في عالمنا المعاصر، يعيش الشباب في دوامة من التحديات المتسارعة، تبدأ من الضغوط الأكاديمية والمهنية، مرورًا بتقلبات الحياة الاجتماعية والعاطفية، وصولًا إلى القلق المرتبط بالمستقبل والغموض الذي يحيط بالهوية والطموح. وفي خضم هذا الزخم النفسي والفكري، يصبح الحديث عن الصحة النفسية ضرورة ملحة، لا رفاهية مؤجلة. فالشباب، رغم طاقاتهم المتقدة وأحلامهم الكبيرة، يواجهون أحيانًا شعورًا داخليًا بالإرهاق أو التشتت أو حتى الفراغ، ما يجعل الحاجة إلى أدوات فعالة لتحقيق التوازن النفسي أمرًا أساسيًا لبناء حياة صحية ومستقرة.
ومن أبرز هذه الأدوات مفهوم "الامتنان"، الذي يُعدّ أحد المفاتيح الجوهرية لتعزيز الراحة النفسية والاستقرار الداخلي. فالامتنان ليس مجرد شعور مؤقت أو مجاملة لفظية، بل هو نمط تفكير وحالة ذهنية تدفع الإنسان إلى تقدير ما يملكه، بدلاً من الانشغال بما ينقصه. إنه إدراك واعٍ لقيمة النعم الصغيرة قبل الكبيرة، وقدرة على رؤية الضوء حتى وسط العتمة. وقد أثبتت العديد من الدراسات في علم النفس الإيجابي أن ممارسة الامتنان بانتظام تعزز من مشاعر السعادة والرضا، وتقلل من التوتر والاكتئاب، خاصة في أوساط الشباب الذين يعيشون ضغوطًا متزايدة في بيئة متقلبة.
وعليه، فإن غرس ثقافة الامتنان في نفوس الشباب وتوفير مساحات آمنة ومفتوحة للحديث عن الراحة النفسية يمثل خطوة أساسية نحو جيل أكثر توازنًا، قادر على مواجهة تحديات العصر بوعي ومرونة. وفي هذا الموضوع، سنستعرض أهمية الامتنان في حياة الشباب، وارتباطه الوثيق بالراحة النفسية، مع الإشارة إلى أساليب عملية يمكن من خلالها تعزيز هذا الشعور الإيجابي في حياتهم اليومية.
ما هو الامتنان؟

الامتنان هو شعور داخلي نابع من تقدير الفرد للنِّعم التي يملكها، سواء كانت مادية أو معنوية. وهو لا يقتصر فقط على شكر الآخرين، بل يمتد ليشمل شكر الذات والحياة، والتعبير عن الرضا عن ما هو موجود.
أهمية الامتنان في حياة الشباب:
- تحسين الحالة النفسية: أظهرت دراسات علم النفس الإيجابي أن ممارسة الامتنان بانتظام تساهم في تقليل مشاعر القلق والاكتئاب، وتعزز من الإيجابية والرضا عن الذات.
- زيادة التركيز على الإيجابيات: عندما يتعلم الشاب أن يلاحظ الأمور الجيدة في حياته، يصبح أكثر قدرة على مواجهة الضغوط والتحديات بعقل متزن.
- . تقوية العلاقات الاجتماعية: الامتنان يعزز من مشاعر القرب والاحترام بين الأفراد، إذ يشعر الآخرون بقيمتهم عندما نشكرهم أو نُقدّر ما يقدمونه.
يمكنك الاطلاع أيضاً على كيف تتعامل مع المشاعر السلبية دون أن تخفيها؟
طرق عملية لتعزيز الامتنان والراحة النفسية:
-
كتابة مذكرات الامتنان:
يمكن للشاب أن يخصص بضع دقائق يوميًا لكتابة ثلاثة أشياء يشعر بالامتنان تجاهها، ما يساعده على التركيز على النواحي الإيجابية في حياته.
-
ممارسة التأمل أو التنفس العميق:
تقنيات الاسترخاء مثل التأمل تعزز من الوعي الذاتي وتساعد على تصفية الذهن من الأفكار السلبية.
-
مساعدة الآخرين والتطوع:
عندما يعطي الشاب من وقته أو جهده للآخرين، يشعر بالقيمة والرضا الداخلي، مما يعزز من شعوره بالامتنان.
-
الابتعاد عن المقارنة السلبية:
يجب أن يدرك الشباب أن المقارنة بالآخرين تُضعف الثقة بالنفس، بينما التقدير لما لديهم يعزز الراحة النفسية.
وجهة نظر علم النفس

تقدّم الاستشارية النفسية أورانيا ضاهر رؤية حول كيفية تحقيق التوازن النفسي والداخلي ومفاهيم الامتنان والراحة النفسية.
الامتنان كأداة للراحة النفسية:
- الامتنان ليس مجرد شعور، بل هو ممارسة يومية تعزز الصحة النفسية.
- التركيز على النعم الصغيرة في الحياة يمكن أن يخفف من التوتر والقلق.
التحديات النفسية في الحياة اليومية:
ناقشت ضاهر الضغوط النفسية التي يواجهها الأفراد في حياتهم اليومية. وقدمت نصائح للتعامل مع هذه الضغوط من خلال تبني ممارسات الامتنان والتأمل.
رحلة داخل الذات:
- التشجيع على القيام برحلة داخلية لفهم الذات بشكل أعمق.
- هذه الرحلة تساعد في تحقيق التوازن النفسي والسلام الداخلي.
التطبيقات العملية للامتنان:
- ممارسة تمارين عملية لتطبيق الامتنان في الحياة اليومية، مثل كتابة ثلاث نعم يوميًا.
- هذه الممارسات يمكن أن تحسن المزاج وتعزز النظرة الإيجابية للحياة.
الرسائل الختامية:
- أهمية الامتنان كوسيلة لتحقيق الراحة النفسية.
- تبني ممارسات الامتنان في حياتهم اليومية لتحقيق التوازن والسلام الداخلي.
يمكنك أيضاً متابعة كيف توقف مقارنة نفسك بالناس؟
الامتنان ليس فقط شعورًا جميلًا، بل هو أسلوب حياة يمكن أن يغيّر نظرة الشباب للعالم من حولهم. بتحقيق الامتنان، تتحسن الصحة النفسية، وتُبنى شخصية أكثر توازنًا وقدرة على مواجهة التحديات. لذا، فإن ترسيخ هذا المفهوم منذ سنّ مبكرة يعدّ استثمارًا حقيقيًا في سلامة النفس وسعادة الإنسان.