للجدة مكانة خاصة في كل بيت عربي لا يمكن الاستغناء عنها خصوصاً بعد قدوم المولود الجديد؛ حيث تتحول الجدة إلى مرشدة لابنتها أو زوجة ابنها، بشكل يجمع بين حنان الأمومة وخبرة السنين، تُقدم النصح والدعم بناءً على تجارب طويلة مرت بها وعايشتها أثناء تربية أطفالها وأحفادها الأوائل.
لكن مع التطور الطبي وظهور أبحاث ودراسات تُقدم توصيات علمية مختلفة تخص صحة المولود وكيفية متابعة نموه، بدأت تبرز أسئلة هامة مثل: كيف يمكن للجدة أن تساهم في دعم الأم والطفل، وفي الوقت نفسه ألا تتعارض خبرتها مع توجيهات الطب الحديث؟ وهل يجب على الآباء أن يقدسوا حكم وتوصيات الجدة التقليدية أم يرفضونها لصالح النصائح الطبية؟ وكيف يمكن تحقيق التوازن الذي يضمن سلامة المولود وراحة الأم؟
في هذا التقرير يوضح الدكتور أسامة محيي الدين أستاذ طب الأطفال العلاقة بين الجدة والمولود من منظور الخبرة التقليدية، ويربطها برأي الطب الحديث، ويتم ذلك من خلال سبع نقاط محورية.
أهمية دعم الأمومة بشكل جماعي:

الثقافة العربية تدعو لدعم الأسرة الممتدة، والجدة جزء لا يتجزأ من هذا الدعم، ومع التغيرات التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة، أصبح من الضروري مزج هذا الدعم مع المعرفة الطبية الحديثة، مما يحسن من جودة رعاية المولود والأم، ويخفف من الضغوط النفسية التي تواجهها الأم الجديدة.
مكانة الجدة ودورها في تربية المولود:

الجدة في الأسرة العربية رمز للحكمة والخبرة، وغالباً ما تكون أول من تفرح وتهتم بالمولود الجديد بعد الأم؛ حيث تحملت الجدة أعباء كبيرة منذ قديم الزمان، مساهمة في تربية الأبناء، ودائماً ما يكون لديها الكثير من القصص والتجارب التي تؤمن بفعاليتها في العناية بالأطفال حديثي الولادة.
أدوار كثيرة للجدة مع المولود:
مساندة الأم: تُقدم الدعم النفسي والجسدي، تشارك في الأعمال المنزلية، وتحفز الأم على الرضاعة والاهتمام بنفسها.
نقل الخبرة: تُعلم الأم طرقاً معينة في التدليك، غسل الطفل، اختيار الملابس، وتنظيم الرضاعة.
رعاية الطفل: في كثير من الأحيان تقوم الجدة بحضانة الطفل لفترات معينة، خصوصاً في حالة تواجد الأم في مرحلة التعافي.
تقديم النصائح والعادات: مثل استخدام الأعشاب، والحجامة، وتجنب بعض الأطعمة، التي اعتُبرت مفيدة بناءً على تجاربها.
خبرة السنين وأثرها في دعم الأمومة:

الجدة ليست فقط متعلقة بالطفل، لكنها سند عاطفي قوي للأم، وتتجلى خبرتها في عدة نقاط:
- قدرتها على تقديم النصائح بطريقة حانية.
- تفهمها لتقلبات الأم المزاجية في فترة النفاس.
- تقديمها للحكمة المرتبطة بالعادات الغذائية التي تدعم الرضاعة.
- توجيه الأم لكيفية التعامل مع الأزمات الأولية مثل المغص، البكاء المستمر، وحمى الأطفال.
- هذه الخبرة تُكسب الجدة مصداقية واعترافاً، تجعل الأم ترتاح لسماع كلامها، خاصة في الأيام الأولى التي تكون فيها الأم محتاجة إلى دعم نفسي وجسدي.
هل ترك المولود يبكي لمدة طويلة يكون مفيداً؟ تعرفي إلى الأسباب.
صدام بين الجدة والطب الحديث أحياناً
رغم أهمية خبرة الجدة، إلا أن بعض ممارساتها قد تتعارض مع توصيات الطب الحديث، ما يسبب قلقاً في الأسرة... أمثلة على ذلك:
- التطعيمات: بعض الجدات تخفن من تطعيم الطفل أو ترفضنه، معتقدات أنه قد يضر الطفل، بينما الطب الحديث يؤكد أهمية الالتزام بالجدول الزمني للتطعيمات.
- استخدام الأعشاب والعلاجات التقليدية: قد تقدم الجدة أعشاباً أو وصفات علاجية طبيعية قد لا تكون آمنة للمولود أو للأم في فترة الرضاعة.
- العادات الغذائية: مثل منع الأم من تناول بعض الأطعمة لأنها تسبب المغص للطفل، في حين ينصح الطب الحديث بتغذية متوازنة.
- طرق النظافة: كإحماء الطفل بشكل مفرط أو استخدام ملابس ثقيلة رغم دفء الجو، مما قد يؤدي إلى مشاكل جلدية أو حمى.
- التعامل مع بكاء الطفل: اعتماد الجدة على الطرق التقليدية مثل الهز المفرط أو الحجامة، في حين يوصي الطب بعدم استخدام مثل هذه الطرق إلا تحت إشراف طبي.
الطب الحديث ورؤية متوازنة لدور الجدة
الطب الحديث لا يرفض دور الجدة: لكنه يؤكد على أهمية اتباع الممارسات الآمنة والمثبتة علمياً، كما يشجع على الاستفادة من خبرة الجدة بشرط تعديل بعض العادات غير الصحية.
يثمن الطب الحديث الجدة: ويشجع دورها على أنها بمثابة دعم عاطفي ونفسي وجسدي بجانب الأم.
التوعية المستمرة: يُنصح بأن تكون هناك جلسات تثقيفية للأمهات والجدات حول الرضاعة، التطعيمات، النظافة، وتغذية الطفل.
الحد من بعض الممارسات التقليدية: مثل استخدام الأعشاب أو العلاجات غير المعتمدة، لتجنب أضرار قد تنجم عن ذلك.
تشجيع التواصل المفتوح: بين الأسرة والفريق الطبي، لتبادل المعلومات والتوصيات بشكل يحترم العادات مع مراعاة سلامة الطفل.
طرق لتعزيز علاقة إيجابية بين الجدة والطب الحديث
لكي تتحول خبرة الجدة إلى دعم فعال دون تعارض مع الطب الحديث، يمكن اتباع الآتي:
- فتح باب الحوار: تشجيع الجدات على حضور جلسات تعليمية مع الأمهات لفهم الممارسات الحديثة.
- الاحترام المتبادل: يجب احترام خبرة الجدة ومحاولة شرح العلم الحديث بطريقة بسيطة وودودة.
- تحديد أدوار واضحة: للجدة في دعم الأم، مع الحفاظ على احترام تعليمات الطبيب.
- تشجيع الدعم النفسي: لأن الجدة هي سند عاطفي مهم، يجب الاستفادة من وجودها لتخفيف التوتر والضغط على الأم.
- توعية الجدة بمخاطر بعض العادات: دون التشدد أو التقليل من شأنها، بهدف حماية الطفل والأم.