عين على الشاشة الرمضانية: الدراما الخليجية تتمسك برسالتها والدراما العربية تخلع برقع حيائها

14 صور

في الوقت الذي مازالت الدراما الخليجية متمسكة فيه برسالتها الفنية النبيلة الحريصة على عدم خدش الحياء بفكرة خارجة أو فكرة دخيلة غير منطقية بالنص، وتحترم التابوهات الحمراء خوفاً على تأثر الأجيال الصاعدة بها، فلا نذكر مسلسلاً خليجياً صوّر بطلاته يرقصن ويسكرن في الديسكوهات،أو يؤدين مشاهد غرامية على السرير، أو ينظرن بشهوة للرجال حتى أزواجهنّ، أو يقدمن على ارتكاب الخيانة الزوجية.
بينما تجرأت الدراما على اختراق الخطوط الحمراء بهدف إثارة فضول المشاهد العربي وجذبه ولو بوسائل رخيصة مدمرة بحجة أن ظروف الحروب والمنطقة قد دمرت الأخلاق والتابوهات قبل أن تدمر الأوطان والبلاد، وبالطبع هذا غير صحيح، ووجود بعض التجاوزات الإخلاقية حالات إستثنائية لا تعمم.

بحثت في الأعمال الخليجية المعروضة من أول يوم رمضان لغاية يوم الـ 21 منه، علني أرصد مشهداً غير لائق أو نصاً رديئاً بمضمونه بدءاً من "أمنا رويحة الجنة" و"لو إني أعرف خاتمتي" و"دبي لندن دبي" و"قابل للكسر" و"النور" و"حال مناير" و"ذاكرة من ورق" الذي يصور في برلين. وقد تحدث فيه تجاوزات الطلاب والطالبات لبعدهم عن رقابة الأهل والمجتمع العربي المحافظ ولكنه خلا من أي تجاوز في مشهد أو معنى، لالتزام أبطاله بمعايير المسموح وغير المسموح أخلاقياً ومثلها الأعمال الخليجية الأخرى حتى الكوميدية منها مثل: "سيلفي" و"منا وفينا".

هذه نماذج إيجابية للدراما الخليجية التي لم تتنازل عن رسالتها مقابل تحقيق نسبة مشاهدة آنية وهمية لدى من يبحث عن الأعمال الهابطة والرديئة في شهر رمضان الفضيل ، والذي من المفترض فيه أن يغضّ المشاهد بصره عن كل ما يخدش حرمة صيامه وعباداته كمشاهد الغرام والسكر والبلطجة التي امتلأت بكثرة هذا العام في مسلسلات مصرية وسورية بالجملة.

"صرخة روح" أسوأ مسلسل سوري في رمضان 2015 وسقط فيه النجوم الكبار في فخ الإبتذال
حقق الموسم الثالث من "صرخة روح" رقماً قياسياً بين المسلسلات الرديئة بتلقيه أكبر كمّ من التعليقات السلبية الناقدة له بقسوة في مواقع التواصل الإجتماعي وليس من النقاد والصحفيين فقط، بل واتهم بالإساءة للمجتمع السوري وتصويره على أن عدداً كبيراً من الأزواج يخونون زوجاتهم أو العكس صحيح، ويا ليت الخيانة كانت تتم بالإيحاء لكن صنّاعه مصرون على الواقعية البصرية، وإظهاره صوتاً وصورة في سرير الخائن أو الخائنة، وهذا العمل أسقط أقنعة نجوم كبار سقطوا في فخ الإبتذال فيه لثلاثة مواسم كاملة. ومن بين هذه الأعمال التي خدشت حياء المشاهدين:

"بانتظار الياسمين" يخترق المحرم بمشهد: إن أردت الإعتداء على أم أخطف أبنتها
في الحلقة الـ 21 من المسلسل السوري "بانتظار الياسمين" للمخرج السوري سمير حسين والكاتب أسامة كوكش وعدد من نخبة نجوم سوريا من بينهم: سلاف فواخرجي وصباح الجزائري وأيمن رضا وشكران مرتجى وغسان مسعود وسامر اسماعيل الذي يسرد بصور درامية وبصرية موجعة، معاناة نازحين سوريين مقيمين في خيم وسط حديقة عامة وعرضة لأذى العابرين والأشرار من مختلف الأشكال، بانتظار انتهاء الحرب والعودة إلى بيوتهم وتفتح الياسمين في دمشق من جديد، ومن بينهم الأم الحسناء لما (سلاف فواخرجي) التي تعيش في الحديقة مع إبنها وابنتها الصغيرين بلا حماية بعد فقدانها زوجها.  ويراها شرير المسلسل الفاسد أبو الشوق( أيمن رضا )العاشق للنساء بالحرام والذي تتسبب نظراته المريضة الشهوانية في حرق أم عزيز التي يتسبب خوفها منه بحرقها، ولا يستطيع الوصول إلى لما فيخطط هو وعصابته على خطف ابنتها بهدف جرها إليه للإعتداء عليها حتى تنقذ ابنتها وتنقاد الأم إلى فخه.
ويعتدي عليها بالإكراه لكنه لا يعيد إليها ابنتها بل يقرر وعصابته بيع أعضائها بثمن غال لولا أن سامر اسماعيل جارها بالحديقة رغم إدمانه الخمر هرباً من مشاكله، ينجح في انتزاع الطفلة من سيارة رجال العصابة. وبينما يهمّ عضو عصابة آخر بالإعتداء عليها بعد ضربها، ينجح في إنقاذها منه أيضاً في اللحظة الأخيرة وهو أعزل من السلاح. وهذا مشهد غير منطقي أن يهرب 4 رجال من رجل أعزل. وكان أحدهم مسلح فأطلق عليه رصاصة في كتفه وهو تفوح منه رائحة الخمر الذي شرب منه الكثير في حفل خطوبة نازحة في الحديقة العامة.


وهذه الفكرة من قبل المؤلف غير واقعية وجديدة فيها إعتداء جديد على حقوق المرأة العربية لكن درامياً هذه المرة. فربما يأتي مشاهد مريض نفسياً ويفكر في تنفيذها، ألا يكفي أن الناشطين يحاولون إلغاء الثغرة القانونية التي تبيح تزويج المغتصب من ضحيته التي تتيح للمغتصب الفرار من العقاب، وبالتالي يسمح لأي شاب مجرم أو فاشل رفضته فتاة محترمة أن يغتصبها لتقبل به زوجاً رغماً عنها وعن أهلها حتى يأتي كاتب يظن نفسه مبتكراً ليأتينا بفكرة مريضة هي إذا اشتهيت إمرأة بالحرام إخطف ابنها أو ابنتها لتنال منها.
وسلاف فواخرجي أدت باقتدار هذا المشهد لكنها للأسف جرأة الإنفلات غير المبرر على الشاشة، ومتى؟ في شهر رمضان المبارك، وفي مسلسل يدخل بيوتنا قسراً، ويعرض في وقت مبكر متاح أمام المراهقين والمراهقات، وهو ربما جدير بفيلم سينمائي أكثر منه بمسلسل درامي رمضاني.

"العهد" لا عهد إخلاقي ولا ديني له
الثنائي الكاتب محمد أمين راضي والمخرج خالد مرعي اللذان أعجبانا جداً بمسلسليهما السابقين "نيران صديقة" و"السبع وصايا"، قدما لنا في "الهد" خليطاً أسطورياً مستوحى من الأساطير اليونانية بالأزياء والأجواء، وحتى يكتمل الصراع زجّ المؤلف بعنصر الدين والإسلام بشخصية مولانا الضوي الذي يستغل الدين للسيطرة على الكفور الثلاثة وهو رجل قاتل وزاني مع إستمنوها التي أنجبت له ابنته سوسن بالحرام، ويدع العهد المزيف يسيّر حياتهم.
تدور أحداث المسلسل في زمن قديم غير محدد حيث تتم العلاقات غير الشرعية بالجملة، وحصادها أبناء غير شرعيين بالجملة: ريا وأكمل وسوسن والحشاش حبيب سوسن وزوج سندس،خلطة قوامها الزنا والسحر والقتل لأحداث تشويق مثير يلهث وراؤه المشاهد من حلقة لأخرى واعداً نفسه بمفاجآت أسطورية تتحرك كأحجار الشطرنج تتنقل من موضع إلى موضع حتى الحلقة الأخيرة، وبالطبع هو عمل فني وتجاري ناجح بامتياز لكنه لا يحمل أي قيمة فكرية تخلده حتى لو حمل إسقاطات معاصرة للثورات الحديثة، وزيف بعض رجال الدين الذين يمثلهم مولانا الضوي (صبري فواز) المتستر بالدين. والشخصية الوحيدة البريئة مشعل الذي مات وماتت معه براءته، فهل سيموت الأشرار بأيدي بعضهم البعض؟ أم سيفوز الشرير الأقوى أو من تبقت في داخله القليل من البراءة بعد؟
وليسمح لنا المؤلف والمخرج، فإن مسلسليهما السابقين تميزا بحبكة أكثر إتقاناً وذكاءً من "العهد". أما "العهد" فلا عهد له، والنص فيه عبارة عن طاولة وأبطاله أحجار شطرنج مرة يتسيدون كفورهم ومرة يصبحون عبيد رغباتهم وأطماعهم ومرة ضحايا من حولهم لينقذهم سحر أو ضربة حظ بات يتوقعها المشاهد مسبقاً، وفقد المؤلف بعمله الثالث روح المفاجأة في حلقاته الأخيرة.