبير. كان يعمل في مسرح التليفزيون ومع فرقة الفنانين المتحدين، وكان يؤسس المسرح الحر كمخرج وممثل، وفرقة (ساعة لقلبك). 50% من عمله تم في هذه الفترة، وهي فترة الستينيات وأوائل السبعينيات. كلّ مسرحيات المسرح الكوميدي التابع لمسرح التليفزيون جميعها، قام بإخراجها أبي؛ فبمجرد أن يقرأ الجمهور في هذا الوقت اسم مسرحية مكتوب عليها: (إخراج عبدالمنعم مدبولي)، لا يترددون عن دخولها".
ولم تكن إسهاماته المسرحية مجرد عروض ناجحة؛ بل كانت ورشة لاكتشاف النجوم، كما يروي محمد: "أبي اكتشف مواهب كثيرة، أصبحوا بعد ذلك نجوم صف أول؛ فصلاح السعدني اكتشفه في مسرحية (لوكاندة الفردوس)، وعادل إمام في (أنا وهو وهي). ومن خلال فرقة المدبوليزم، اكتشف يحيى الفخراني وفاروق الفيشاوي وسمية الألفي. أما حسن حسني؛ فاشتهر مع والدي في المدبوليزم، وكانت انطلاقته الحقيقية معه، ثم انفصل عن الفرقة. أحمد زكي أيضاً بدأ مع أبي في (هالو شلبي)، وعبدالله فرغلي وحسن مصطفى بدآ معه في مسرح التليفزيون، وكان في بعض هذه المسرحيات هو المخرج".
ورغم كثافة العمل، لم يتخلَّ مدبولي الأب عن أسرته، كما يؤكد المهندس محمد: "في فترة الإجازات، كان يلعب معنا، ويؤجّر لنا شقة في الإسكندرية طوال الصيف؛ حيث كان يعرض مسرحيات هناك. يذهب للمسرح يومياً في المساء من الساعة 9، وبعد انتهائه من العرض يعود إلى القاهرة لارتباطه بتسجيل إذاعي أو تليفزيوني أو سينمائي، ثم يعود في نفس اليوم بالقطار فجراً إلى الإسكندرية؛ ليكون على المسرح في الثامنة والنصف. كان ينام ساعتين فقط، ويبدأ اليوم من جديد. أحياناً لا يستطيع العودة؛ فنذهب نحن ووالدتي إلى محطة القطار لنقابله لأننا نشتاق له، وهو كذلك".
وتابع قائلاً: "في أيام الإجازات، كان يأخذنا معه لنشاهد مسرحيات محمد عوض وأمين الهنيدي، ويجلس معنا، يلعب ويمزح ويحكي لنا حكايات. كانت لحظات لا تُنسى. كنا نتشاجر على مَن ينام بجانبه، وكان سخياً في الهدايا. وأحياناً كنا نقضي اليوم معه في غرفته بالكواليس أثناء عروضه المسرحية، وكأنها فسحة بالنسبة لنا".
أما عن شخصيته في المنزل؛ فيقول محمد: "في فترة المراهقة ومرحلة الإعدادي، أصبح أباً آخر، حازماً جداً، يحب الالتزام بالمواعيد. لو عنده موعد الساعة 7، يجب أن يكون هناك الساعة 6:45. وكان يقول لي: اذهب مبكراً عن الميعاد".
لكن صرامته لم تُخفِ طيبة قلبه: "أبي كان صاحب قلب طيب، رغم عصبيته أحياناً، لكنه كان يهدأ بسرعة. إذا رأى طفلاً يبكي، تدمع عيناه؛ لأنه فقد والده صغيراً. كان دائماً يقول لنا: لو طفل يبكي وليس مريضاً؛ فأمه هي السبب. وكان يقول لي: طالما تزوجتَ وأنجبت، اترك لزوجتك السيارة؛ حتى تكون تحت يدها إذا مرض أحد الأولاد أو أصيب بجرح، لتذهب به للطبيب فوراً، أما أنت فتذهب إلى عملك بأيّة وسيلة مواصلات. يجب أن تكون أباً مسؤولاً وتوفّر لزوجتك كلّ سُبل الراحة".
بهذه الروح، يظل عبدالمنعم مدبولي حاضراً في ذاكرة أبنائه، ليس فقط كفنان قدّم أجمل المسرحيات؛ بل كأبٍ حنون، علّم أبناءه أن (المحبة الحقيقية) لا تُقاس بالكلام؛ بل بتحمُّل المسؤولية، وأن الحفاظ على الاسم أمانة.
ما أبرز المواقف التي لا تنساها عن والدك، وكيف أثّر اسمه وشخصيته عليكم كأسرة؟
"كنا نحبه ونخاف على زعله، كان أبي دقيقاً جداً في عمله، يذاكر دوره جيداً، وعندما نجده يستعد ويحضّر نفسه للنزول للذهاب للتصوير، كنا نختفي في غرفنا حتى لا يفقد تركيزه في بعض التفاصيل؛ فكان يأخذ الإسكريبت وملابس الراكور التي يستخدمها في التصوير".
لم يكن عبدالمنعم مدبولي حاضراً فقط في حياة أبنائه؛ بل كان حاضراً في تربيتهم بقوة، كما يضيف المهندس محمد: "كانت هناك ممنوعات يقولها لنا: ما فيش شكوى تيجي من المدرسة، ولا شقاوة، أو أسمع إن فيه حد زوّغ من المدرسة. نحن بطبعنا كنا نخاف أن نفعل أيّ شيء من هذه الممنوعات؛ لأننا نشأنا على القيم والأخلاق، بجانب أننا نحمل اسم عبدالمنعم مدبولي؛ فكان اسمه يفرض علينا مسؤولية، وأن نحافظ على اسم أبي. لا نصاحب أولاداً عديمي الأخلاق، أو تحدث منا بعض الشقاوات؛ حتى لا يقول أحد: عبدالمنعم مدبولي مش فاضي لأولاده بسبب التمثيل. كنا دائماً نحافظ على اسم والدي؛ فقد قال لنا: لو بتحبوني حافظوا على اسمي".
ورغم مشاغله الفنية، لم يتخلَّ عن متابعة أبنائه والاطمئنان عليهم، يقول المهندس محمد: "أنا خريج هندسة إسكندرية، وأقمت بالإسكندرية في شقتنا بمفردي طوال سنوات الكلية، وكان أبي دائم المجيء لي، وأمي كانت تُحضر لي الطعام، وكانا دائمَي الاطمئنان عليّ. وتعلمنا في مدارس حكومية؛ لأنها كانت في وقتنا مدارس متفوقين. أما في مرحلة الابتدائية؛ فكنا نلتحق بمدارس لغات، وفي إعدادي وثانوي مدارس حكومة عربي، ودخلنا جامعات حكومية. وأحياناً كان يقيم معي في الإسكندرية في حالة تصويره مسلسلاً في الشتاء هناك".
تعرّفي إلى مسرحية ألّفها وجسّد بطولتها محمد عوض أمام نبيلة عبيد

هل كان لوالدك الفنان عبدالمنعم مدبولي دورٌ في اختيارك لشريكة حياتك؟ وكيف تعامل مع مرحلة زواجك وظروفه الصحية؟
يقول المهندس محمد: "أبي كان يرشّح لي بعض الفتيات للزواج كمجرد ترشيح، لكنني لم أقتنع بهذه الترشيحات، وزواجي كان من اختياري، ولم يعترض أبي؛ فأنا شاب أعمل مهندساً، ومسؤول عن قراراتي. كان يرفض أن نذهب لنأكل في مطعم معه؛ لأنه كان يقول: (الناس هتتفرج على عبدالمنعم مدبولي، وبالتالي لن أكون على راحتي، سأكون مقيداً بعيون الناس)".
ويتابع المهندس محمد: "أبي عوّدنا أنه ليس كلّ شيء نريده يأتي في نفس اللحظة، من الممكن أن يؤجّل حتى تكون الظروف مناسبة، وهذا جيد جداً؛ لأن مَن يعوّده أهله أن تأتي له بما يريده في وقته، ثم عندما تدير الدنيا له ظهرها، يعاني كثيراً. أخذت السيارة بعد ثلاث سنين من الجامعة، وكانت سيارة أمي؛ فاشترى لأمي سيارة خاصة بها بدلاً منها".
وعن ظروف صحية عصيبة مرّ بها والده، يروي محمد: "عندما كان أبي يعرض مسرحية (ريا وسكينة) في عام 84، شعر ببعض الآلام، وكانت هذه آلام سرطان الكبد؛ فسافرنا إلى لندن لاستئصال نصف الكبد، وبعد العملية قضينا أربعة شهور، وكان مرهقاً نفسياً وصحياً بشكل كبير. نصحَنا الطبيب بأن نعود إلى مصر، وبأن يقيم وسط أولاده وأحفاده حتى تتحسن نفسيته. وعندما عدنا كان سعيداً جداً، وقام بنفسه بترتيب إجراءات زواجي. تحسّنت صحته وحالته النفسية بشكل كبير، وقد شُفي أبي من سرطان الكبد نهائياً، وكانت حالته تدرّس في كليات الطب في لندن باسم (مدبولي كيس). وهو أول مريض سرطان كبد يُشفى شفاءً نهائياً، وكنا نقوم بالمتابعة بصفة ثانوية فقط من دون أن يأخذ أيّ دواء لمدة 13 سنة. ثم شعر أبي بتعب وإرهاق أثناء تصويره لفوازير (جدو عبده)، وبعد انتهائه من التصوير، نصحه الأطباء بالسفر إلى لندن، وهناك وجدنا أنه بسبب عملية استئصال جزء من الكبد، قد أصيبت القنوات المرارية بانسداد؛ فقاموا بتركيب بالونة ودعامة له فيها. أثناء تصويره (فوازير جدو عبده) كان يرافقه طبيب مصري، ويعطيه بعض الحقن ويعلّق له محاليل حتى ينتهي من التصوير، ثم استعاد صحته وعاد إلى عمله. لكن بعد فترة أصيب بنزيف ودخل في غيبوبة، وكان السببُ جرحَ بعض شرايين الكبد أثناء تركيب الدعامة في القنوات المرارية. والحمد لله، شُفي وتم كي الجرح. وفي عام 2006 عاد له سرطان في الطحال، وسافرنا فرنسا وقالوا عملية، لكن الأطباء المصريين نصحونا بعدم إجرائها لكِبر سنه، ثم كانت النهاية عندما أصيب بالتهاب رئوي أدّى إلى وفاته".
أمل مدبولي: كان وجه أبي يشعرك بالأمان وممثل لن يتكرر

ننتقل بالحوار إلى ابنته الكبرى، أمل عبدالمنعم مدبولي، التي تحدّثت عن الجانب الحنون في شخصية والدها، وعلاقته المميزة بها، ودوره كزوج وأب، وقدوته في الحياة والفن، كما كشفت تفاصيل عن علاقاته بزملائه في الوسَط الفني، ومنها صداقته العميقة مع الفنان فؤاد المهندس، وكواليس أعماله المسرحية والدرامية.
عن ملامح والدها كما عايشته داخل المنزل، وكما رآه الجمهور على الشاشة. تقول أمل: "كان وجه أبي يُشعرك بالأمان والحنان والقلب الكبير؛ فقد كان بالنسبة لأجيال كثيرة، الأب الحنون طيب القلب، وقد أطلقوا عليه بابا عبده بعد نجاحه الكبير في مسلسل (أبنائي الأعزاء شكراً)؛ فقد جسّد شخصية الأب بكلّ نوعياتها. فهو الأب والزوج المكافح الذي يعمل كثيراً حتى يعلّم ويزوّج أبناءه في فيلم (الحفيد)، وهو الأب الذي يحاول أن يبحث عن بناته بعدما كبرن ويتمنى أن يراهن في (لا يا ابنتي العزيزة)، وهو الأب الحنون المكافح الذي يقوم بدور الأب والأم معاً في مسلسل (أبنائي الأعزاء شكراً)".
وتضيف عن موهبته الفنية: "كثيراً ما استطاع أبي أن يُبدع كممثل يجمع بين الكوميديا والتراجيديا، واستطاع أن يُبدع ككاتب ومخرج مسرحي. فلا أنسى أبداً عبقريته في أداء دور حسب الله أمام الفنانة الكبيرة شادية والفنانة سهير البابلي في (ريا وسكينة). مازالت أغنياته للأطفال في أذني: (توت توت)، و(تعيش بيننا)، يسمعها الأطفال الصغار والكبار. لقد أبدع أبي في كلّ أدواره؛ فهو ممثل ومخرج لن يتكرر".
وتتذكر أمل أول مشهد في حياة والدها؛ فتروي جانباً مؤثراً من طفولته: "كان أبي يتيماً، تُوفي والده وهو يبلغ من السن ستة أشهر، وكانت والدته شابة ولديها ثلاثة أطفال، أكبرهم يبلغ من العمر ست سنوات، وأبي هو أصغر أبنائها. شعرت جدتي بأن أبي مختلف عن أشقائه؛ فقد كان طفلاً ضعيفاً ولديه حساسية في صدره، ويمرض كثيراً. لهذا كان يحظى باهتمام كبير من والدته ورعاية خاصة، وكانت تحيطه بحنانها كثيراً".
وتستكمل: "حكى لي أبي أن جدتي رغم أنها كانت على قدْر بسيط من التعليم، إلا أنها كانت مهتمة بتعليم أبنائها على مستوًى عالٍ، وكانت حريصة أن تُحضر لأبي مدرسين في البيت، وتسمّع له دروسه، رغم أنها لم تكن تفهم ما تقوم بتسميعه، لكن كان ذلك من منطلق أن تطمئن أنه يذاكر دروسه جيداً. وكانت تمسك له العصا أثناء التسميع؛ حتى يحرص على المذاكرة جيداً. وحكى لي أن والدته كانت أماً وأباً في الوقت نفسه، وحازمة جداً. ودائماً كان يقول إن الزوجة عندما يموت زوجها وهي في ريعان شبابها، تكون حريصة على أن تُربي أبناءها، وخاصة الصبيان، بشكل جيد جداً وبشكل حازم؛ حتى يكونوا ملتزمين ومهذبين، ولديهم مبادئ وأخلاق".
أما عن مراهقته؛ فتقول أمل: "أبي كان خجولاً ومنطوياً إلى حدٍّ كبير في فترة مراهقته، وكانت اهتماماته الفنية منذ أن كان طالباً في الابتدائي، تشغله كثيراً عن مشاكل سن المراهقة؛ حيث كانوا في المدرسة يستعينون به في المسرح يؤلّف ويُخرج ويمثل، وهو المسؤول عن الفريق الفني للمدرسة. وبذلك كانت مراهقته هادئة جداً بعيدةً عن أيّة مشكلات. كما كان يحب الرسم، ويتابع المسارح المتجوّلة، ويشاهد الأعمال التي تُقدَّم عليها من دون مقابل، وهو ما نمّى موهبته في التمثيل، وكان يستمتع جداً بهذه المسارح، وتعلّم منها الكثير".
وتختتم أمل هذا الجزء من حديثها بتأثُّر واضح: "فقدانه لوالده وحرمانه منه في سن صغير، أثّر على معاملته لنا؛ فقد كان أباً حنوناً بدرجة كبيرة، ويحتوينا بشكل كبير، ويتأثر كثيراً عندما يرى أيّ طفل يتيم يقابله، ويحتضنه وأحياناً يبكي، وزاد هذا الشعور بشكل كبير عندما كبر في السن".
في لقاء مع شقيقها وابنته وابن شقيقتها: عائلة فاتن حمامة تتحدّث عن إنسانيتها للمرة الأولى

كيمياء فنية فريدة بين مدبولي وفؤاد المهندس
وعن العلاقة الفنية التي جمعت والدها بالنجم الكبير فؤاد المهندس، تقول أمل عبدالمنعم مدبولي: "كان يربطهما حب الفن، ودائماً ما كان فؤاد المهندس يقول عن أبي: إن عبدالمنعم مدبولي هو الوحيد الذي يعرف مفاتيح شخصيتي. ولم يكن أبي يهتم أبداً بأن يوضع اسمه قبل أو بعد اسم المهندس؛ فهذه الأشياء لم تكن تمثّل له أيّة أهمية؛ بل كان كلّ ما يعنيه، أن تصل رسالة العمل وهدفه للجماهير".
وتؤكد أن علاقتهما لم تشُبها أيّة غيرة فنية؛ بل كانت مثالاً نادراً للتعاون والانسجام: "لم تكن هناك أيّة غيرة بينهما؛ بل على العكس، كانت أنجح المسرحيات التي أخرجها أبي، من بطولة الفنان فؤاد المهندس، مثل (أنا وهو وهي)، و(حواء الساعة 12). وكان أبي دائماً حريصاً على أن يكون أداء فؤاد المهندس في أحسن حالاته".
عبدالمنعم مدبولي شاهد صامت على حب فؤاد المهندس وشويكار
تكشف أمل عبدالمنعم مدبولي جانباً إنسانياً وخاصاً من كواليس العلاقة بين فؤاد المهندس وشويكار؛ فتقول: "كان أبي يشعر بأن هناك قصة حب تجمع بين فؤاد المهندس وشويكار، لكنه لم يتدخل في هذا الموضوع. وأثناء عرض مسرحية أنا وهو وهي، قام أبي بالإعداد لمشهد يجمع شويكار وفؤاد المهندس، يعترف فيه فؤاد بحبه لها؛ فقد كان هذا المشهد بمثابة تشجيع له بأن يخرج عن النص، ويفاجئ شويكار بما يحمله لها من حب في قلبه، ويطلب منها الزواج؛ قائلاً: تتجوزيني يا بسكوتة".
وتضيف أمل موقفاً مؤثراً في أيام والدها الأخيرة: "أتذكر عندما اتصل بي فؤاد المهندس على تليفوني ليطمئن على والدي وهو في العناية المركزة، فأعطيته لأبي وخرجت من الغرفة، وقام الطبيب المعالج بوضع التليفون على أذن أبي. لم يفهم فؤاد المهندس كلام أبي، وشعر بأنه في أيامه الأخيرة. وأخبرتني زوجة محمد ابن فؤاد المهندس بأنه بكى وحزن كثيراً على أبي، الذي تُوفي عام 2006، ولحق به فؤاد المهندس بعده بشهرين، وكأنهما لم يستطيعا أن يفترقا".
الزوجة الصبور رفيقةُ درب عبدالمنعم مدبولي
تحكي أمل عبدالمنعم مدبولي عن والدتها ودورها الجوهري في حياة والدها الفنان الكبير؛ فتقول: "أمي كانت ابنة صاحب البيت الذي كان يقيم فيه أبي مع والدته وأشقائه؛ فهو عرف أمي منذ أن كانت طفلة، وشاهدها تكبر أمام عينيه، ثم كبر أبي وانتقل للإقامة هو ووالدته وأشقاؤه في منزل آخر، وعندما قرر أن يتزوج اختار البنت التي عرَفها منذ طفولتها وكيف تربّت. بجانب أن أبي كان يكبر أمي بـ11 عاماً، وكان يقوم بتدريس الرسم لها لأنه تخرّج في كلية الفنون التطبيقية، وكانت أمي في ذلك الوقت تدرس في مدرسة الفنون الطرزية".
وتتابع قائلة: "كانت أمي شديدة الصبر، وعندما تزوّجا كان والدي ممثلاً مشهوراً، وفّرت له الهدوء التام في المنزل، وكانت مسؤولة عن ادّخار أمواله، ومسؤولة مسؤولية كاملة عن مذاكرتنا، وترتيب حياتنا ومستوانا الدراسي. وكانت تسافر معه دائماً في رحلاته للخارج لتصوير أعماله".
وتضيف بحزن: "في عام 2002 أصيبت أمي بجلطة في المخ أثّرت على حركتها، وحزن أبي كثيراً عليها؛ فهو يرى فيها الزوجة المخلصة التي كان يعتمد عليها في كلّ شأن، وتغيّرت حياتنا بالكامل، وظل أبي حزيناً عليها حتى رحل. وكان رحيله صدمة كبيرة لأمي، وكثيراً ما كانت تتخيل أنه مازال يعيش معنا، لدرجة أنها كانت تبكي عندما تتذكر أنه رحل، وفي بعض الأوقات عندما أتحدث معها بصوت عالٍ، تقول لي: خلّي بالك، بابا نايم. ورحلت أمي بعد سنوات من وفاة أبي".
إليكِ أيضاً بين السينما والمسرح: صنع فؤاد المهندس مدرسة كوميديا خاصة به

شخصية بابا عبده، هل تشبه شخصية بابا عبدالمنعم مدبولي؟
تقول: بابا عبده كان أباً حنوناً طيب القلب مثل أبي، ولكن شخصية بابا عبده كانت لا تحمّل أبناءها أيّة مسؤوليات؛ فنشأ الأبناء بشخصيات غير ناجحة لا تتحمل أيّة مسؤولية، ويعتمدون على بابا عبده بشكل كبير في حياتهم كما عودهم، أما أبي فقد علّمنا تحمُّل المسؤولية.
"كنت ضُرّة أمي!": أمل عبدالمنعم مدبولي عن علاقتها بوالدها
في حديثها عن العلاقة القوية التي جمعتها بوالدها، تقول أمل عبدالمنعم مدبولي: "كنتُ قريبة جداً من أبي وصديقة له، لدرجة أن أمي كانت تقول لي: أنت ضرتي، وتضحك؛ فقد كنت أرافقه في كلّ مكان، وأستطيع تهدئته عندما يكون عصبياً، وكان أحياناً يقول لي، إنه يرى فيّ ملامح من والدته".
وتتابع: "كان أبي حنوناً جداً، وكان أولادي حريصين أن يتناولوا الغداء مع جدو عبدالمنعم بعد عودتهم من المدرسة؛ لأني أقمت مع أبي في نفس العمارة في أول زواجي".
عبدالمنعم مدبولي وشادية: احترام متبادَل وكيمياء مسرحية
وعن اللقاء الأول بين والدها والفنانة شادية أثناء التحضير لمسرحية ريا وسكينة، تقول أمل: "كان أبي يعرف قيمة شادية جيداً، والتي كانت نجمة كبيرة في السينما في الوقت الذي كان يخطو فيه أول مشواره في السينما، وكان يقدّر أنها ستقف للمرة الأولى على المسرح، ولا تعرف ترتجل مثله؛ فأبي أسس فن الارتجال عندما أسس فرقة المدبوليزم".
وتضيف: "أتذكر أنه حكى لي أنه في بداية عرض المسرحية، لم يكن يرتجل أمام شادية حتى لا ترتبك على المسرح، ولكن بعد مرور مدة على العرض، بدأت شادية تتعلم من أبي فن الارتجال من خلال جلساته معها في الكواليس، وكان يعتز بالعمل معها كثيراً".
لماذا اعتذر عبدالمنعم مدبولي عن "مدرسة المشاغبين" بعد 3 سنوات من النجاح؟
كشفت أمل عبدالمنعم مدبولي عن سبب اعتذار والدها عن الاستمرار في أداء دَور الناظر بمسرحية "مدرسة المشاغبين" بعد أن قدّمه لمدة ثلاث سنوات؛ قائلة: "كان أبي يعترض على الارتجال الزائد عن الحدود، بجانب أنه كان يعترض على الأسلوب المهين الذي يتعامل به أبطال المسرحية مع الناظر والمدرسة خلال العرض، والإفيهات التي يستخدمونها. وكان دائماً يهدد بأنه سيترك المسرحية، وأعضاء فرقة الفنانين المتحدين يعتذرون له بأنه لن يحدث هذا الارتجال بهذه الطريقة مرة أخرى. ولكن للأسف لم يتوقفوا عن الارتجال بالطريقة التي اعترض عليها كثيراً؛ فاعتذر عن المسرحية".
رحل عبدالمنعم مدبولي بجسده، لكن بقي أثره نابضاً في ذاكرة الفن العربي وقلوب مَن عرفوه عن قرب، سواء كأب أو كمعلم أو كفنان لا يتكرر. ترك لأبنائه ميراثاً من القيم والحنان، وللجمهور إرثاً فنياً خالداً، جمع بين البساطة والعمق، والضحكة والدمعة. ومثلما أحب الناس (بابا عبده)، أحبّه أولاده وتعلّموا منه كيف يكون الإنسان عظيماً في فنه، نبيلاً في حياته، وأباً في كلّ مشهد.





