منذ بدء الخليقة، كرم الله عز وجل القلم، فقد قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، قَالَ: رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»، وذلك تقدير من الله عز وجل للعلم والكتابة، وقد ذكر الله عز وجل القلم في عدة مواضيع دلالة على أهمية التدوين والكتابة، فأقسم به تعظيماً لقيمته، وعلى مر العصور اختلفت طرق الكتابة والتدوين بدءاً من جدران الكهوف، وصولاً إلى الكتابة الافتراضية.


وفي ما يلي نرصد أهم الاختلافات في طرق الكتابة وأثرها على الثقافات:

الكتابة على الكهوف: لم يكن هناك سوى حائط وبعض الصخور، وحينما أراد الإنسان التدوين، بدأ بالنقش على جدران الكهوف، وقد ظهرت بوادر لطرق الكتابة عن طريق الكتابة بالصور والنقوش أو بالرموز في الفترة من عام 7000 إلى 9000 قبل الميلاد، وما يميز تلك الكتابة أن العديد منها حافظ على مظهره رغم مرور آلاف السنين، ولعل ذلك لندرة الضرر الذي يلحق بها، ولكن من جانب آخر، ونظراً لأنها داخل الكهوف، فالعثور عليها أمر ليس بالسهل أو الهين.


الكتابة على الصخور: بعدما تطور الإنسان قليلاً، لاحظ أهمية الكتابة، وأن ما ينقش على الصخور من الصعب تناقله أو حمله، فلجأ إلى النقش على الحجر والصخور، وتطور الأمر إلى الألواح الحجرية، ولعل من أشهر تلك الألواح: حجر رشيد، والمسلات المصرية، كما وجدت العديد من النماذج للكتابة المسمارية في بابل، وأهم ما يميزها هو احتفاظها بشكلها على مر العصور، ولكن حملها ليس بالهين.

الكتابة على الجلود: عندما فطن الإنسان إلى أهمية نقل الرسائل والوثائق، لم يكن من السهل نقلها لمسافات بعيدة، فالواحدة تزن عشرات الكيلوغرامات، ووُجد أن الجلود مادة جيدة وخفيفة للكتابة، لذلك كان العالم يستخدم الجلود للكتابة ولفترات زمنية طويلة، وأهم ما يميزها متانتها، وصعوبة التمزيق، وكذلك الحفاظ على الكتابة التي في داخلها.

الكتابة على الورق: الكتابة على الورق ظهرت منذ القدم في الحضارة الفرعونية، والتي استخدمت نبات البردي لصناعة الورق والكتابة عليه، كما عرفت الكتابة على الورق الحضارة الصينية حتى صنعت منه بعض العملات، ويرجع تاريخه لآلاف السنين، ولكنه لم يكن متداولاً بالشكل الحالي.

الكتابة الحاسوبية أو الافتراضية: جميع الكتابات السابقة لديها مصدر ملموس يمكن الرجوع إليه مهما تغير الزمن، ولكن الكتابة عبر الحاسوب هي كتابة مؤقتة قد لا يمكن التوصل لما تحتويه إذا دمرت تلك التكنولوجيا، وبذلك قد يفقد التاريخ مستقبلاً فترة هامة من البشرية في حال وقوع كارثة ما، وقد تمحى آثارها دون ذكر حرف عنها.

قد يظهر مستقبلاً نوع جديد من الكتابة لا نعلمه، فالعقل البشري لا يتوقف أبداً عن ابتكار طرق جديدة للتدوين، ولكن كيف ستكون تلك الطريقة السادسة؟ وهل سوف نزامنها أم أنها سوف تأخذ وقتاً أطول للظهور؟ ويبقى السؤال: ما تلك الطريقة؟