جميعنا ننمو ونكبر بالعمر، لكن بشكل متوازٍ هناك نمو من نوع آخر، وهو نمو الشخصية وتطورها، وكذلك الوصول لمرحلة النضج العاطفي، هذه المفاهيم تعكس مراحل التطور الإنساني الذي يجب أن يركز عليه الشباب لتخطي مراحل التخبط في أسرع وقت.
تحديداً علينا أن نفرق بين "النمو الشخصي" و"النضج العاطفي"؛ فهي من أكثر المفاهيم تداولاً في الأوساط النفسية والتربوية، ومع أن كل مفهوم يسير في مسار؛ فإن هناك خلطاً بين المفهومين. فيما يلي نتناول الفرق بينهما وكيفية تعزيز كل مسار لتطوير الشخصية.
إعداد: إيمان محمد
ما النمو الشخصي؟
وفقاً لتعريف موقع Attachment Project فإن النمو الشخصي هو عملية مستمرة يسعى فيها الفرد إلى تحسين شخصيته على عدة مستويات مثل، الجانب المعرفي، الاجتماعي، وكذلك السلوكي. النمو الشخصي يتضمن ذلك تعلم مهارات جديدة، تجاوز التحديات، وزيادة الوعي الذاتي.
بالنسبة للشباب، قد يظهر النمو الشخصي في أشكال عديدة مثل تطوير المهارات وخاصة مهارات القيادة أو التحدث أمام الجمهور، تحسين الإنتاجية أو التحصيل الدراسي، اكتساب مزيد من المرونة في التعامل مع الاخفاقات، واتخاذ قرارات أفضل بشأن المستقبل المهني.
ووفقاً لعلماء النفس، فإن النمو الشخصي يحدث عندما يتحلى الفرد بعقلية منفتحة على التعلم المستمر، ويبدأ الشاب أو الفتاة في مواجهة التحديات لخلق فرص جديدة وبناء الذات بدلاً من الاستسلام لها.
ما النضج العاطفي؟
على الناحية الثانية يأتي مفهوم النضج العاطفي، وهذا قد لا يتعلق بإنجازات خارجية، بل ترتبط بقدرة الفرد على التعامل مع عواطفه الداخلية وتفاعلاته مع الآخرين بنضج واتزان.
ووفقاً للموقع عينه، فإن النضج العاطفي يظهر واضحاً من خلال بعض العلامات مثل:

- تحمل المسؤولية عن المشاعر من دون لوم الآخرين.
- تقبل النقد من دون أن يؤثر في احترام الذات.
- التحكم في ردود الفعل الانفعالية.
- إظهار التعاطف حتى عند الاختلاف في الرأي.
- القدرة على الاعتذار بصدق وتجاوز الأذى الشخصي.
عندما يتوصل الشباب إلى مرحلة النضج العاطفي، فإنهم في هذه الحالة لا يتجنبون المشاعر الصعبة، بل يواجهونها بوعي ويسعون لفهم أسبابها والتعلم منها. أيضاً النضج العاطفي لدى الشباب يجعلهم أكثر قدرة على تأجيل الإشباع المؤقت من أجل نتائج أفضل على المدى الطويل، وهي إحدى أبرز سمات النضج.
الفرق بين النمو الشخصي والنضج العاطفي
صحيح أن المفهومين يتدخلان بشكل ما، بينما ثَمة فرق جوهري بينهما، وبحسب PositivePsychology على الرغم من أن المفهومين قد يتقاطعان؛ فإن الفروق الجوهرية بينهما تكمن في:
الإنجازات المهنية وإدارة المشاعر
أن النمو الشخصي يرتبط بتحقيق الإنجازات وتطوير المهارات، بينما يرتبط النضج العاطفي بإدارة المشاعر وبناء علاقات صحية.
القياس الظاهري والعاطفي
النمو الشخصي يمكن قياسه بوضوح من خلال النجاح الأكاديمي أو المهني، أما النضج العاطفي فهو لا يُمارَس، لكنه ينعكس في طريقة تفاعل الفرد مع نفسه ومع الآخرين عاطفياً.
الطموح والوعي الذاتي
النمو الشخصي عادة ما يتم تحفيزه بالطموح والرغبة في التقدم، في حين أن النضج العاطفي ينبع من الوعي الذاتي والرغبة في السلام الداخلي.
ويشير الموقع إلى أن النمو الشخصي قد يسبق النضج العاطفي لدى بعض الشباب؛ فقد تجد شاباً ناجحاً أكاديمياً أو مهنياً، لكنه يفتقر للوعي العاطفي والتواصل الوجداني، والعكس صحيح؛ إذ يمكن أن يظهر النضج العاطفي حتى لدى من لم يحقق بعد إنجازات كبيرة، لكنه يتمتع بدرجة عالية من الاتزان والمرونة النفسية.

لماذا يحتاج الشباب إلى الاثنين؟
في عالم سريع التغير، لا يكفي أن يطور الشاب مهاراته التقنية أو الأكاديمية فقط، بل يحتاج إلى بناء قاعدة صلبة من الوعي العاطفي؛ فالنمو الشخصي وحده قد يقود إلى الإنجاز، لكن من دون نضج عاطفي، قد تنهار العلاقات أو يضطرب التوازن النفسي.
الدمج بين النمو الشخصي والنضج العاطفي هو ما يصنع شباباً قادرين على النجاح المستدام، والمشاركة المجتمعية، واتخاذ قرارات أخلاقية تعكس قيمهم الإنسانية؛ فكلما نما الشاب معرفياً، وازداد وعيه بذاته، كان أكثر قدرة على تحمل المسؤولية، والنجاح من دون أن يدفع أثماناً باهظة في صحته النفسية.
كيف يعرف الشاب أنه يحقق توازناً بين الاثنين؟
هناك بعض العلامات التي تشير إلى توازن صحي بين النمو الشخصي والنضج العاطفي، من بينها:
- الشعور بالرضا عن الذات دون الغرور.
- الطموح من دون مقارنة مدمرة بالآخرين.
- الاستقرار العاطفي مع القدرة على التعبير عن المشاعر.
- اتخاذ قرارات مدروسة تراعي الذات والآخرين معاً.
- تقييم الإنجازات من دون إنكار للمشاعر أو تجاهل للعلاقات.
في النهاية الشباب بحاجة لتطوير كل من النمو الشخصي وكذلك النضج العاطفي؛ لأن مساراً واحداً لن يحقق لأي شخص التوازن الحقيقي، ومن ثَم يجب الانتباه والعمل على التطوير الداخلي والخارجي معاً.
قد يعجبكم أيضاً: هل شخصيتك حقيقية أو متأثرة بالبيئة حولك؟