mena-gmtdmp

كيف تحققين التوازن بين التفوق الدراسي والصحة العاطفية لطفلك؟

صورة طفل يخاف من الفشل
كيف تحققين التوازن بين التفوق الدراسي والصحة العاطفية لطفلك؟

في الكثير من البيوت، يُنظر إلى التفوق الأكاديمي على أنه بوابة المستقبل المشرق، وطريق نحو الاستقرار المهني والنجاح الشخصي. ويعلّق الآباء آمالاً كبيرة على أبنائهم، طامحين لرؤيتهم يحققون أعلى الدرجات ويتبوأون أفضل المراتب. لكن، ومع تصاعد التركيز على الامتحانات والترتيب الأكاديمي والدرجات النهائية، بات الضغط المرتبط بهذه التوقعات يُشكّل عبئاً نفسياً متزايداً على كاهل الأطفال. وفي كثير من الأحيان، يمر هذا العبء من دون أن يُلاحظ، رغم أنه قد يترك أثراً عميقاً في الصحة النفسية والعاطفية للطلاب.
د. حنان محمود قنديل، أخصائية في قسم الطب النفسي بمستشفى ميدكير – الشارقة، تقترح على الأمهات كيفية تحقيق التوازن بين التفوق الدراسي والصحة العاطفية للطفل.

د. حنان محمود قنديل


صحيح أن النوايا غالباً ما تكون نابعة من حب الوالدين، ورغبتهما في تأمين مستقبل أفضل لأبنائهما، إلا أن الواقع يفرض علينا التوقف والتأمل: هل هذا السعي الدؤوب نحو التفوق الدراسي للطفل يتم على حساب رفاه الأطفال وسعادتهم؟ عبارات بدأت بها د. حنان كلامها، ثم تابعت: "إن أهمية تحقيق التوازن بين التحصيل العلمي وصحة الطفل النفسية لا تقل عن أهمية التعلّم ذاته. فالثقة بالنفس، والقدرة على التعبير عن المشاعر، والشعور بالأمان العاطفي، كلها مقوّمات لا غنى عنها لبناء شخصية متزنة قادرة على مواجهة تحديات الحياة، سواء داخل الصف الدراسي أو خارجه. من هنا، تبرز الحاجة إلى تبني نهج أكثر إنسانية في التعامل مع العملية التعليمية، نهج يُقدّر الإنجازات الأكاديمية، لكنه لا يغفل عن الحالة النفسية للطفل. فالتفوق الحقيقي لا يقاس فقط بالأرقام والدرجات، بل أيضاً بمدى شعور الطفل بالثقة، والسعادة، والدعم".
العصبية أثناء حل الواجبات
برأي د. حنان، أنه نادراً ما يظهر الضغط الأكاديمي على الأطفال بشكل مفاجئ، بل يتسلل بصمت عبر إشارات متكررة تبدو في ظاهرها عابرة: تذكيرات متواصلة بالمذاكرة، تعليقات عفوية على الأداء، مقارنات غير مباشرة مع زملائهم، أو حتى توقعات غير معلنة بأن يكونوا دائماً في المقدمة. تتابع قائلة: "يمتلك الأطفال حساسية فائقة لالتقاط هذه الرسائل، حتى وإن جاءت بنبرة محبة أو تحت غطاء "الحرص". ومع مرور الوقت، قد تبدأ المدرسة في أذهانهم بالتشكّل كمصدر للقلق بدلاً من الاكتشاف، ويغدو التعلّم تجربة ضاغطة تُقاس فيها قيمتهم الذاتية بمستوى إنجازهم الأكاديمي فقط. وفي ظل هذا التوتر المستمر، يتردد كثير من الأطفال في الحديث عن المدرسة، ليس لأنهم لا يملكون ما يقولونه، بل للخوف من خذلان توقعات من حولهم من البالغين. ويظهر هذا القلق غالباً في سلوكيات يومية بسيطة، لكنها دالة: كصعوبة النوم قبل الامتحانات، أو العصبية أثناء حل الواجبات، أو الانسحاب من الأحاديث العائلية، أو الخوف المبالغ فيه من الوقوع في الخطأ.

الآثار النفسية للضغط الأكاديمي على الطفل

الآثار النفسية للضغط الأكاديمي على الطفل


من أبرز الآثار النفسية التي يخلّفها الضغط الأكاديمي على الأطفال، تصاعد الخوف من الفشل:

  • ترسخ ارتباط القيمة الذاتية ارتباطاً مباشراً بالنتائج الدراسية في وعي الطفل، حيث تتحول كل درجة إلى مقياس شخصي للجدارة أو الإخفاق.
  • عدم اعتبار العلامة المنخفضة مجرد محطة في مسار التعلم، بل تصبح -في نظر الطفل- دليلاً على النقص، أو عيباً في القدرات.
  • قد يتجنب بعض الأطفال خوض التحديات الدراسية خشية الإخفاق، بينما يجد المتفوّقون أنفسهم أسرى لسقف التوقعات المرتفع.
  • شعور الأطفال بالقلق من التقصير، ويشعرون بضرورة إثبات تميّزهم باستمرار، ولو على حساب راحتهم النفسية.
  • تآكل الإحساس بالثقة بالنفس عند الطفل، حيث يحلّ محلّ الحماسة فضول خافت، ويغدو التعلّم عبئاً بدلاً من كونه تجربة ممتعة؛ تُغني عقل الطفل وتُنمّي شخصيته.

إن السعي نحو التميّز بحد ذاته، برأي د. حنان، لا يُعدّ سلوكاً سلبياً، بل هو مؤشر صحي يعكس الانضباط والطموح والقدرة على التركيز وتحمل المسؤولية. بل إن الشعور بقدر من القلق قبل اختبار مهم يُعتبر أمراً طبيعياً، وقد يكون دافعاً لتحفيز الأداء وتعزيز الانتباه. تعلّق قائلة: "غير أن الفارق الجوهري يكمن في مصدر هذا القلق. فعندما ينبع من حب التعلم والرغبة في التقدّم، يكون صحياً ومفيداً. أما حين يتحوّل إلى قلق دائم؛ تُغذّيه الخشية من التقييم أو الخوف من خذلان الآخرين، فإنه يُفقد التعلّم معناه، ويحوّل الضغط الدراسي من حافز للنمو إلى حاجز يعيقه".
ماذا يحدث عندما تضغطين على طفلك ليتفوق في كل مرة؟

ما دور توقعات الأبوين في زرع الخوف من الفشل؟

عند هذه النقطة، يبدأ التوتر بإضعاف التركيز، ويقمع الإبداع، ويُجرّد المدرسة من دورها كمكان للاكتشاف والتطور، لتصبح مصدر ضغط نفسي يُثقل كاهل الطفل عاطفياً وسلوكياً، حيث تلعب توقعات الوالدين، سواء المعلنة أو غير المعلنة، دوراً بالغ الأثر في كيفية استجابة الأطفال للضغط الأكاديمي، ما يؤدي إلى المؤثرات الآتية:

  • يلتقط الطفل نبرة الصوت، وتعبيرات الوجه، وردود الفعل بأدق تفاصيلها، حتى في غياب التوجيهات المباشرة، ويكوّن منها تصوراً داخلياً لما يُنتظر منه.
  • شعور الطفل بأن محبة والديه أو رضاهما مشروط بالإنجاز، حيث لا مكان للتوقعات الواقعية والداعمة التي كانت تعزز الثقة وتحفز الطفل على الاجتهاد، وتصبح التوقعات الصارمة أو المشروطة هي الموجودة، وقد تترك أثراً عكسياً لدى الطفل.
  • خشية الطفل من أن يُخيّب آمال من يحب، فيبدأ غالباً بإخفاء مشاعره، ويمتنع عن الإفصاح عن معاناته، ويضع على نفسه ضغوطاً تفوق قدرته.
  • يصبح من الصعب على الطفل أن يعبّر عن قلقه أو يطلب الدعم، خشية أن يُساء فهمه على أنه غير مجتهد، أو لا يبذل جهداً كافياً.


نصائح لتقليل توتر طفلك مع العودة للمدرسة وتعزيز تفوقه

كيف يخفف الوالدان هذا العبء عن الطفل؟

كيف يخفف الوالدان هذا العبء عن الطفل؟


يمكن للوالدين أن يلعبا دوراً محورياً في تخفيف العبء العاطفي المرتبط بالدراسة، عبر ما يلي:

  • إعادة تنمية مهارات التركيز عند الطفل من النتائج إلى الجهد المبذول، ومن الكمال إلى التعلّم المستمر. فعندما ينشأ الطفل على قناعة بأن قيمته لا تُقاس بدرجة مثالية، بل بقدرته على المثابرة والتطور؛ يصبح أكثر انفتاحاً على التجربة، وأقل خوفاً من الخطأ.
  • إجراء الحوارات التي تدور حول ما تعلّمه الطفل، بدلاً من الاقتصار على درجات الامتحان، فهي تُسهم في بناء قدرته على التحمّل، وتغرس فيه "عقلية النمو" التي ترى في الخطأ فرصة للتعلّم، لا دليلاً على الفشل.
  • احتضان مشاعر الطفل، خاصة في لحظات القلق أو الإحباط، يُعدّ جزءاً لا يتجزأ من الدعم العاطفي الذي يحتاجه. فالتواصل المنفتح، الخالي من الأحكام، يزوّده بالأدوات النفسية التي تمكّنه من مواجهة التوتر بثقة، وطلب المساندة عند الحاجة من دون خجل أو تردد.
  • تقديم قدوة متزنة وواقعية في النظرة إلى النجاح والإخفاق من أكثر الأساليب التربوية تأثيراً. فعندما يتحدث البالغون بصراحة وصدق عن التحديات التي واجهوها في مسيرتهم، أو عن المرات التي تعثروا فيها ولم يحققوا ما أرادوا؛ يدرك الطفل أن الفشل ليس نهاية الطريق، بل محطة طبيعية على طريق النمو.
  • انتهاج الصراحة التي تزيل من نفوس الأطفال الخوف المبالغ فيه من الإخفاق، وتمنحهم نموذجاً صحياً في التعامل مع التحديات. وبدلاً من التوتر أو جلد الذات، يتعلّمون استقبال العقبات بروح من الاتزان، والتقدّم بثقة نحو تجاوزها.
  • الحفاظ على التوازن في نمط الحياة اليومي يُعد عنصراً أساسياً في دعم الصحة العاطفية للأطفال. فإلى جانب الدراسة، يحتاج الأطفال إلى وقت للراحة، واللعب، والإبداع، والتواصل الاجتماعي. حيث تُسهم الأنشطة خارج الصف الدراسي في اكتشاف مواهبهم، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، ومنحهم مساحات للفرح. سواء من خلال الرياضة، أو الفنون، أو الموسيقى، أو حتى اللعب الحرّ، تُساعد هذه التجارب في بناء شخصية متكاملة، وتُرسّخ لدى الطفل شعوراً بذاته يتجاوز حدود التفوق الأكاديمي.
  • يمكن للمدارس أن تلعب دوراً محورياً في تعزيز هذا التوازن؛ من خلال توفير بيئة تعليمية تُعلي من شأن الفضول، وتشجّع على طرح الأسئلة، وتُعامل الخطأ كجزء طبيعي من عملية التعلّم، لا كمدعاة للعقاب.

كيف يصبح الأطفال بعد ذلك؟

عندما يشعر الأطفال بالأمان للتعبير عن حيرتهم واستكشاف الأفكار من دون خشية من التقييم أو الرفض، تتحوّل الفصول الدراسية إلى مساحات صحية تُنمّي الفكر وتحتضن المشاعر، كما أن المعلمين الذين يمتلكون حساسية عاطفية تجاه التغيرات السلوكية لطلابهم، يكونون أكثر قدرة على رصد مؤشرات التوتر في وقت مبكر، مما يتيح فرصاً للتعاون مع الأسر وتقديم الدعم النفسي للطفل والإرشاد التربوي المناسب في الوقت المناسب.
في نهاية المطاف، يزدهر الأطفال حين يشعرون بأنهم محبوبون ومقدَّرون لما هم عليه، لا لما يحققونه فقط. فعندما يقترن التفوق الأكاديمي بشعور صحي بالرفاه النفسي، يصبح لهذا النجاح معنى أعمق وأثر أكثر استدامة.
ويكمن جوهر التوازن في أن يبقى التعلّم تجربة محفّزة ومُلهمة، لا مصدر قلق أو ضغط. وأن يُقاس التميّز، لا من خلال الكمال أو النتائج وحدها، بل بالإصرار، والفضول، والنمو الداخلي الذي يصنع فارقاً حقيقياً في حياة الطفل.
إن مستقبلاً يُمكن فيه للأطفال أن يسعوا نحو التميّز من دون خوف؛ هو أمر ممكن، ويتحقق ذلك عندما تختار الأسر والمدارس الفَهم بدلاً من الضغط، والتوازن بدلاً من التشدّد، والتعاطف بدلاً من التنافس.
في مثل هذا المناخ، لا يحقق الأطفال النجاح الأكاديمي فحسب، بل ينمون أيضاً ليصبحوا أفراداً أقوياء عاطفياً، واثقين بأنفسهم، ومؤهلين لمواجهة تحديات الحياة بثبات ومرونة.
* ملاحظة من «سيدتي»: قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.