mena-gmtdmp

مؤلفة القصص اللبنانية رشا مرتضى: الإنفاق على كتب الأطفال لا يقنع الآباء

رشا مرتضى، مؤلِّفةُ قصصِ أطفالٍ لبنانيَّةٌ، أصدرت حتى اليوم ثمانيةَ كتبٍ باللغتَين العربيَّةِ والإنجليزيَّة. اللافتُ في مسيرتها أنها أسَّست دارَ نشرٍ، سمَّتها «لقوم»، تُصدِرُ من خلالها مؤلَّفاتها بجودةٍ عاليةٍ مع منحِ الرسومِ اهتماماً كبيراً، إذ تساعدُ، من وجهةِ نظرها، في جذبِ الأطفالِ، وتحريك مخيِّلاتهم. تتحدَّثُ قِصَّةُ «الصبي الصغير الذي فقدَ بهجته» بقلمِ رشا مرتضى، ورسومِ دانيا ك، والصادرةُ أخيراً باللغةِ الإنجليزيَّة، عن طفلٍ، وسنجابٍ، فقدَ كلٌّ منهما البهجةَ لأسبابٍ خاصَّةٍ به. التقيا صدفةً، ثم وجدَ كلٌّ منهما ما يبحثُ عنه بعد حين. وخلال قراءةٍ في بيروت أمامَ جمعٍ من الأطفال، كان واضحاً التفاعلُ الإيجابي بين المؤلِّفةِ والحاضرين، واهتمامُ هؤلاء بالحصولِ على توقيعِ الكاتبةِ التي تحرصُ على القيامِ بقراءاتٍ مباشرةٍ لقياسِ اهتمامِ الصغارِ بنتاجها. لا تزالُ رشا حالمةً، ولم يُفارقها الانجذابُ إلى عالمِ الطفولة، وهي تؤمنُ بأنه لا غنى عن الكتابِ مهما كانت المغرياتُ أمامَ الجيلِ كثيرةً.

حوار:نسرين حمود 
تصوير: فاتشيه أباكليان

 

رشا مرتضى، مؤلفة قصص أطفال
المؤلفة رشا مرتضى
 

رسالة للأطفال والكبار

حدِّثي القرَّاءَ أكثر عن فكرةِ قِصَّةِ «الصبي الصغير الذي فقدَ بهجته»، واستلهاماتكِ؟

جاء الإلهامُ لكتابِ «الصبي الصغير الذي فقدَ بهجته» من فكرتَين، تبدوان غير مترابطتَين: الأولى، كانت نتيجةَ اكتشافي معلومةً ظريفةً، وهي أن معظمَ السناجبِ، تنسى أين دفنت جوزها، فعادةً ما تدفنُ السناجبُ الجوزَ في الخريف، لتستخرجَه، وتأكله في الشتاء، لكنْ نحو 75% منها، تنسى أين دفنته! يؤدي هذا الخطأ، أو النسيانُ إلى زراعةِ أشجارِ البلوط، ولولا هذا النسيانُ لما كان لدينا كثيرٌ من هذه الأشجار. أحببتُ فكرةَ أن مثل هذا الشيءِ الجميلِ والمبهج، يمكن أن يكون نتيجةً للنسيان. أمَّا الفكرةُ الثانية، فجاءت من صورةٍ، راودتني لطفلٍ صغيرٍ، كان حزيناً بعض الشيء. إنه يُمثِّل الكثيرَ منَّا «خاصَّةً في لبنان» بعد أن مرُّوا بأوقاتٍ عصيبةٍ، وشعروا بأن بهجتهم تتلاشى. أردتُ أن أُظهِرَ من خلال القِصَّةِ أن الصبي الصغيرَ، والسنجاب، يتعلَّمان أن البهجةَ لا تختفي تماماً، بل يمكن العثورُ عليها في الأشياءِ اليوميَّةِ الصغيرةِ من حولنا، وآملُ أن تكون هذه رسالةً مُطمئنةً للأطفالِ والكبارِ على حدٍّ سواء.

اللافتُ في قِصَّةِ «الصبي الصغير الذي فقدَ بهجته»، هو الرسومُ التي تتفاوتُ بين الأسودِ والأبيضِ، والألوانِ البارزةِ تبعاً لمشاعرِ البطلَين، ماذا عنها؟

فيما يتعلَّقُ بتطوُّرِ الرسومِ في الكتابِ من الأبيضِ، والأسودِ إلى الألوان، أردتُ أن يعكسَ هذا التحوُّلُ رحلةَ الشخصيَّتَين العاطفيَّة. يبدأ كلاهما حزيناً بعض الشيء، لذا الرسومُ في الصفحاتِ الأولى بالأبيضِ والأسود، وبينما يتنقَّلان في الغابةِ بحثاً عن الأشياءِ التي فقداها، يبدآن برؤيةِ أشياءَ صغيرةٍ، تجلبُ لهما السعادة. تظهرُ هذه الأشياءُ بالألوان، وتتضحُ أكثر فأكثر خلال القِصَّةِ حتى الصفحةِ الأخيرةِ عندما يعيدُ الصبي اكتشافَ بهجته، فتصبحُ الرسومُ بأكملها ملوَّنةً.

 

المؤلفة والناشرة رشا مرتضى
رشا مرتضى، مؤلفة وناشرة من لبنان
 

خط خاص لتسهيل القراءة

ماذا عن اعتمادِ دارِ «لقوم» في القِصَّةِ الجديدةِ خطاً، يُدعى Dyslexie مُصمَّماً بشكلٍ خاصٍّ للأشخاصِ الذين يعانون من صعوبةِ القراءة، بما في ذلك عسرُ القراءة؟

أحدُ الجوانبِ المهمَّةِ في كتبي، هو أنني أريدُ أن تكون في متناولِ الجميع، ليستمتعَ بها أكبرُ عددٍ ممكنٍ من الناس. إحدى الطرقِ لفعلِ ذلك التأكُّدُ من أن الأطفال، يشعرون بأنهم مُمثَّلون في الكتب، لذا أحاولُ إظهارَ أكبرِ عددٍ ممكنٍ من ألوانِ البشرة، والجنسياتِ، والقدراتِ المختلفةِ حتى يتمكَّن كلُّ طفلٍ من رؤيةِ نفسه في الكتاب، ويشعر بأنه مرتبطٌ به. من هذا المنظورِ للشموليَّة، أردتُ أيضاً التأكُّدَ من أن الأطفالَ الذين يعانون من صعوباتٍ في القراءة، يمكنهم أيضاً الاستمتاعُ بكتبي. عليه، عندما علمتُ عن هذا الخطِّ المسمَّى Dyslexie، والذي يُسهِّل على الأطفالِ الذين يعانون من عسرِ القراءة، أو صعوباتِ القراءةِ، قراءةَ النصِّ، كان عليَّ تجربتُه في هذا الكتاب.

هل من الضرورةِ أن تحملَ قصصُ الأطفالِ عِبراً، ونصائحَ في نهايتها؟

لا أعتقدُ أن قصصَ الأطفالِ، يجبُ أن تحملَ بالضرورةِ درساً، أو عظةً، أو عبرةً. أرى أن كثيراً من كتبِ الأطفالِ العربيَّةِ في الماضي، ركَّزت على هذا الأمرِ، وفقدت في هذه العمليَّةِ لمسةَ المرحِ، وروحَ المغامرةِ اللتين تجذبان الأطفالَ إلى الكتب. يمكن أن يكون لديك كتابٌ ممتعٌ، يلقِّنُ الطفلَ درساً، لكنَّني أعتقدُ أن ما نحتاجُ إلى التركيزِ عليه اليوم، هو تنميةُ حبِّ القراءةِ من أجل القراءة، لذا نحتاجُ إلى جعلِ الكتبِ ممتعةً قبل التركيزِ على تعليمِ الأطفالِ درساً معيَّناً.

«نحتاج إلى التركيز على تنمية حب القراءة من أجل القراءة في صفوف الأطفال»

تسويق مبتكر

بعد إصدارِ مجموعةٍ من كتبِ الأطفال، ونيلِ عديدٍ من الجوائزِ المتعلِّقة، في رأيكِ، ما أسبابُ نجاحِ كتابٍ ما وانتشاره؟

هناك عديدٌ من الأسبابِ التي قد تجعلُ الكتابَ ناجحاً، ولو عرفنا كلَّ هذه الأسباب بشكلٍ قاطعٍ لفعلناها جميعاً! يرجعُ جزءٌ من نجاحِ الكتابِ إلى الحظِّ بالطبع، لكنْ جزءٌ كبيرٌ كذلك، هو وجودُ قِصَّةٍ جاذبةٍ تُروى، وتتواصلُ مع الأطفال، وتُحفِّز مخيِّلتهم، إلى جانبِ صورٍ لافتةٍ للنظر، ومستوى إنتاجٍ عالٍ. في هذا العصرِ الذي يتنافسُ فيه عديدٌ من وسائلِ الإعلامِ على جذبِ انتباه الأطفال، يعدُّ التسويقُ المبتكرُ أيضاً أمراً ضرورياً، كما أن التواصلَ مع الناسِ بشكلٍ شخصي من خلال القراءاتِ، ومعارض الكتب مهمٌّ للغاية.

لاحظتُ أن دارَ النشرِ الخاصَّةِ بكِ، تولي أهميَّةً مضاعفةً لرسومِ قصصِ الأطفال، لماذا؟

هذا أمرٌ، أذكره طوالَ الوقت، فالنصُّ، والرسومُ في الكتابِ المصوَّرِ مهمَّان بالقدرِ نفسه في خلقِ القِصَّة. من الواضحِ أن النصَّ، هو جوهرُ القِصَّة، لكنْ الرسومُ، تُكمل الرسالةَ، وتُعزِّزها. في كتابي الأحدث «الصبي الصغير الذي فقدَ بهجته»، تركتُ جزءاً من القِصَّةِ غير مكتوبٍ، ليتمَّ التعبيرُ عنه من خلال الرسومِ وحدها، وحتى نسمحَ للأطفالِ بإشراكِ أجزاءٍ مختلفةٍ من خيالهم لبناءِ عالمِ القِصَّة.

هل يتطلَّبُ تسويقُ كتبِ الأطفالِ في الوقتِ الراهن جهداً أكبر من المؤلِّفِ في ظلِّ ازديادِ انتشارِ وسائلِ التواصل؟

لقد سهَّلت وسائلُ التواصلِ الاجتماعي الوصولَ إلى شرائحَ محدَّدةٍ من السوقِ بشكلٍ مباشرٍ، لكنْ تسويقُ كتبِ الأطفال، لا يزالُ يتطلَّبُ جهداً كبيراً هذه الأيَّام جرَّاء المنافسةِ من وسائلِ الإعلامِ الأخرى، والشاشات، إضافةً إلى الكتبِ الأخرى بالطبع.

لمتابعة اللقاء في النسخة المطبوعة اضغط(ي) هنا

الأطفال صادقون

تحرصين على قراءةِ قصصكِ للأطفالِ في أماكنَ، وضمن أحداثٍ عامَّةٍ، حدِّثي القرَّاءَ عن التفاعلِ المباشرِ مع الأطفال؟

تكون الكتابةُ تجربةً انفراديَّةً عادةً، لذا قليلاً ما أحصلُ على أي تعليقاتٍ على عملي خلال فترةِ التأليف، لكنْ بمجرَّد الفراغِ من الكتابة، وخروجِ الكتابِ إلى العالم، أجدُ أن أفضلَ طريقةٍ لمعرفةِ مدى تفاعلِ الناس معه، هي تنظيمُ قراءةٍ له. الأطفالُ صادقون للغاية، وسيخبرونك بآرائهم، فهم لن يتظاهروا بالإعجابِ بقِصَّةٍ ما، ليكونوا مهذَّبين. أندهشُ باستمرارٍ من ردودِ أفعالهم، ومن الكتبِ، أو المقاطعِ التي يستمتعون بها. أحياناً، يكون الكتابُ الذي لست متأكِّدةً من أنه سينالُ إعجابَ القرَّاءِ، هو الذي يُعجِبُهم أكثر!

ما المشكلاتُ التي تواجهها كتبُ الأطفالِ الصادرةُ بالإنجليزيَّةِ والعربيَّةِ في العالمِ العربي عموماً، وهل تكلفتُها المرتفعةُ عائقٌ أمامَ الانتشار، وماذا بعد؟

أعتقدُ أن المشكلةَ الأكبر، تكمنُ في حقيقةِ أن الأطفالَ لا يقرؤون بالقدرِ نفسه الذي كانوا يقرؤونه في السابق. يمكن أن تتفاوت تكلفةُ كتبِ الأطفال، وهناك سعرٌ، يناسبُ الجميع. مع ذلك، ليس كلُّ الآباءِ مقتنعين بأن إنفاقَ المالِ على الكتبِ عاليةِ الجودة أمرٌ ضروري!

مستقبل مشرق

ما رؤيتكِ لمستقبلِ أدبِ الأطفالِ في المنطقةِ العربيَّة؟

في رأيي، المستقبلُ مشرقٌ، فالكتبُ العربيَّة، أصبحت أكثر جودةً لناحيتَي المحتوى، والإنتاج. هناك كثيرٌ من دورِ النشرِ في المنطقةِ التي تخلقُ محتوى مثيراً للاهتمام، وتُنتِجُ كتباً أكثر إبداعاً وابتكاراً من السابق. كذلك، نطاقُ الموضوعاتِ التي تتناولها هذه الكتبُ، يزدادُ اتِّساعاً، وتتطرَّقُ إلى قضايا اجتماعيَّةٍ حسَّاسةٍ، لم تكن تُعالَج من قبل.

الأطفالُ اليوم معرَّضون لمغرياتٍ كثيرةٍ، هل ما زالت كتبُ الأطفالِ قادرةً على التأثيرِ فيهم؟

الأطفالُ، اليوم، لديهم مُشتِّتاتٌ أخرى مثل الشاشاتِ، وألعابِ الفيديو التي تستهلكُ كثيراً من أوقاتهم، مع ذلك، لا يزالُ هناك شيءٌ ما، يتعلَّقُ بالتجربةِ اللمسيَّةِ المتمثِّلةِ في الإمساكِ بالكتابِ، وتقليبِ صفحاته، والقراءةِ التي تعدُّ جزءاً أساسياً من تجربةِ الطفولة، وهي بالتأكيد، لا تزالُ تُمتِعُ الأطفال. أرى ذلك عندما أقومُ بالقراءة، وكيف يميلُ الأطفالُ لسماعِ القِصَّة، والنظرِ إلى الرسوم، وطرحِ الأسئلة، فهي تسمحُ لهم باستخدامِ خيالهم بطريقةٍ لا تسمحُ بها الشاشات. لا أعتقدُ أن هذه الظاهرةَ، ستختفي في أي وقتٍ قريبٍ.

ما مشروعاتُكِ المستقبليَّةُ؟

أبحثُ دائماً عن مصدرِ إلهامٍ لكتابي المقبل. قد يكون من الأحاديثِ التي تدورُ حولي، أو من الأشياءِ اليوميَّة، أو من الكتبِ الأخرى. سأعملُ على نشرِ كتابي الجديد «الصبي الصغير الذي فقدَ فرحته» في أسواقٍ متنوِّعةٍ، وبلغاتٍ مختلفةٍ للتفاعلِ مع القرَّاءِ خارج لبنان، كما سأقومُ بمزيدٍ من القراءاتِ، والفعاليَّاتِ للتفاعلِ مع المجتمعِ المحلي في وطني.