علاقة الأجداد بالأحفاد: هل تتراجع الحكمة أمام العاطفة؟


يحتلّ الأحفاد مكانةً مميّزةً لدى أجدادهم. صغاراً، يستحوذون على جلّ اهتمامهم ورعايتهم لدرجة قد تدفعهم للتدخّل في شؤونهم وفي أدقّ تفاصيل تربيتهم، الأمر الذي يحتّم تناقضاً أو ربما تضارباً مع توجّهات الوالدين الشابين.


الإختصاصي في علم النفس التربوي والإرشاد النفسي، الدكتور محمد بسام سكرية،  يطلع قارئات «سيدتي» على أسباب ودوافع، كما على سلبيّات وإيجابيات تعدّد وجهات النظر وأساليب التربية بين الوالدين والأجداد، فضلاً عن انعكاسات هذا الأمر على الأطفال.


غالباً ما يتدخّل الأجداد في تربية أحفادهم فلذات أكبادهم، لشعورهم بالمسؤولية تجاههم، وبأنهم الأقرب إليهم عاطفياً بعد والديهم، فهم يشكّلون استمراريةً جينيةً وملاذاً هانئاً لهم في خريف العمر. يستأنسون بهم ويشغلون أنفسهم بتوفير كل ما من شأنه أن يسعدهم، ليثبتوا من خلال ذلك أن التقاعد الوظيفي لا يعني تقاعداً أسرياً. لذا، نجدهم حريصين على متابعة شؤون أحفادهم وعلى تلبية متطلّباتهم كافة، متجاوزين بذلك أحياناً بعض الممنوعات التي يكون الأهل قد قاموا بفرضها على أطفالهم، ومتناسين خصوصيّة واستقلاليّة الأسرة الصغيرة الناشئة، ومحاولين فرض أسلوبهم الخاص في التربية لقناعتهم بأنّه الأسلوب الأفضل والأمثل، ولأنّ الأبناء في نظرهم، لا يزالون يفتقرون إلى الخبرة التي يتمتعون بها!

ولعلّ الأجداد الذين يعيشون بعيداً عن أحفادهم هم الأشدّ تعبيراً عن عاطفتهم، إذ يلجؤون إلى مدّ الطفل بكمّ كبير من الحب ومن التدليل المفرط في أقصر مدة ممكنة، في حين نجد أولئك الذين يتشاركون المسكن نفسه مع أحفادهم، أكثر تناغماً وانسجاماً مع أسلوب الوالدين التربوي، فهم بمثابة الشركاء الحقيقيين في تنشئة الأطفال وتربيتهم.

وممّا لا شك فيه أنّ الفراغ الذي يطبع حياة الأجداد وحاجتهم إلى الاهتمام والعاطفة، وبحثهم عن لعب دور يشعرهم بأهميتهم، يشكّل عوامل ودوافع لتدخلهم في تربية أحفادهم. ويعتبر الرضا عن الذات عاملاً مؤثّراً لدى كل من الجدّين، فكلّما ازدادت درجة هذا العامل، كلّما كانت علاقة الجد أو الجدة بالحفيد صحيّة ومتوازنة، وإلا لجأ إلى الإفراط في التدليل وإغداق الحب على أحفاده لدرجة قد تصل إلى حد التواطؤ معهم وتجاوز لائحة الممنوعات والضوابط المفروضة من قبل الأهل!

سلبيّات وإيجابيّات

يلعب الأجداد بوجه عام، دوراً إيجابياً في تربية الأحفاد، فهم يشكّلون مصادر حب إضافية بالنسبة للطفل. لكنّ التناقض في وجهات النظر وأساليب التربية بينهم وبين الوالدين، بالإضافة إلى المبالغة في التدليل والإفراط في الحماية وهما ما  يشير إلى وجود نقص عاطفي لدى الأجداد، يؤدي إلى انعكاسات عدّة على حياة الطفل، وأبرزها:

إرباك في تنفيذ خطّة الوالدين التربوية، لا سيّما إذا كان الإحتكاك مع الأجداد يومياً، ما يسبّب خللاً في منظومة القيم التي يجدر بالطفل اتباعها. إذ يولّد التضارب في التعليمات وتناقضها، ضياعاً وعدم وضوح في ما يجب عليه فعله وما يجب تجنّبه.

تأخّر في نموّ عامل الضبط والتوجيه الذاتي لدى الطفل، فيصبح بحاجة دائمة إلى من يصدر إليه التعليمات والإرشادات حول كيفيّة تصرفه الذي يأتي غالباً إما إرضاءً للآخر أو تجنباً للعقاب، في حين أنه يجب أن ينمّ عن منظومة قيم ثابتة لا لبس فيها أو تضارب، وعن نظام تربوي منسجم ومتناغم، وعن شخصيّة قادرة على الإستقلالية. 

بناء شخصيّة غير ناضجة، تتلقى الآوامر والنواهي من جهات عدّة ومتناقضة. وقد يجد الطفل في ذلك، بالإضافة إلى عامل تواطؤ الأجداد معه أحياناً في التستّر على خطأ ارتكبه أو في حمايتهم له أو في حصوله على ما يريد بغض النظر عن موافقة الأهل، مخرجاً ومفراً من الضوابط والقيم التي يحرص الأبوان على فرضها في إطار المنزل، مما يدفعه لاحقاً إلى التصرف بالخفاء بدون مراجعة أبويه أو الوقوف عند رأيهما.


توزيع الأدوار

ومن أجل إتمام عملية تربية الأطفال وتنشئتهم بنجاح، لا بدّ من التنسيق بين الرؤية التربوية للوالدين وبين تلك التي تخص الأجداد، بحيث يقتصر دور الجد أو الجدة، في حال غياب الوالدين على المساعدة والإشراف والرعاية. كما يمكن للأهل الإستفادة من خبرة وحكمة الأجداد، والحرص على إبراز التقدير والاحترام لما بذلوه من جهد وتضحيات. بالمقابل، يجدر بالجدّين إفساح المجال أمام أبنائهما للقيام بواجباتهم تجاه الأسرة الجديدة الناشئة، والحفاظ على استقلاليتها واحترام خصوصيتها. ولعل الحوار الهادئ والنقاش المتّزن هما الطريق الأمثل للتوصّل إلى خطة تربوية سليمة بعيداً عن التناقضات والتباينات، مع التشديد على إيجابيات التنسيق بين الطرفين والتناغم فيما بينهما، لما فيه مصلحة الطفل.