يعترف غالبية الآباء والأمهات بأن التربية ليست مهمة سهلة على الإطلاق؛ إذ تُظهر الدراسات العالمية أن أكثر من نصف الآباء والأمهات حول العالم (51%) يشعرون بضغوط نفسية واجتماعية قوية مرتبطة بكيفية تربية أبنائهم، بينما أكد 43% أن تجربة الأبوة والأمومة أصعب بكثير مما توقعوا؛ حيث تتعرض واحدة من كل خمس أمهات لاكتئاب ما بعد الولادة، ما يزيد العبء النفسي، ويجعل مشاعر الإرهاق جزءاً من الحياة اليومية للأمهات.
أما الجانب المشرق الباسم، وسط هذه الضغوطات، فهو تلك المواقف الشائعة التي تظهر في رحلة الأمومة، وتمثل جزءاً طبيعياً من عملية التربية، مهما بدت لنا في لحظتها مربكة أو مثيرة للضحك، بسبب براءة وصراحة الطفل، والتي يتكرر حدوثها عندما يُفشى سرّاً عائلياً أمام الجيران، أو يطرح سؤالاً محرجاً بصوت عالٍ في مكان عام، أو حتى حينما يكشف تفاصيل شخصية لم تتوقعي أن تخرج من فمه الصغير.
التقرير اليوم يتناول رحلة الأمومة بين الضغوط والمواقف المضحكة للطفل، يعرضها الدكتور محسن العجاتي، أستاذ الطب النفسي، في 7 نقاط.
الأمومة رحلة مليئة بالتحديات

نعم، لكنها أيضاً مليئة بالضحك والمفاجآت، فكم هي المواقف المحرجة التي يضعنا فيها أطفالنا ببراءتهم وصدقهم! مع ضرورة إدراك أن الضغوط النفسية التي تشعر بها الأمهات لا تعني الضعف، بل تشير إلى أنهن يتحملن مسؤوليات مضاعفة في عالم سريع الإيقاع.
الرسالة الأهم لكل أم:
أنك لستِ وحدكِ في هذه المعركة، معظم الأمهات يعشن المواقف نفسها؛ ضحك، تعثر، أخطاء، ويتعلمنّ منها، والمطلوب الدعم من كل واحدة تجاه الاخرى.
مع كسر صورة الأم المثالية للتعرف إلى الحقيقة؛ وهي الأم التي تبذل جهدها بصدق، تضحك رغم التعب، وتعلّم أطفالها أن الحياة رحلة يتخللها الكثير من الحب، والقليل من الإحراج.
كيفية تكوين روح المرح بالمنزل

للحفاظ على جو المرح بين الأطفال بالمنزل، قومي بخلق بيئة دافئة وداعمة، شجعي الفكاهة والضحك، وفّري أنشطة إبداعية؛ كالحرف اليدوية والرسم، واجعلي من الأخطاء فرصة للمرح وليس للعقاب.
كوني مرحة مع أطفالك:
شاركي في اللعب، استخدمي لغة الجسد الغريبة، ولغة الوجه المرحة؛ لجذب الأطفال وتشجيعهم على الانخراط.
شجعي طفلك على تقدير الذات:
ساعدي أطفالك على الشعور بالثقة في أنفسهم؛ ليصبحوا قادرين على المخاطرة والتصرف بطريقة سخيفة ومرحة.
اجعلي الأخطاء فرصة للمرح:
عوضاً عن معاقبة الأخطاء، حوليها إلى موقف مضحك. هذه القدرة على الضحك على الذات مفيدة للصحة النفسية والاجتماعية.
قومي باستخدام ألعاب الحواس والمغامرة:
استخدمي ألعاب اللغة الغريبة والوقفات المضحكة واللغة الجسدية الغريبة؛ لبناء المرح والضحك.
الاستماع والتعاون:
علّمي الأطفال الاستماع والتفاوض وحل المشكلات مع أقرانهم، مما يساعد في بناء أساس للمرح والتعاون.
الرسم والإبداع:
وفّري أدوات الرسم، كالألوان والأوراق، ودعي الأطفال يرسمون بحُرية، أو حددي جداراً مخصصاً لهم للرسم، مما يحفز خيالهم.
لعبة المسرح والتمثيل:
استخدمي الدمى أو الأقمشة القديمة؛ لصنع شخصيات وتقديم عرض مسرحي ممتع ومبدع.
ألعاب الحركة:
شجعي الأطفال على الحركة؛ من خلال ألعاب مثل الركض في الحديقة، أو القفز.
خطوات لتسير رحلة الأمومة بأمان

أولاً: الاعتراف بأن الضغوط النفسية والاجتماعية ليست ضعفاً
غالباً ما يُنظر إلى الأمومة على أنها "رسالة مقدسة"، وهذا صحيح إلى حد كبير، لكنه في الوقت ذاته هناك ضغوط على المرأة هائلة لتكون هذه الأم المثالية.
- الأم تُحاسب أحياناً على كل صغيرة وكبيرة.
- إن كان طفلها كثير الحركة، تُلام على تقصيرها في ضبطه.
- وإن كان هادئاً أكثر من اللازم، تُسأل عن أسباب بروده.
- وإن بكى أمام الناس، فالتعليقات تنهال عليها؛ كأنها فشلت في أداء دورها.
والحقيقة أن هذه الضغوط ليست دليلاً على ضعف الأم، حيث إن بعض الأمهات يعملن خارج البيت، ثم يعدن ليجدن أنفسهن أمام أعباء أمومة أخرى لا تقل ثِقلاً داخل المنزل.
هل تودين معرفة كيفية التعامل مع قلق الأمومة؟
ثانياً: تقبّلي المواقف المضحكة المحرجة.. فهي الجانب الإنساني للتربية
لا تخلو البيوت من المواقف الطريفة التي قد تكون مصدر إحراج كبير للأمهات:
- إحدى الأمهات تروي ضاحكة: كنت أتحدث مع جارتي عن ارتفاع الأسعار، وفجأة قاطعني ابني وقال لها: ماما تقول إنك تطبخين أكلاً كثيراً لكنه بلا طعم وممل! لتجد نفسها في موقف لا تُحسد عليه أمام الجارة.
- وتحكي أم أخرى أن طفلها البالغ من العمر خمس سنوات وقف في عرس عائلي ليسأل بصوت عالٍ: ماما، ليه عمو تزوج واحدة ثانية؟ طنط ليلى أجمل! لتغرق الأم في العرق أمام عشرات الأقارب.
- وتسرد ثالثة حكاية طفلها الصغير، 6 سنوات، الذي سأل أمه بكل وضوح وبراءة، بعد مناوشة بسيطة شاهدها بين أمه وبين والده -وكانت وقتها حاملاً في الشهر السابع- فقال: أنت تحملين أخي في بطنك، وأنا ابنك، فلماذا يجلس بابا معنا؟ وما القرابة التي تجمعنا به؟!
هذه المواقف وإن بدت فضائح صغيرة، إلا أنها تعكس براءة الطفولة وصدقها الفطري، وتُذكرنا بأن الأطفال لا يعرفون الحسابات الاجتماعية المعقدة التي نتقنها نحن الكبار.
وهنا بدلاً من اعتبارها فضيحة، يمكنك تحويلها إلى لحظة تربوية؛ تعلّمين فيها طفلك ما يمكن مشاركته، وما يجب الاحتفاظ به داخل البيت، من دون جرح لصدقه أو كسر لعفويته.
ثالثاً: لا تشعري بالذنب أمام متطلبات "الأم المثالية"

الكثير من الأمهات يعشن بإحساس تأنيب الضمير؛ يشعرن دائماً بالتقصير، سواء قضت وقتاً مع طفلها، أو انشغلت عنه بعملها، ودائماً ما تتساءل: ألا يوجد حل وسط يرضي المجتمع أو نفسي؟
المشكلة أن هذه التحديات تزداد في المجتمعات العربية؛ بسبب التوقعات العالية المحيطة بالمرأة؛ أن تكون زوجة مثالية، أماً مثالية، عاملة ناجحة، ومضيفة بارعة في بيتها، وإن عجزت عن بلوغ هذه الصورة الصعبة المتخيلة، يتسرب إليها شعور بالفشل.
هنا يؤكد الدكتور العجاتي أن الرسالة الأهم هنا أن الأمومة لا تحتاج إلى كمال؛ الأخطاء طبيعية، والقصور أحياناً جزء من إنسانيتنا، المهم أن تدرك الأم أنها لا تُربّي طفلاً مثالياً، بل إنساناً طبيعياً يتعلم بالتجربة، كما تتعلم هي أيضاً معه بالتجربة.
رابعاً: لماذا يصل الأمر للإرهاق والاحتراق النفسي؟

نتيجة لكل هذه الضغوط، تصل حالة بعض الأمهات الى مصطلح "الاحتراق النفسي"؛ بمعنى أنها قد تشعر بأنها مستنزفة تماماً، لا طاقة لها للعناية بنفسها، أو حتى التفاعل الإيجابي الأمثل مع أطفالها.
هذا الإرهاق قد يتضاعف حين تُقارن الأم نفسها بما تفعله أخت الزوج أو زوجة الأخ، أو حتى بما كانت تفعله جارتها أو الحماة قديماً، في مثل هذه البيئة؛ يصبح من السهل أن تشعر الأم بأنها دوماً تحت المجهر.
خامساً: ضرورة الحصول على الدعم الاجتماعي
تشير الدراسات إلى أن نسبة كبيرة من الأهالي يفتقرون لمصادر موثوقة للمعلومات التربوية، وأن كثيراً من الأمهات لا يعرفن كيف أو أين يحصلن على الدعم النفسي والاجتماعي.
إذ يعتمد الدعم غالباً على الأسرة الممتدة أو صديقات الأم، لكن مع تغير أنماط الحياة وانتقال الكثير من الأسر إلى المدن الكبرى أو حتى الهجرة للخارج، أصبحت بعض الأمهات معزولات عن هذا الدعم التقليدي، ولهذا تبرز الحاجة إلى مشاهدة محتوى واقعياً عن التربية، بعيداً عن الصورة الوردية المثالية التي تعرضها الإعلانات أو وسائل التواصل الاجتماعي.
سادساً: اقتراحات للتعامل مع هذه التحديات
على الأمهات والآباء تقبّل المواقف المحرجة لأطفالهن بروح الدعابة: بدلاً من الغضب أو الانزعاج، يمكن تحويلها إلى لحظة ضحك عائلية، الأطفال يتعلمون من ردود فعلنا أكثر مما يتعلمون من كلماتنا.
التحدث مع الطفل بهدوء بعد الموقف: نشرح له أن بعض الأمور تبقى خاصة، من دون أن نجرح صدقه أو نكسر براءته.
طلب الدعم عند الحاجة: ليس عيباً أن تطلب الأم المساعدة من العائلة أو الأصدقاء، أو حتى من استشاري تربوي أو نفسي.
الاعتناء بالنفس أولاً: الأم المتعبة نفسياً لن تستطيع العطاء لأطفالها. لذلك فتخصيص وقت قصير يومياً للراحة أو الهوايات يصنع فرقاً كبيراً.
كسر صورة الأم المثالية: بدلاً من السعي وراء الكمال، لنجعل الهدف هو الأم الكافية؛ التي تحب طفلها وتدعمه وتتعلم من أخطائها.
سابعاً: قصة قصيرة باسمة
تقول أم لطفلين: في أحد الأيام، كنت أستقبل ضيوفاً في البيت، وفجأة صرخ ابني ذو السنوات الأربع قائلاً: "ماما بتخبي الشوكولاتة عن بابا والضيوف كذلك!"، ضحك الجميع، بينما احمرّ وجهي من الخجل.
بعد انصراف الضيوف، جلست مع ابني وأخبرته بأن بعض الأشياء نحتفظ بها بيننا في البيت، لم أصرخ ولم أُعاقبه، بل حوّلنا الموقف إلى حديث عائلي عن أسرار العائلة؛ عائلتنا.
هذه القصة تعكس بوضوح كيف يمكن للأم أن تحوّل موقفاً محرجاً إلى درس خفيف لأطفالها، وفي الوقت ذاته تضحك معهم، بدلاً من أن تغضب منهم.






