في عام 1956، لم تعد باريس مجرد أفق بعيد يحدق فيه الشاب عز الدين علايا Ezzedine Alaia بحلم وهو يقلب صفحات مجلات الموضة. غادر تونس ومعه رسالة توصية فقط، ووصل إلى العاصمة، ليحقق هدفين في آن واحد، إذ دخل أكبر دار أزياء في العالم. بتشجيع من حبيبة منشاري، إحدى رائدات تحرير المرأة في تونس ووالدة ليلى، صديقته المقربة، وصل عز الدين علايا إلى المطار وتوجه مباشرة إلى ساحة Champs De Mars، إلى منزل إحدى زبونات كريستيان ديور. وجدت له مدام ليفي-ديسباس Madame Lévy-Despas فرصة تدريب في ورش العمل. في ذلك الوقت الذي كانت فيه أزياء ديور Dior تهيمن على العالم والعقد بأكمله، كان مصمم أزياء New Look لا يزال على قيد الحياة. وصل علايا في25 يونيو 1956، لكنه لم يمكث سوى بضعة أيام في ورش العمل في شارع فرانسوا الأول لأن الحياة كانت تدبر له فرصاً أخرى لم يقررها.
هذه العلاقة بين عز الدين علايا ومسيو ديور متشابكة الجذور وتمتد لتروي حكاية الإبداع الذي لا ينتهي مع الموت، ولهذا تم تنظيم معرض يروي حكاية مبدعين من عالم الموضة. وعندما رحل عز الدين علايا عام 2017 لم يترك وراءه أرشيفًا ضخمًا من تصاميمه فحسب، بل أيضًا مجموعةً قيّمةً من الأزياء الكلاسيكية تستحق العرض في المتاحف.

كان مصمم الأزياء الناشئ Alaïa يكنّ إعجابًا كبيراُ لمسيو ديور، ففساتينه، التي تُشبه تحفًا فنية مبهرة. جسّدت الفساتين الأولى التي صممها عز الدين علايا لعدد قليل من الزبائن شغفه بالطراز الباريسي الذي أتقنه كريستيان ديور ببراعة. فقادته فساتين الكوكتيل هذه، التي وصفها بأنها "تبدو وكأنها تقف على نفسها"، إلى أسرار وتقنيات القصات المحكمة التي سعى للوصول إليها طوال حياته، ليصبح من أشهر مصممي الأزياء في عصره.
طوال مسيرته المهنية، ظلّت أعمال علايا Alaïa شاهدًا صامتًا على الانطباع الذي تركته عليه بدلات ومعاطف ديور Dior، وفساتينه القصيرة والطويلة، في شبابه. شارك علايا المصمم كريستيان ديور ذوقه في الخصور المُحددة، والأكتاف المنحوتة، والأرداف المنحنية، والتنانير الواسعة. جمع بينهما أيضًا إرثٌ مشتركٌ من الأقمشة والألوان الراقية، كاستخدامهما المفرط لجميع درجات الأسود والرمادي، ما حوّل الفساتين إلى قطعٍ خالدة.
لم يتجاهل عز الدين علايا، دروس أساتذته وأسلافه، والذين تتبّع وثائقهم وإبداعاتهم، جامعًا مُلهمًا الى درجة أنه اقتنى أكثر من 500 تصميم من كريستيان ديور، حفاظًا منه على أصالتها ولحمايتها من الضياع أو التلف.

ولهذا يجمع معرض Azzedine Alaïa and Christian Dior, Two Masters of Haute Couture الذي يفتح أبوابه اليوم ويستمر حتى 25 مايو 2026، ما يقارب 70 تصميمًا من إبداع هذين المصممين. وتُشكّل خزينة الأرشيف من خمسينيات القرن الماضي وإبداعات عز الدين علايا، جميعها من مجموعاته التي اختارها بعناية فائقة والمحفوظة الآن في مؤسسته، حوارًا فنيًا بديعًا. على الرغم من العقود التي تفصل بينهما، فإن الاتفاقيات الرسمية، ومجموعات الألوان، وأوجه التشابه في الزخرفة والإلهام تشهد على التوفيق بين الموضة والزمن الذي قاده وحكمه هذان المصممان العظيمان بشكل طبيعي.
يضم المعرض أكثر من 100 قطعة في غاليري ديور، وهي مساحة العرض داخل المتجر الرئيسي التاريخي للعلامة التجارية في باريس. ومن يراقب تصاميمهما يدرك على الفور أن كلا المصممين مولعين بقصات الساعة الرملية، مع ميلٍ إلى إبراز الخصر، ومنحوت الأكتاف، ومنحوتات الوركين، والتنانير الواسعة. وبينما اعتمد ديور على المشدات لتحقيق إطلالته الجديدة ذات الخصر النحيل، كان علايا يفضل إبراز تصاميمه بأحزمة جلدية عريضة تشبه الكورسيه. ويفتتح المعرض بفستان أحمر صممه علايا لزبونة عام 1958، وهو أقدم مثال معروض من أعماله ويفاجئك بإنه نسخة طبق الأصل من تصميم ديور المجاور لها، والذي يعود تاريخه إلى عام 1957 قبل وفاة مسيو ديور.
تابعي المزيد من ميزون علايا تطلق مجموعة مزخرفة بالشراشيب لصيف 2026 بحضور كيم كارداشيان





