11 صور

وزيرات من أصل عربي، لم يشكّل الفقر ولا أصولهن العربية لحظة واحدة عائقاً أمامهن، ليأخذن مواقعهن في حكومة دولة أوروبية، وحمل حقيبة وزارية، بعد نيلهن ثقة رئيس الدولة القوية، دون شك فإن السرّ يكمن في إرادتهن وإصرارهن على النجاح؛ من خلال نضال عميق ومستميت بوّأهنّ مكانة سياسية رفيعة.


أوجه التشابه بين عدة عربيات صرن وزيرات خارج البلد الأصلي الذي ينتمين إليه، أن معظمهن ينحدرن من عائلات مغتربة كثيرة العدد، وحظها من التعليم والمال ضئيل، لكنهن أثبتن أن جميع التوقعات الحتمية والمقاربات القطعية يمكنها أن تسقط في الماء، إذا حضر التصميم واستمر دفق النجاح.. إنهن من أصول جزائرية ومغربية وفلسطينية، ولا يزلن يحملن أسماء عربية.. فاجأن الرأي العام العربي، والأوروبي على وجه الخصوص، عندما تم تعيينهن كأعضاء في حكومة غربية وغيّرن معادلة أن المعاناة لا تكون دائماً نقمة على أصحابها.

من التمريض إلى تسيير العدالة
يمكن القول إن أشهر هؤلاء الوزيرات، المغربية الجزائرية الأصل رشيدة داتي، على اعتبار أن الوالد ينحدر من المغرب والأم جزائرية، وتمكنت هذه المرأة القوية، حلوة الملامح، والتي مازالت في نهاية عقدها الرابع، من إقناع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي؛ ليختارها وزيرة للعدل، وللعلم فإن رشيدة عاشت طفولة صعبة؛ بسبب فقر عائلتها التي تتكون من 12 فرداً، ولم يكن والدها يشغل سوى منصب متواضع داخل مصنع. بداية هذه العربية الأصل -التي دخلت قصر الحكومة الفرنسية بمنصب وزيرة، وكانت في وقت مضى المسؤولة الأولى عن قطاع العدالة الفرنسية- صعبة في عالم عمل ينبض بالتحديات، خاصة إذا تعلق الأمر بالمهاجرين العرب والتميز الذي كان يلاحقهم، ولم توحِ أي مؤشرات أن هذه الشابة سوف تجد لها مكاناً في عالم السياسة وتتألق في نضالها؛ لأن انطلاقتها جاءت من محطة التمريض، وبعد ذلك تخرجت في الجامعة بشهادة تخصص في القانون والمحاسبة، ويمكن القول إن الانطلاقة القوية جاءت من الشركة النفطية الفرنسية، التي تولت بها عدة مناصب، وفي عام 2002 استدعاها ساركوزي، الذي كان مكلفاً آنذاك بحقيبة الداخلية، إلى منصب مستشارة، وبدأت تقترب أكثر من السياسة وتتغلغل في النضال، عندما انضمت عام 2006 إلى حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية.

ناطقة باسم الحكومة الفرنسية
ولا تختلف ظروف نجاة بلقاسم، وزيرة التعليم، وقبل ذلك وزيرة لحقوق المرأة وناطقة رسمية باسم الحكومة الفرنسية منذ 2012، حيث تلتقي معها في كونها ابنة مهاجر أصوله مغربية، وكون جديها من أصول جزائرية وإسبانية، هاجر من أجل لقمة العيش، حيث عمل في قطاع البناء؛ ليعيل أسرة تضم سبعة أطفال، ولم تلتحق نجاة المولودة عام 1977 بوالدها إلا عندما بلغت سن الرابعة، ولم تتمكن من حيازة الجنسية الفرنسية إلا عندما بلغت الـ18 ربيعاً. وعقب إنهاء دراستها الجامعية في العلوم السياسية والإدارة، بدأت حياتها العملية كمختصة في القانون في مكتب محاماة باريسي لمدة ثلاث سنوات، علماً بأنها كانت مستشارة لـ«سيجولين رويال» في حملة الانتخابات العامة الفرنسية عام 2007. وبعد ذلك شغلت منصب نائبة عمدة، ثم المتحدثة باسم «فرنسوا هولاند» في حملته الانتخابية، قبل أن يصبح رئيساً.
وتجرعت الجزائرية يمينة بن قيقي كل أنواع التمييز الذي تذوقه المهاجرون العرب، والمغاربة على وجه الخصوص، قبل أن تصبح وزيرة مفوضة لشؤون الفرنسيين بالخارج، وترجمت تلك المعاناة من خلال عدة أفلام أخرجتها، نذكر منها فيلم وثائقي بعنوان «ذكريات من المهاجرين» عام 1997، وفيلم روائي طويل أسمته «إن شاء الله الأحد»، كما أخرجت للدراما التلفزيونية فيلم «عائشة» عام 2007. ويذكر أن هذه المبدعة السينمائية الوزيرة، التي توجد في منتصف عقدها الخامس، ولدت بفرنسا من أبوين مهاجرين جزائريين.

مكافحة التمييز بين الجنسين
بينما فضيلة عمارة، التي عينت وزيرة مكلفة بشؤون المدينة في الحكومة الفرنسية، جزائرية الجذور من مواليد 1964، واشتهرت كرئيسة جمعية تدافع عن المرأة، لديها 10 إخوة، ووالدها عامل في قطاع البناء، تحصلت في البداية على شهادة المحاسبة، وما غيّر مجرى حياتها في سن الـ14 عاماً، وجعلها تتخذ من النضال مساراً ومن الشجاعة مصدراً في كفاحها اليومي، مأساة شقيقها ماليك الذي يبلغ خمس سنوات، حيث صدمته سيارة وتوفي بعد ساعات من الحادثة، أثر فيها كثيراً، خاصة ما كان من ردة فعل الشرطي في موقع الحادث، عندما دافع لدواعي عنصرية عن السائق المذنب. شاركت ابنة منطقة القبائل، التي تنحدر منها، في العديد من المظاهرات التي تناهض التمييز وتدافع عن المرأة وتنادي بالمساواة بين الجنسين. عينت في عام 2004 عضوة في اللجنة الاستشارية الفرنسية لحقوق الإنسان، ثم حصلت على عضوية السلطة السامية لمكافحة التمييز والمساواة، وفي عام 2007 عينت كاتبة دولة مكلفة بسياسة المدينة في الحكومة الفرنسية.

مستقبل مرموق
وتعد الفلسطينية سوسن شلبي، التي تنحدر من أسرة فقيرة وأبوين أميين، نموذجاً حقيقياً للنضال والنجاح، بعد أن أخذت مكاناً لها في وزارة الخارجية الألمانية، وصارت الناطقة الرسمية باسمها في مطلع عام 2014، وهي لا تتجاوز منتصف عقدها الثالث. والظروف الصعبة التي تخبطت فيها كانت نعمة بدلاً من أن تتحول إلى نقمة، كون عائلتها من مهاجري عام 1948، وقضت سنوات عديدة بلبنان قبل أن تستقر بألمانيا. مولد سوسن لم يؤثر في تحصيلها وإصرارها على النجاح في هذا البلد الأوروبي الكبير والمتطور، إلى جانب أن العائلة كثيرة العدد، والتي تحوي 12 أختاً وأخاً، ولم تتمكن سوسن من حيازة الجنسية الألمانية إلا بعدما بلغت 12 ربيعاً. وقد اختارت تخصص العلوم السياسية في دراستها الجامعية، ما كان ينبئ بأنه ينتظرها مستقبل مهني مرموق.