الخوف الاجتماعي: يصيب بعض أشكاله النساء ضعف الرجال

  يعتبر الرهاب أو الخوف المرضي )الفوبيا( إحدى الحالات العصابية التي يصنّفها الأطباء ضمن لائحة الأمراض المرتبطة بالقلق والوساوس، ويعرف بأنه خوف شديد ودائم من موقف أو مكان أو من شيء معيّن، لا يمثّل غالباًَ مصدر خطر أو يستدعي أيّة درجة من الخوف، كما لا يستند إلى أساس واقعي.

وتشير دراسة صادرة حديثاً عن المعهد الوطني للصحة العقلية في الولايات المتحدة الأميركية إلى أن أنواعاً خاصّة من "الفوبيا" كفوبيا الطيران أو فوبيا الأماكن المرتفعة أو فوبيا الماء تصيب الإناث ضعف الذكور، وعادة ما تظهر خلال فترة الطفولة والمراهقة وتستمر بعد ذلك في المراحل المتقدّمة من العمر. "سيدتي" تطلع من الاستشاري في الأمراض العصبية والنفسية الدكتور شريف الأسلمي عن أهم صور الخوف المرضي ومسبّباته وأفضل الطرق العلاجية المتاحة.

 

الخوف شعور غريزي ينتج عن مواجهة مواقف معيّنة كاقتراب خطر يعتقد المريض أنه قد يهدّده أو يهدد أشخاصاً مقرّبين منه، تتبعه بعض السلوكيات الحتمية كالهرب للحفاظ على الحياة أو الدفاع عن النفس أو الإصابة بحالة انفعالية كالبكاء أو الذعر أو الاضطراب النفسي الناتج عن وجود مؤثر يستدعي تلك الاستجابة.  

وإذ يمكن اعتبار الخوف شعوراً منطقياً من مصدر خطر حقيقي، يختلف الرهاب أو الخوف المرضي عنه لناحية شعور المصاب به من جرّاء مؤثّر أو موقف لا يستدعيه، بشكل متكرّر وحاد لدرجة مرضية، علماً أنه يدرك في غالبية الحالات أن خوفه مبالغ فيه!  

 


ويمثّل حوالي 20% من مجموع مرضى الحالات العصابية، وتزداد نسبة حدوثه بين الأطفال والمراهقين، ويعتبر أكثر شيوعاً بين الإناث، ويحمل صوراً عدّة، أبرزها:

  • رهاب الأماكن المفتوحة Agoraphobia: يتمثّل في إصابة المريض بحالة من الذعر والهلع الحاد أثناء تواجده فى بعض الأماكن العامّة كالأسواق أو الساحات. وتبيّن دراسة صادرة عن "المعهد الوطني للصحة العقلية" في الولايات المتحدة الأميركية إصابة نحو 3.2 مليون أميركي بفوبيا الأماكن المفتوحة بين البالغين ممّن تتراوح أعمارهم ما بين 18 و54 عاماً. وتسجّل بعض الحالات الإصابة بالرهاب من مغادرة المنزل أو السفر أو استخدام المواصلات العامة بدون صحبة الآخرين، ويعزى السبب المسؤول عن هذا النوع من الرهاب إلى خوف المصاب به من التواجد بمفرده وسط الناس وليس خوفاً من الناس بذاتهم.

  • الخوف الاجتماعي Social phobia: يعدّ من بين أكثر أنواع الفوبيا شيوعاً وانتشاراً. ويقوم المصاب، في هذه الحالة، بتجنّب المواقف التي تتطلّب الاختلاط بالناس والتعامل معهم كتجنّب الحديث أمام مجموعة من الأشخاص الجدد أثناء تواجده معهم. ويعزو علماء النفس هذه الحالة إلى اعتقاد المريض بأنهم سيلاحظون توتّره وارتباكه وقد يسخرون منه، ما يشعره بالضيق والقلق فيفضّل الانسحاب خصوصاً مع علمه أن خوفه غير مبرّر ومبالغ فيه. وتفيد إحصائية صادرة عن المعهد الوطني للصحة العقلية  في الولايات المتحدة أن معدّل الإصابة بالرهاب الاجتماعي متساوٍ بين الإناث والذكور، علماً أن العامل الوراثي يلعب دوراً في هذا المجال. ويؤكّد الباحثون أنه غالباً ما يصاحب الرهاب الاجتماعي اضطرابات القلق الأخرى أو الاكتئاب.

  • أشكال أخرى من الخوف المرضي، تشمل: رهاب الحيوانات Zoophobia ورهاب الأماكن المغلقة Claustrophobia ورهاب الأماكن المرتفعة Acrophobia ورهاب الماء Aquaphobia ورهاب الظلام Nyctophobia، بالإضافة إلى الخوف المرضي من النار والرعد والدم والحشرات وركوب الطائرات والأدوات الحادّة...             

ويترتّب على بعض حالات الرهاب إعاقة الفرد عن القيام بمهامه وأنشطته اليومية بطريقة طبيعية وسليمة، إذ يضطرّ في بعض الأحيان إلى البقاء حبيس المنزل، فضلاً عن وقوعه تحت تأثير المهدّئات للحد من شعور القلق وظهور أعراض مضطربة في سلوكه (زيادة الشعور بضعف الثقة بالنفس والانطوائية...).



أمّا الأعراض الجسمانية التي   تصيب مرضى الرهاب، فأبرزها: برودة الأطراف والتعرّق والإجهاد وسرعة في خفقان القلب واضطراب الكلام والإغماء. وقد يبلغ الأمر في بعض الحالات الإحساس بدنو الموت!

 

نظريات حول أسباب الرهاب

ويعتقد الأطباء أن الرهاب ما هو إلا سلوك مكتسب أو ما يعرف بـ "الخوف الشرطي" وفقاً لاقتران المؤثر بتجربة قاسية تعرّض لها المريض من قبل وسبّبت له حالة من الفزع والذعر. ورغم نسيان التجربة ذاتها، إلا أن مشاعر الخوف تبقى مرتبطة بوجود المؤثر، وتشتدّ في كلّ مرة مع تكرار المؤثر أي أن الرهاب ينشأ نتيجة تجربة صادمة أو خبرة مخيفة غالباً ما تعرّض لها المريض خلال مراحل الطفولة تسبّبت في شعوره حينها بالخوف الشديد.

ويحذّر علماء النفس، في هذا الإطار، من بعض العوامل التى تلجأ إليها الأمهات وتسبّب إثارة الخوف في نفوس الأطفال، أبرزها:

1-    الحكايات المخيفة التي يقصّها الوالدان على الصغار بهدف إبعادهم عن شيء معيّن أو عقابهم.

2-    التربية الخاطئة المتمثّلة في العنف الزائد وإرهاب الأطفال، خصوصاً في ظلّ الظروف الأسرية المشحونة بالمشاجرات.

3-    المبالغة في تحذير الأطفال من الاقتراب من أشياء أو أشخاص، انطلاقاً من القلق المفرط عليهم أو الحماية الزائدة لهم.

4-    إصابة الكبار بالخوف المرضي وانتقاله إلى الأطفال المخالطين لهم.

ويجدر التمييز ما بين الرهاب كمرض وبين الرهاب كعارض هام مصاحب لبعض الأمراض النفسية الأخرى (القلق النفسي والوساوس القهرية والاكتئاب).

 


 

أنواع العلاج  

• العلاج النفسي: يشمل التحليل النفسي الكامل لمسبّبات الخوف، مع توضيح الرؤية للمريض وتقديم الشرح المبسّط له في ما يخصّ حالته، إلى جانب تعزيز ثقته بنفسه والنواحي الإيجابية بشخصيته، مع ترغيبه في العلاج.

 

• العلاج السلوكي: يرتكز على علاج المؤثرات التي تصيب المريض بالذعر، ومساعدته بإقرانها بأمور سارّة أو تشجيعية بدلاً من ذكريات مؤلمة ومناقشته بإيجابية لمنع استثارة خوفه. وقد تستخدم بعض العقاقير المهدّئة لتقليل التوتر أثناء العلاج.

• العلاج الجماعي: يشمل جلسات تهدف إلى تشجيع المريض على الاختلاط مع الآخرين ومناقشة مخاوفه معهم.