يُعَد تطوير الذات من الركائز الأساسية لتحقيق النجاح والرضا الشخصي في الحياة، وخصوصاً لدى الجيل زد، الجيل الذي وُلد بين منتصف التسعينيات وبداية العَقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. يتميّز هذا الجيل بـ: ارتباطه الوثيق بالتكنولوجيا، ووعيه بالقضايا المجتمعية، وطموحه العالي لتحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية.
في ظل التغيّرات المتسارعة في العالم الرقمي وسوق العمل، أصبح من الضروري أن يعتمد جيل زد على إستراتيجيات فعّالة لتطوير الذات، لا تقتصر على الجانب الأكاديمي فقط؛ بل تمتد إلى: المهارات الشخصية، والذكاء العاطفي، وإدارة الوقت، وبناء الهوية الرقمية.
إن فهْم الجيل زد لذاته، واكتشاف نقاط القوة والضعف لديه، يشكّل الخطوة الأولى نحو بناء مسار شخصي ومهني ناجح في عالم مليء بالفرص والتحديات. سنتعرّف أكثر حول هذا الموضوع مع اختصاصية الصحة النفسية، الدكتورة فرح الحر.
التحديات التي يواجهها جيل زد

جيل زد (مواليد منتصف التسعينيات حتى أوائل العَقد الثاني من الألفية) نشأ في بيئة رقمية متسارعة؛ مما أتاح له فرصاً غير مسبوقة للتعلُّم والتواصل، لكنه في الوقت ذاته يواجه تحديات نفسية واجتماعية فريدة. لذلك، يُعَد تطوير الذات أمراً بالغ الأهمية لهذا الجيل؛ لتحقيق التوازن النفسي والنجاح الشخصي.
1. تعزيز الاستقرار النفسي والمرونة العاطفية
- اليقظة الذهنية: ممارسة التأمل والوعي باللحظة الحالية، تساعد في تقليل التوتر والقلق، وتعزز من القدرة على التعامل مع الضغوط اليومية.
- التأمل: يساهم في تهدئة العقل وتحسين التركيز؛ مما يساعد على مواجهة التحديات النفسية بشكل أكثر فعالية.
ما رأيكِ بمتابعة مهارات التواصل الفعال التي يحتاجها الشباب
2. الوعي الذاتي وتحديد الهوية الشخصية
- الاستبطان: تخصيص وقت للتفكير في الأهداف والقيم الشخصية، يساعد في بناء هوية قوية وواضحة.
- كتابة اليوميات: توثيق الأفكار والمشاعر، يساهم في فهم الذات بشكل أعمق، ويساعد في اتخاذ قرارات مستنيرة.
3. استخدام التكنولوجيا بشكل إيجابي
- تطبيقات الصحة النفسية: الاستفادة من التطبيقات التي تقدّم تمارين التأمل والتوجيه الذاتي، يمكن أن تكون أداة فعالة في رحلة التطوير الشخصي.
- إدارة الوقت: تنظيم الوقت وتحديد الأولويات، يساعد في تحقيق التوازن بين الحياة الرقمية والواقعية.
4. بناء علاقات صحية وداعمة
- التواصل المفتوح: الانخراط في حوارات صادقة مع الأصدقاء والعائلة، يعزز من الدعم الاجتماعي ويقلل من الشعور بالعزلة.
- المشاركة في المجتمعات: الانضمام إلى مجموعات تشارك نفس الاهتمامات، يمكن أن يوفّر بيئة محفّزة للنموّ الشخصي.
من خلال هذه الخطوات، يمكن لجيل زد تحويل التحديات التي يواجهها إلى فرص للنموّ والتطور، وبناء حياة متوازنة ومليئة بالإنجازات.
- مهارات التواصل الفعّال: تعلُّم الاستماع النشط، التعبير عن الذات من دون عدوانية، وإدارة الخلافات بفعالية، يعزز من جودة العلاقات الشخصية والمهنية.
- الانخراط في الأنشطة الاجتماعية والتطوعية: المشاركة في الفعاليات المجتمعية والعمل التطوعي، تساعد في بناء شبكة دعم اجتماعية، وتطوير مهارات القيادة والعمل الجماعي.
5. الاستفادة من الموارد المتاحة
- الاستعانة بالدعم النفسي: طلب المساعدة من معالجين أو مستشارين نفسيين ليس دليلاً على الضعف؛ بل يعكس وعياً بأهمية الصحة النفسية والرغبة في النموّ الشخصي.
- استخدام التطبيقات التعليمية والتطويرية: الاستفادة من التطبيقات التي تقدّم: تمارين التأمل، التوجيه الذاتي. ودورات تطوير المهارات، يمكن أن تكون أداة فعالة في رحلة التطوير الشخصي.
تحويل التحديات إلى فرص للنموّ والتطور

من خلال هذه الخطوات، يمكن لجيل زد تحويل التحديات التي يواجهها إلى فرص للنموّ والتطور، وبناء حياة متوازنة ومليئة بالإنجازات.
من الجيد أن يقرأ جيل زد كتباً في تطوير الذات، مثل: "Atomic Habits"، و"Emotional Intelligence". فهذه الكتب تساعده على تنمية ذكائه العاطفي، وتعزيز المرونة في مواجهة التغيّرات السريعة التي يشهدها العالم من حوله. كما يُنصح بأن يستعين بالدعم النفسي عند الحاجة، سواء عبْر معالِج، أو مستشار، أو كوتش، ليس لأنه ضعيف؛ بل لأن لديه وعياً ذاتياً بأهمية الصحة النفسية.
التطوير الاجتماعي مهم أيضاً. من الضروري أن يبني جيل زد علاقات صحية مع الآخرين، وأن يتعلم مهارات التواصل الفعّال، مثل:
- الاستماع الجيد.
- التعبير عن الذات من دون عدوانية.
- إدارة الخلافات.
- حل المشكلات.
يمكنه اكتساب هذه المهارات من خلال: الدورات، التدريب، الكتب، أو حتى الفيديوهات القصيرة المتاحة بشكل واسع اليوم. بشرط أن يكون انتقائياً في اختيار المحتوى المفيد.
كما يُستحسن أن يشارك في أنشطة اجتماعية أو تطوّعية؛ لأنها تعزز: مهارات العمل الجماعي، القيادة، والتفاعل مع أشخاص من خلفيات وأنماط مختلفة.
من المهم أن يكون جيل زد محاطاً بمحيط داعم، وأن يقلّل من العلاقات السامة. عليه أن يُجري تقييماً منتظماً لعلاقاته الاجتماعية، ويضع حدوداً صحية مع الآخرين. كما يجب أن يعمل على تنمية الذكاء الاجتماعي؛ أيْ فهم مشاعره ومشاعر الآخرين، والتعامل مع لغة الجسد بذكاء لأنها ضرورية جداً في التواصل، بالإضافة إلى احترام الاختلاف في وجهات النظر.
كذلك، عليه أن يركّز على تطوير معرفته وتوسيع إدراكه؛ أيْ كيف يدرك المشاكل ويعالج الأمور. وهذا يتطلب بناء مهارات تفكير عالية، وزيادة الفهم والمعرفة بشكل مستمر.
أيضاً، عليه أن يكتسب مهارات جديدة باستمرار، مثل: التصميم الغرافيكي، تطوير مهارات اللغة، ومهارات التواصل الفعال. ومن المهم ألّا يعتمد فقط على السوشيال ميديا؛ لأن الاستمرار في استهلاك المحتوى السريع مثل الريلز، يُضعف التركيز ويؤثر سلباً على الذاكرة طويلة المدى.
يمكنك الاطلاع أيضاً على أهمية بناء الثقة بالنفس في مرحلة الشباب
بالخلاصة، يمكن القول: إن جيل زد يعيش في زمن مليء بالفرص كما بالتحديات. فالمعرفة اليوم متوفّرة وسهلة الوصول إليها. لكن في المقابل، الضغوط النفسية والاجتماعية التي يواجهها هذا الجيل، هي الأكبر مقارنةً بالأجيال السابقة.