mena-gmtdmp

إعادة تعريف مرحلة انقطاع الطمث.. سن الأمل

إعادة تعريف مرحلة انقطاع الطمث: سن الأمل
إعادة تعريف مرحلة انقطاع الطمث: سن الأمل

في العالم العربي، لا يزال يُشار إلى مرحلة انقطاع الطمث حتى اليوم بمصطلح "سنّ اليأس"، وهو تعبير يربط هذه المرحلة بالفقدان لا بالتمكين، ويغفل عمّا تمثله حقًا من نضجٍ ونمو داخلي. فهي فصل جديد في حياة المرأة، تستثمر فيه خبراتها، وتستعيد توازنها، وتنطلق بثقة نحو حياةٍ أكثر وعيًا بذاتها وإقبالًا على إمكاناتها.

إنها مرحلة تمرّ بها كل امرأة، وغالبًا ما تكون بين سنّ الخامسة والأربعين والخامسة والخمسين، لكنها تظلّ من أكثر المراحل غموضًا، وأقلّها اهتمامًا على صعيد الوعي الصحي والنفسي. فقد كشفت دراسة أُجريت في المملكة العربية السعودية أن نحو 44% من النساء أكّدن عدم امتلاكهن معرفة كافية بانقطاع الطمث أو بتأثيراته على صحتهن العامة وجودة حياتهن.  كما أظهرت دراسة نوعية أُجريت عام 2024 على نساء سعوديات تتراوح أعمارهن بين 40 و64 عامًا، أن تحسّس الكثير منهن من فكرة التقدّم في العمر، وما قد يرافقه من تغيّر في النظرة إليهن، كان من أبرز الأسباب التي دفعت الكثير منهن إلى تجنّب الحديث عن تجربتهن مع مرحلة انقطاع الطمث.

تشمل الأعراض الشائعة التي قد تعاني منها النساء خلال مرحلة انقطاع الطمث: اضطراب الدورة الشهرية وغزارة النزيف، الهبّات الساخنة والتعرّق، اضطرابات النوم، الألم أثناء العلاقة الزوجية، آلام المفاصل والظهر، إضافة إلى الاكتئاب، وتقلّبات المزاج، والقلق.

في عام 2024، بلغ عدد النساء في المملكة العربية السعودية اللواتي تتراوح أعمارهن بين 40 و64 عامًا نحو 2.9 مليون امرأة. وأظهرت إحدى الدراسات أن 73.3% من النساء اللواتي يعانين من أعراض ما قبل انقطاع الطمث في المملكة العربية السعودية لم يزرن الطبيب بشأن تلك الأعراض. ويُشير ذلك إلى أن أكثر من 2.1 مليون امرأة في المملكة العربية السعودية قد يواجهن مرحلة ما قبل انقطاع الطمث دون الحصول على الدعم أو الرعاية الكافية.

تحدّثنا إلى الدكتور أيمن عريف، استشاري أمراض النساء والولادة في المملكة العربية السعودية، وإلى الدكتورة رنا سعد، المديرة الطبية في وحدة الأدوية بشركة الرعاية الصحية العالمية "أبوت". وقد شاركانا رؤيتهما حول التحديات التي تواجهها النساء في المملكة، في ما يتعلق بمرحلة انقطاع الطمث، والنقاط المفصلية التي تدفعهن إلى طلب الدعم الطبي، وأهمية فتح حوار مبكر حول هذه المرحلة وأعراضها لضمان صحة المرأة ورفاهها.

أسباب تأخر النساء في طلب المساعدة

لماذا يتأخر الكثير من النساء في استشارة الطبيب عند بدء ظهور أعراض انقطاع الطمث؟

 يوضح د. أيمن عريف: "من خلال خبرتي، أرى أن كثيرًا من النساء يتأخرن في طلب المساعدة لأنهن يعتقدن أن ما يشعرن به هو ببساطة جزء طبيعي من التقدّم في العمر. فيحاولن التكيّف مع الهبّات الساخنة، وتقلّبات المزاج، والإرهاق، معتقدنَ  إيّاها أموراً لا مفرّ منها ويجب التعايش معها. كما أن العديد منهن لا يدركن أن هناك طرقًا آمنة وفعّالة للتعامل مع هذه المرحلة، فيظننّ أن لا جدوى من مناقشة الأمر مع الطبيب. نتيجةَ لذلك تتراجع جودة حياتهن،  وفي بعض الحالات تمرّ مشكلات صحية مهمة مرتبطة بمرحلة انقطاع الطمث - مثل هشاشة العظام، وأمراض القلب والأوعية الدموية، ومرض السكري من النوع الثاني في مراحل لاحقة من العمر - دون أن تُكتشف لفترة طويلة.

بدورها  تقول د. رنا سعد: "يميل كثير من النساء إلى التقليل من أهمية أعراضهن، ويضعن احتياجات أسرهن في المقام الأول على حساب صحتهن وراحتهن الشخصية. من هنا تبرز الحاجة إلى زيادة الوعي والعمل جنبًا إلى جنب لتدارك هذه المسألة."

ولهذا، وانطلاقًا من رؤية السعودية 2030 حول تمكين المرأة، تعمل شركة "أبوت" على تنفيذ حملة وطنية لتبادل المعرفة تهدف إلى رفع الوعي حول مرحلة انقطاع الطمث لدى المتخصصين في الرعاية الصحية.

وتُسهم الحملة في تمكين الأطباء ومقدّمي الرعاية من دعم النساء بشكل أفضل في التعرف على الأعراض والتعامل معها، إلى جانب تفعيل عملية الحديث عن هذه المرحلة داخل العيادات والمراكز الطبية.

كما تفخر "أبوت" بدعم الابتكار من خلال التعاون مع المبادرات الناشئة، مثل تحدي "Innovate4Health" الذي أُقيم بالتعاون مع شركة "Plug and Play" في أبو ظبي، وفازت به منصة "نواة للصحة".

"نواة للصحة" هي منصة رقمية أُنشئت بواسطة النساء ولأجل النساء، تُقدّم الإرشاد والاستشارات المتعلقة بمرحلة انقطاع الطمث وغيرها من مجالات صحة المرأة، بكل خصوصية وسهولة ومن أي مكان. ومن خلال الدمج بين التوعية وسهولة الوصول إلى الخدمات، نُسهم في تمكين النساء من طلب الدعم مبكرًا، والبقاء على اطلاع، والتحكم بصحتهنّ بثقة واستقلالية.

دوافع النساء في طلب المساعدة

ما الذي يدفع النساء في الغالب إلى طلب المشورة الطبية أو زيارة العيادة؟

يوضح د. أيمن عريف:" غالبًا ما يحدث ذلك عندما تبدأ الأعراض بالتأثير فعليًا على تفاصيل الحياة اليومية، ليس من الناحية الجسدية فحسب، بل والعاطفية أيضًا. ويصف كثير من النساء هذه المرحلة بأنها فترة يفقدن فيها صبرهن بسرعة مع أحبائهن، أو يشعرن بتعب يفوق قدرتهن على الاستمتاع بالمناسبات الاجتماعية، أو يلحظن تغيّرات في مظهرهن مثل تساقط الشعر أو زيادة الوزن، ما يؤثر على ثقتهن بأنفسهن. تلك اللحظات من الإرهاق والتفكير الذاتي تصبح في الغالب نقطة التحوّل، حينها يقرّرن أن الوقت حان للبحث عن إجابات واستعادة توازنهن، وهناك تبدأ رحلتهن إلى العيادة."

 بدورها  تقول د. رنا سعد: "يشكّل دعم العائلة والأصدقاء عاملًا مهمًا في ذلك. كثير من النساء يبدأن بطلب المساعدة بعد تشجيع أزواجهن أو صديقاتهن على الاهتمام بصحتهن. كما يلعب  الجانب العاطفي دورًا حاسمًا، فعندما تشعر المرأة بأنها بدأت تفقد ارتباطها بالأشياء التي تحبها – سواء بعلاقاتها الاجتماعية أو حتى بإحساسها الداخلي بالهدوء – تدرك حينها أن الوقت قد حان لتغيير ما."

كيف يمكن أن يؤثر تأخير طلب الدعم خلال مرحلة انقطاع الطمث على صحة المرأة وجودة حياتها؟

بتابع  د. أيمن عريف:" الواقع أن كثيرًا من النساء يتحملن الأعراض لسنوات قبل طلب المساعدة. أحيانًا يتجاهلن العلامات المبكرة أو يَعزُونها إلى التوتر أو التقدّم في العمر أو تغيّر نمط الحياة. وبحلول الوقت الذي يقرّرن فيه زيارة العيادة، قد يكنّ بالفعل يواجهن تحديات متراكمة مثل اضطرابات النوم، وضعف صحة العظام، أو حتى مؤشرات مبكرة على مشكلات في القلب والأوعية الدموية. إن الاستشارة المبكرة لا تُعنى فقط بتخفيف الأعراض، بل هي أيضًا خطوة أساسية في الوقاية والحفاظ على الصحة على المدى الطويل."

 أما د. رنا سعد ، فتعلق:" نعلم أن مرحلة انقطاع الطمث تتزامن مع مرحلة محورية في حياة المرأة، غالبًا في العقد الرابع أو الخامس من عمرها، وهي فترة تكون فيها في قمة عطائها المهني، ومسؤولة عن أسرتها، وفاعلة في مجتمعها. لذا فإن تأخير الرعاية الصحية ينعكس أثره على جميع هذه الجوانب. ولهذا نؤكد دائمًا أن الوصول المبكر إلى المعلومات والرعاية الصحية ليس مجرد مسألة شخصية، بل قضية مجتمعية تمس الجميع."

أهمية الحسّ الثقافي

ما مدى أهمية مراعاة الحسّ الثقافي عند توعية النساء حول مرحلة انقطاع الطمث؟ وما الأثر الذي تتركه في قراراتهن بطلب الرعاية؟

 في هذا السياق  يقول د. أيمن عريف: "إن توفير المعلومات الدقيقة والموثوقة في الوقت المناسب، مع مراعاة الحسّ الثقافي، أمر أساسي. فكثير من النساء يحملن مخاوف لا يُعبّرن عنها، خشية التقييم أو سوء الفهم عند الحديث عمّا يمررن به. لكن عندما يدركن أن انقطاع الطمث تجربة طبيعية ومشتركة بين النساء، تنفتح أمامهن أبواب الثقة. ودورنا كمتخصصين في الرعاية الصحية هو أن نهيّئ ذلك الفضاء الآمن، حيث يمكن للمرأة أن تتحدث بحرية، وتشعر بأنها مسموعة ومقدّرة، وأن تجربتها تحظى بالاحترام."

 تعلق د. رنا سعد بالقول:"عندما تكون المعلومات دقيقة ومرتبطة بالسياق الثقافي، فإنها لا ترفع الوعي فحسب، بل تبني الثقة أيضًا، وهي الأساس الحقيقي للتغيير. فالحسّ الثقافي يعني مخاطبة عقول النساء وقلوبهن في آنٍ واحد، وهذا هو النهج الذي يوجّه كل ما نقوم به في شركة "أبوت". نحن نعمل عن قرب مع الشركاء المحليين ومقدّمي الرعاية الصحية والمنظمات المجتمعية لتصميم مبادرات توعوية تُجسّد هذه القيم، وتُسهم في تمكين المرأة من الشعور بالدعم والثقة حينما تطلب الرعاية التي تستحقها."

ما الرسالة التي تودّان توجيهها إلى قارئات مجلة سيدتي؟

 يقول د. أيمن عريف:" رسالتي بسيطة – لا تنتظري حتى تصبح الأعراض مرهقة. بادري بطلب المشورة مبكرًا، واسألي، وامنحي صحتك الأولوية دائمًا. فمرحلة انقطاع الطمث ليست صراعًا، بل يمكن أن تكون محطة توازن وطاقة متجددة حين نملك المعرفة الصحيحة."

 توضح د. رنا سعد: "على النساء أن يدركن أنهن لسن وحدهن في هذه الرحلة. فهناك موارد، وحلول، ومقدّمو رعاية صحية مستعدون لدعمهن خلال هذه المرحلة الانتقالية. وكلّما أصبح الحديث عن انقطاع الطمث أكثر طبيعية،كلما تمكّنا من ضمان تعامل كل امرأة مع هذه المرحلة كجزء من مسيرتها الصحية والحياتية المتكاملة. ولمن ترغب في معرفة المزيد أو تواجه بعض الأعراض، يمكنها زيارة منصة  "نواة للصحة" على الرابط  nawathealth للحصول على معلومات موثوقة واستشارات متخصصة حول انقطاع الطمث، أو مراجعة الطبيب مباشرة."

إنّ انقطاع الطمث لا يمثل النهاية، بل بداية جديدة مليئة بالأمل والإزهار. وحين تفهم المرأة جسدها وتسعى للحصول على الدعم المناسب، يمكنها تحويل هذه المرحلة إلى وقتٍ للنضج والنمو الداخلي. فكل امرأة تستحق أن تعيش هذه المرحلة بثقة وتمكين، وأن تستمر في عيش حياتها بكل امتلاء في كل عمر. ومع الوعي والتفهّم والرعاية، تصبح هذه المرحلة بداية مشرقة لرحلة جديدة.