لطالما كانت أوشحةُ الحريرِ رمزاً للفخامةِ والأناقة، فهي إكسسوارٌ جذَّابٌ، وفي الوقتِ نفسه شاهدٌ على التاريخ، وقطعةٌ أنيقةٌ عابرةٌ للزمانِ والمكان. انضمِّي إلينا، لنكشفَ لكِ قِصَّةَ وشاحِ الحرير، إذ إن عالمَ الموضةِ اليوم، يتنفَّسُ هذه الأوشحة، وتحضرُ في كلِّ مكانٍ سواء على منصَّاتِ عروضِ الأزياء، أو ملفوفةٍ حول الأعناق، أو مربوطةٍ بالحقائب، وتُجسِّد الأناقةَ العمليَّة، فهذا الإكسسوارُ البسيط، يحملُ تاريخاً عريقاً، يمتدُّ لآلافِ السنين عبر الثقافات، فقد تطوَّرت الأوشحةُ بطرقٍ آسرةٍ من الحضاراتِ القديمةِ إلى إطلالاتِ الشارعِ الحديثة.
البداية

يعودُ تاريخُ الحريرِ إلى أكثر من 5000 عامٍ في الصين حيث اكتشفته الإمبراطورة ليزو Leizu صدفةً عندما سقطت شرنقةٌ في كوبِ الشاي الخاصِّ بها! وسرعان ما أصبح الحريرُ نسيجاً ثميناً للغاية نظراً لنعومته، ولمعانه، ومتانته. وقد حرص الصينيون على كتمانِ أسرارِ إنتاجِ الحرير، واحتكره الملوك والأثرياءُ طوالَ قرونٍ، لكنْ ومع ازديادِ شعبيَّته، نُسِجَت تصاميمُ معقَّدةٌ من الحرير، وخاماتٌ متفاوتةٌ بطبعاتٍ غنيَّةٍ، ما مهَّدَ الطريقَ أمام طرحِ إكسسواراتٍ منفَّذةٍ من الحريرِ الخام. وعندما ظهرَ طريقُ الحرير عامَ 130 قبل الميلاد، كانت تجارته تتمُّ عبر القارات، لتصلَ إلى أوروبا والشرقِ الأوسط حيث ازدادت شهرته. وفي أوروبا تحديداً، خلال العصورِ الوسطى، استُخدِمَت الأوشحةُ الحريريَّةُ لأغراضِ الزينة، وتغطيةِ الشعر.






Noble Signature
شهدَ عصرُ النهضةِ ازدهاراً في صيحاتِ الموضة، وأصبحت الأوشحةُ الحريريَّةُ إكسسواراتٍ شائعةً، ففي القرنِ الـ 16، بدأت أوشحةُ الحريرِ بالظهورِ بين الطبقةِ الأرستقراطيَّةِ للدلالةِ على المكانةِ الاجتماعيَّة، وقد تبنَّى النبلاءُ الفرنسيون أوشحةَ الحرير، ما أدَّى إلى تطويرِ أنماطٍ، وتصاميمَ متنوِّعةٍ، عكست اتِّجاهاتِ الموضةِ في ذلك الوقت. وفي العصورِ الوسطى، انتشرت الأوشحةُ بوصفها إكسسواراتٍ عمليَّةً للدفء والاحتشام، وكان الفرسانُ يضعون أربطةَ العنقِ تحت الدروع، لتظهرَ في فرنسا بحلولِ القرنِ الـ 17 ربطةُ العنقِ التي تُشبه الوشاح. وفي القرنين الـ 18 والـ 19، أصبحت الأوشحةُ متاحةً لعامةِ الناسِ في أوروبا وفي أواخرِ الثلاثينيَّات، أطلقت دارُ هيرميس أوَّلَ وشاحٍ حريري لها، وتحديداً في عامِ 1937 معززةً مكانتها بوصفها داراً للتصاميمِ الفاخرةِ الكلاسيكيَّة.
يمكنطك أيضًا الاطلاع على أسبوع الموضة في الرياض يربط بين الأصالة السعودية وروحِ الابتكارِ العالمي






Visionary Artists

الأوشحةُ الحريريَّة، هي قماشٌ ينسابُ على الكتفَين، وقصائدُ بصريَّةٌ أيضاً، تنبضُ بالألوانِ والخيال، ولطالما حملت توقيعَ فنَّانين، جعلوا من الحريرِ مسرحاً للفنِّ، ولغةً للأناقة. من باريس إلى فلورنسا، صاغَ هؤلاء المبدعون لوحاتٍ صغيرةً، تُرتَدى، وتختصرُ في ثناياها تاريخاً، وثقافةً، ورؤيةً جماليَّةً خالدةً.
Parisian Chic

في دارِ Hermès، يسطعُ اسمُ Hugo Grygkar الفنَّانُ الذي حوَّلَ الحريرَ إلى لوحةٍ لا تُنسى. هو وُلِدَ في ألمانيا عامَ 1907، وانتقلَ إلى فرنسا حيث أصبح المصمِّمَ الأوَّلَ للدار، وبالتعاونِ مع روبير دوماس Robert Dumas، ابتكرَ أوَّلَ وشاحٍ حريري لها بعنوان Jeu des Omnibus et Dames Blanches في 1937.
واستمدَّ Grygkar إلهامَه من مقتنياتِ Émile-Maurice Hermès، وجاءت أعماله مملوءةً بالتفاصيلِ، والروحِ المرحةِ كما في Lettre de Napoléon à Murat (1947). وبعده، أضاف فلاديمير ريبالتشينكو Vladimir Rybaltchenko لمساتٍ ذهبيةً في Les Cavaliers d’Or (1975)، قبل أن يطلَّ ابنه ديميتري Dimitri بوشاح Noël Au 24 Faubourg attention aux parentheses 2004 حيث تجلَّت روحُ الدارِ في كرةٍ ثلجيَّةٍ ساحرةٍ.
وبعيداً عن هيرميس Hermès، قدَّم بيار كاردان Pierre Cardin أوشحةً، تعكسُ جرأته المستقبليَّة، وأناقةَ الـ Space Age، لتكونَ رفيقةَ حقبةٍ زاخرةٍ بالتجديد. أمَّا تيد لابيدوس Ted Lapidus فرسمَ بخطوطه الهندسيَّةِ الجريئةِ روحَ الستينيَّاتِ والسبعينيَّاتِ حيث ارتدت تصاميمَه أيقوناتٌ منهن بريجيت باردو Brigitte Bardot، وآلان ديلون Alain Delon، لتصبحَ أوشحته مرآةً لزمنِ الأناقةِ الحرَّة.




Italian Skills

من ضفافِ إيطاليا، خرجت أوشحةُ غوتشي Gucci لتروي قصصاً من الفنِّ والخيال، إذ أبدعَ فيتوريو آكورنيرو دي تيستا Vittorio Accornero de Testa في تصميمِ الوشاحِ الأيقوني Flora عامَ 1966، ليكون هديةً لأميرة موناكو غريس كيلي Grace Kelly، مستلهماً لوحاته من جمالِ عصرِ النهضة، ولوحاتِ Botticelli. وما زالت غوتشي Gucci حتى اليوم تعيدُ صياغةَ الحريرِ عبر تعاوناتٍ مع فنَّانين معاصرين ضمن مشروعِ The Art of Silk 90x90.
ولدى سالفاتوري فيراغامو Salvatore Ferragamo، حملت فولفيا فيراغامو Fulvia Ferragamo الشعلة، لتُدخِلَ الدارَ عالمَ الأوشحةِ في السبعينيَّات. كانت تتعاملُ مع الحريرِ كما يتعاملُ الموسيقي مع النوتات: تبدأ بفكرةٍ، وتنسجُ حولها عوالمَ من الزهورِ، والحيواناتِ، والرحلاتِ الخياليَّة. وبين الأدغالِ والفهود، وبين أعماقِ البحار، وحدائقِ الزهور، وُلِدَت أوشحةُ فيراغاموFerragamo كرحلاتٍ حالمةٍ مطبوعةٍ على الحرير.
أمَّا دارُ بوتشي Pucci، فقد وُلِدَ وشاحها الأوَّلُ من قلبِ الذكريات حيث رسمَ إيميليو بوتشي Emilio Pucci خريطةً يدويَّةً لجزيرةِ كابري Capri، جزيرته المفضَّلة، وعرضها بوصفها عملاً فنياً، ومن هذه الخريطة، بدأت رحلةُ Pucci مع الحريرِ بألوانه الصاخبةِ، وخطوطه المبهجة، ليصبحَ كلُّ وشاحٍ لوحةً حيَّةً، تحملُ طابعاً فريداً، لا يشبه سواه.
ما رأيك بالاطلاع على صيحة الكولور بلوكينغ: تنسيقات لونية جريئة من أبرز الماركات العالمية



Timeless Moments

في القرنِ العشرين، غدت أوشحةُ الحريرِ علامةً فارقةً في عالمِ الموضة، وقد روَّجت لها شخصيَّاتٌ بارزةٌ مثل جابرييل شانيل Gabrielle Chanel، وأودري هيبورن Audrey Hepburn، إذ استخدمتا أوشحةَ الحريرِ بطرقٍ مختلفةٍ. واشتُهِرَت شانيل بارتداءِ وشاحها الحريري بوصفه عصابةَ رأسٍ، بينما كانت هيبورن تلفُّه حول عنقها. كذلك اعتمدت عليه كاترين دونوف Catherine Deneuve، وبريجيت باردو Brigitte Bardot، وغيرهما في فترةِ الخمسينيَّاتِ والستينيَّات. لقد تعدَّت الأوشحةُ الحريريَّةُ مجرَّد كونها قطعةَ قماشٍ، وباتت متنفَّساً لترجمةِ الأحاسيسِ بأسلوبٍ فنِّي، وأخذ المصمِّمون يبتكرون مطبوعاتٍ، وتصاميمَ فريدةً، ليتحوَّلَ الوشاحُ الحريري من إكسسوارٍ عملي إلى تحفةٍ فنيَّةٍ. وابتكرت دورُ أزياءٍ مثل هيرميس Hermes، وفالنتينو Valentino أوشحةً حريريَّةً فاخرةً، أصبحت مطلوبةً بشدَّةٍ، وقابلةً للتفنُّنِ مهما كانت طبيعةُ الزي من ربطاتِ العنقِ إلى إكسسواراتِ الشعر، وحتى إنها تُنسَّق بوصفها أحزمةً أنيقةً. واليوم، أصبحت أوشحةُ الحريرِ قطعةً أساسيَّةً في خزانةِ ملابسنا نظراً لقدرتها على الارتقاءِ بأي إطلالةٍ، وإضفاءِ لمسةٍ من الرقي مهما كان الزي متواضعاً.
ما رأيك بالاطلاع على 9 قطع خريفية متوفرة في خزانتك ستغنيك عن شراء ملابس جديدة








In Style

دورُ أزياءٍ كثيرةٌ، وجدت في تصميمِ الوشاحِ جزءاً من هويَّتها، وإكسسواراً، يُسوِّق لاسمها، ويُروِّج لجودةِ تصاميمها، ويحفظُ مكانتها في عالمِ الموضة، ولعلَّ أبرزها:
هيرميس Hermès

هناك مقولةٌ شائعةٌ مفادها بأنه في كلِّ 20 ثانيةً، يشتري شخصٌ ما في مكانٍ ما من العالم وشاحاً من هيرميس Hermès. وسواء كان هذا صحيحاً، أم لا، تحظى أوشحةُ «كاريه» Carré مربَّعةُ الشكل، أو ما يُعرَفُ بالفولار بمكانةٍ مرموقةٍ ومطلوبةٍ، بل إنها أصبحت مطلوبةً من جامعي التحف. وحتى اليوم، أصدرت دارُ هيرميس أكثر من 2000 تصميمٍ للأوشحة، وقد تعاونت مع أكثر من 150 فناناً من جميع أنحاءِ العالمِ لإضفاءِ الحيويَّةِ عليها.


غوتشي Gucci

تشتهرُ الدارُ بطبعاتها الجريئةِ مثل طبعةِ فلورا المميَّزة، وتعكسُ أوشحةُ غوتشي الحريريَّةُ هويَّةَ العلامة، فهي غنيَّةٌ بنقوشِ الأزهارِ الكلاسيكيَّة، والزخارفِ الحيوانيَّة، والطبعاتِ المستوحاةِ من شعارِ الدار. كلُّ قطعةٍ منها، تُجسِّد سحرَ وتراثَ إيطاليا العريق. ومن أكثر المصمِّمين السابقين للدارِ الذين أدركوا أهميَّةَ الوشاح، نذكرُ أليساندرو ميشيل Alessandro Michele الذي ركَّز من خلال أوشحةِ غوتشي على تقنيَّةِ سردها البصري حيث مزجَ بين فنِّ عصرِ النهضة، وثقافةِ البوب، واللمسةِ البوهيميَّة.


فيراغامو Ferragamo
غالباً ما يُربَطُ اسم فيراغامو Ferragamo بالأحذية، لكنْ أوشحته تُعدُّ كنزاً في عالمِ الحرفيَّةِ الإيطاليَّةِ المرتبطةِ بالرفاهيَّة. تشتهرُ أوشحةُ فيراغامو برسوماتها الزهريَّة، ومشاهدها المستوحاةِ من الطبيعة، وطبعاتها الأرشيفيَّة، وهي تجمعُ بين الرقي والتقنيَّةِ الاستثنائيَّة. ويُصنَعُ كلُّ وشاحٍ من فيراغامو بمنطقةِ كومو في إيطاليا التي تشتهرُ بإنتاجِ الحرير.
بربري Burberry
تنتقي بربري Burberry بعنايةٍ فائقةٍ الحريرَ لإنتاجِ أوشحةٍ خفيفةِ الوزن ومتينةٍ، وتُفضِّل العلامةُ التجاريَّةُ الحريرَ الذي يكون سطحه أملسَ، ولمعانه متوهجاً، ما يضمنُ أناقةً ونعومةً مرنةً حول الرقبة، أو الكتفين. وغالباً ما تزدانُ أوشحةُ بربري الحريريَّةُ بالمربَّعاتِ الشهيرة، ما يضفي لمسةً كلاسيكيَّةً مميَّزةً على هذه الإكسسوارات، كما تُقدِّم الدارُ أوشحةً حريريَّةً، تشملُ نقوشَ الأزهار، والطبعاتِ المجرَّدة.
لويس فويتون Louis Vuitton

تُصنَعُ أوشحةُ لويس فويتون Louis Vuitton من حريرٍ عالي الجودة، يتَّسمُ بنعومةِ ملمسه، ومتانته، وجاذبيَّته، ما يضمنُ الراحةَ والأناقة، إضافةً إلى مقاومةِ عواملِ الطبيعة، وقابليَّةِ التكيُّفِ مع كافة التنسيقات. وتزدانُ أوشحةُ الدارِ الحريريَّةُ بالزخارفِ المرتبطةِ بتاريخها، بما في ذلك شعارُ لويس فويتون، والزهورُ ذات البتلاتِ الأربع، والنجوم، مع دمجِ عناصرَ عصريَّةٍ، لتواكبَ صيحاتِ الموضة. لقد صُمِّمت هذه القطع، لتكون متعدِّدةَ الاستخدامات، وقابلةً للارتداءِ بطرقٍ متنوِّعةٍ، تعكسُ شخصيَّةَ وأسلوبَ كلِّ فردٍ.
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط











