يمر الشباب بعلاقات عاطفية متعددة قد لا تتسم بالنضج، وهو أمر طبيعي؛ لأنه في مجتمعاتنا المعاصرة، باتت الحياة شديدة الزخم والضغوط والمؤثرات، وهذا يصحبه تحولات نفسية وعاطفية متعاقبة.
وبينما تُعد فترة منتصف العشرينات (ما بين 24 و26 عاماً) من أكثر المراحل التي يُقبل فيها الشباب على العلاقات العاطفية، يبرز سؤال جوهري: هل الحب في هذا العمر ناضج بالضرورة؟.
وتجيب عن هذا التساؤل المدربة هدى زين، مرشدة أسرية ولياقة عاطفية، في لقاء مع "سيدتي" حددت من خلاله كيفية تمييز الحب الناضج في حياة الشباب.
إعداد: إيمان محمد
كيف نُفرّق بين الحب والتعلق؟
تقول كوتش هدى: "يختبر كثير من الشبان والفتيات مشاعر قوية تجاه الآخر، ويظنون أنهم قد وجدوا الحب الحقيقي، لكن التجربة تظهر أن كثيراً من هذه المشاعر لا تبنى على وعي حقيقي". وتوضح "بل تقوم أكثر على احتياجات نفسية غير مفهومة، أو جراح قديمة لم تُشفَ بعد". وتؤكد "فقد يكون ما يظنه الشاب حباً في الواقع محاولة غير واعية لملء فراغ عاطفي، أو التعلّق بشخص يعكس صورة ناقصة عن الذات أو الأمان المفقود منذ الطفولة".

أسباب التخبط في الحب لدى الشباب
ترى المدربة هدى أن السبب وراء التخبط وعدم النضج في الحب يعود إلى أن جيل الشباب يتعرض اليوم لتأثيرات متغيرة وسريعة، تشمل مغريات تكنولوجية، نماذج علاقات مشوشة على مواقع التواصل، ضغوط مجتمعية، ومقارنات لا تنتهي. وفي ظل هذه التحديات، تزداد الحاجة إلى التمييز بين الاختيار الواعي للشريك والانجذاب العاطفي المؤقت.
الفرق بين الاختيار الواعي والانجذاب العاطفي
العديد من الشباب يقعون في تجارب عاطفية لا تعكس وعياً بهويتهم، ميولهم، أو حتى حاجاتهم الحقيقية. وغالباً ما تكون قراراتهم متسرعة، قائمة على الإعجاب السطحي أو الانبهار، لا على القبول الواعي والتفاهم المتبادل.
وفقاً لموقع Psychology Today، الفرق الجوهري بين الاختيار الواعي والانجذاب العاطفي يكمن في طبيعة القرار. فالاختيار الواعي هو عملية عقلانية مدروسة، يتم فيها تقييم الشريك المحتمل بناءً على القيم المشتركة، والأهداف طويلة الأمد، والتوافق النفسي، بينما الانجذاب العاطفي يحدث بشكل فوري وعفوي، ويُحرّكه الشغف الكيميائي والمشاعر القوية دون التفكير في العواقب أو مدى التوافق الحقيقي. وغالباً ما يقود الانجذاب العاطفي إلى علاقات قصيرة المدى، ما لم يُدعّم لاحقاً بقرارات عقلانية.
دور الأهل والمدرسة في الحب الناضج
تشير كوتش هدى إلى الدور البارز الذي يلعبه الأهل والمدرسة في تعزيز قدرة الشباب على اختيار الحب الناضج، وتقول: "هنا تظهر فجوة حقيقية في التنشئة العاطفية. فمعظم المدارس تعتني بالتفوق الأكاديمي فقط، فيما تُهمل تعليم المهارات العاطفية والاجتماعية". وتضيف: "أما الأسرة، فغالباً ما تفتقر إلى الوعي الكافي لدعم الشاب أو الفتاة في فهم مشاعرهم، أو حتى في مناقشة مفهوم الحب بعيداً عن التوجيهات النمطية".
من المهم جداً أن يبدأ التثقيف العاطفي والنفسي مبكراً، من خلال دعم الهوية الفردية، وتطوير الوعي الذاتي، وتشجيع الحوار الداخلي لفهم الدوافع والمشاعر. فالشاب الذي يعرف نفسه، ويعي جراحه، سيكون أكثر قدرة على الدخول في علاقة صحية لا تُبنى على التعلّق أو الحاجة، بل على النضج والاختيار الواعي.
التعافي بوابة للنضج
تشير كوتش هدى إلى أن كثيراً من العلاقات العاطفية الفاشلة في عمر الشباب تعود إلى جراح غير معالجة من الطفولة أو المراهقة، مثل شعور بالرفض، نقص التقدير، أو غياب الأمان. لذلك، لا يمكن الحديث عن حب ناضج دون الحديث عن رحلة التعافي. فمن خلال هذه الرحلة، يبدأ الشاب في إعادة الاتصال بذاته الحقيقية، وفهم مشاعره، وإعادة بناء تصور صحي للعلاقات.
هل هناك حب ناضج حقاً في عمر الشباب؟
ليس صحيحاً أن الحب الناضج لا يمكن أن يحدث في عمر الشباب. حسب ما قالته كوتش هدى، وتضيف: "لكنه ببساطة لا يأتي من أول نظرة، ولا يُبنى على الاندفاع العاطفي وحده. هو ثمرة نضج داخلي، وتوازن بين العقل والقلب، واختيار شريك يعكس قيمنا ووعينا لا احتياجاتنا غير المفهومة".
في النهاية، نحن بحاجة إلى تغيير عميق في طريقة فهمنا للحب، وإلى تمكين الشباب بالأدوات اللازمة لاكتشاف ذواتهم أولاً، قبل السعي لاندماج مع الآخر. فالحب الحقيقي يبدأ من الداخل، ومن قلب تعافى واكتمل، لا من جرح يبحث عن خلاص مؤقت.