تواجه المؤسسات الكبرى تحديات معقدة تتعلق بكيفية تنظيم مواردها البشرية وتنسيق أنشطتها اليومية، مما يجعل من الضروري اعتماد هيكل تنظيمي فعّال يضمن انسيابية العمليات، ويعزز قدرتها على تحقيق أهدافها الإستراتيجية.
في هذا المقال، سنتناول مفهوم الهيكل التنظيمي، مكوناته، خصائصه، وأبرز أنواعه، إلى جانب المبادئ التي يقوم عليها، وكيفية تصميمه، مع استعراض أمثلة عملية.
ما هو الـ "Flat management"؟

الشركة البولندية المختصة ببرمجيات تطوير الأعمال "Software mill"، عرّفت مفهوم "Flat management" بأنه نموذج يقوم على تقليل أو إلغاء الطبقات الإدارية التقليدية، مثل الرؤساء الوسيطين، ويعتمد على فرق ذاتية التنظيم. وهو بذلك هيكل تنظيمي يتميز بمستويات إدارية قليلة وعدم وجود مستويات من الإدارة المتداخلة بين الموظفين والمديرين. وفي هذا النموذج، يكون اتخاذ القرار أقرب إلى مصدر المشكلة، ويعتمد على الشفافية والثقة بدلاً من السلطة الصارمة.
الخصائص الرئيسية للهيكل التنظيمي المسطح
موقع الشركة الأمريكية "business.com"، المختصة ببرمجيات الشركات الصغيرة والمتوسطة، تطرق إلى الخصائص الرئيسية لهذا النموذج، وفوائده على النطاق المهني، كالآتي:
الخصائص الرئيسية للهيكل التنظيمي المسطح هي:
• مستويات أقل من التسلسل الهرمي، وبالتالي فإنّ كبار المديرين التنفيذيين أقرب إلى الموظفين في المستوى الأدنى.
• نطاقات واسعة من السيطرة، مع وجود مشرفين يشرفون على العديد من الموظفين.
• اتخاذ القرارات بشكل لامركزي، مما يمنح الموظفين المزيد من الاستقلالية وقوة اتخاذ القرار.
• فتح قنوات التواصل بين المديرين والموظفين.
مزايا الهيكل التنظيمي المسطح

في حين أن مزاياه تتمثل في خمس مزايا جوهرية، وهي:
يسمح باتخاذ القرارات بشكل أسرع
إذا كانت المرونة والسرعة من أهم أولويات عملك، فإن الهيكل التنظيمي المسطح يُساعدك على تحقيق النجاح بشكل أسرع، وغالباً ما يكون الهيكل التنظيمي المسطح أكثر مرونةً وقابليةً للتكيف من الهياكل الهرمية التقليدية؛ نظراً لتمتع الموظفين باستقلالية أكبر في اتخاذ القرارات والتنفيذ. ويمكن اتخاذ القرارات بسرعة أكبر مع وجود مستويات إدارية أقل. وهذا يُمكّن المؤسسات من الاستجابة بسرعة لتغيرات السوق أو البيئة التنافسية.
تعزيز الإبداع والابتكار
يشجع الهيكل التنظيمي المسطح الموظفين على المخاطرة وابتكار أفكار جديدة، وهذا المستوى من الاستقلالية والتشجيع على توليد الأفكار يمكن أن يؤدي إلى زيادة الابتكار والإبداع، وبذلك يُعد هذا الهيكل مثالياً للشركات التي تسعى إلى الريادة في إيجاد حلول أعمال فريدة، والاستحواذ على حصة سوقية، كما أنّ الشركة التي تستطيع تحديد سبل تحسين منتجاتها أو خدماتها بسهولة تُفيد المستهلكين أيضاً.
يعزز التواصل التنظيمي
في الهيكل التنظيمي المسطح، يكون التواصل بين الموظفين والإدارة العليا أكثر انفتاحاً ومباشرة، حيث يستطيع الموظفون التواصل مباشرةً مع المصدر الأعلى مستوى الذي يحتاجون إليه، وبدلاً من تمرير المعلومات عبر عدة مستويات، فإنه يُمكّن من التواصل والتعاون بشكل أسرع وأكثر فعالية في جميع أنحاء المؤسسة.
يزيد من مشاركة الموظفين
حيث يمكن أن يُحسّن هذا النموذج مشاركة الموظفين، فالموظفون في هذه المؤسسات غالباً ما يكونون أكثر انخراطاً وتحفيزاً وتمكيناً لتقديم مساهمات قيّمة للشركة؛ نظراً لتمتعهم بمسؤوليات واستقلالية أكبر.
خفض التكاليف العامة
غالباً ما تؤدي الهياكل التنظيمية المسطحة إلى انخفاض التكاليف العامة؛ نظراً لانخفاض مستويات الإدارة وتراجع البيروقراطية. ووفقاً لشركة Freshbooks، المختصة في برامج المحاسبة للشركات، تُمثل تعويضات الموظفين ما بين 40% و80% من إجمالي الإيرادات، لذا فإنّ خفض تكاليف الموظفين عن طريق تقليص المناصب الإدارية؛ يُقلل من النفقات.
اطلعوا أيضاً على: نموذج Grow للتوجيه الإداري الفعال.
سبع خطوات لتنفيذ هذا النموذج

موقع " Four Week MBA" المختص بهندسة وتطوير الأعمال، ذكر سبع خطوات تشرح كيفية تطبيق هذا النموذج:
1. تقليل الطبقات الإدارية
بدلاً من تواجد مدير، ومدير قسم، ومشرف، وموظف.... إلخ، تصبح الفرق بسيطة، ويصبح غالبية الموظفين موظفين عاديين، بدون تعقيد هرمي.
2. إنشاء فرق صغيرة مستقلة (Squads /Teams)
تقسيم المؤسسة لفرق صغيرة تحتوي على 10 إلى 15 فرداً، وكل فريق لديه استقلالية في اتخاذ القرار وتنفيذ مهامه.
3. توزيع المسؤوليات بوضوح
لا يوجد مدير يوزع المهام، بل يتم تحديد الأدوار مسبقاً.
4. اعتماد الشفافية
مشاركة المعلومات والبيانات المالية مع الجميع بما فيها الرواتب، أهداف الشركة، وخطط العمل جميعها تكون واضحة ومعلنة.
5. تمكين الموظفين من اتخاذ القرار
القرارات تُتخذ عبر الاستشارة (Advice Process) أو التوافق بدلًا من المدير التقليدي، كذلك الموظف يستطيع أن يبدأ أي مشروع أو قرار بشرط استشارة أصحاب العلاقة.
6. ثقافة المسؤولية المشتركة
ينجح هذا النموذج فقط إذا وُجدت في المنظمة ثقافة الثقة العالية، حيث إنّ الموظفين يصبحون قادرين على تحمل نتائج قراراتهم مثل أصحاب المشروع.
7. تقييم دوري وتعديل
مع نمو الشركة، قد يحتاج المديرون إلى إضافة بعض الهياكل التنظيمية المرنة؛ مثل شركة "GitHub" التي بدأت بلا مديرين، لكن مع التوسع؛ أضافت بعض مستويات الإدارة.
نماذج شركات رائدة طبّقت هذا النموذج

Valve
شركة ألعاب شهيرة، تمنح الموظفين الحرية الكاملة في اختيار المشاريع التي يريدون العمل عليها، حيث يستخدمون "open allocation"، فلا وجود لمديرين رسميين، ويتغير القادة حسب المشروع، وحتى مكاتب الموظفين يتم تصميمها على عجلات لتشجّع التنقل والعمل مع فرق مختلفة.
Buffer
منصة لإدارة وسائل التواصل الاجتماعي تعتمد على الشفافية المطلقة في الرواتب والقرارات، ما يزيد من الثقة والمشاركة، وبعد الإفصاح العلني عن الرواتب، شهدت الشركة زيادة واضحة في طلبات التوظيف
Reaktor
شركة فنلندية تعمل بهيكل مسطّح رغم النمو، وتشارك الشركة بياناتها المالية مع الموظفين شهرياً، ما يشجع على تولّد الشعور بالمسؤولية والمساهمة المشتركة.
Buurtzorg
وهي شركة هولندية مزودة بخدمات صحية، حيث تعمل على تشغيل أكثر من 10,000 ممرضة من دون وجود أي مدير تقليدي، وتعمل فقط بواسطة 15 مدرباً إقليمياً ومدير تنفيذي واحد. إذ إنّ الاعتماد الكامل على فرق العمل الذاتية أثبت فعاليته في الرعاية المحلية.
Bayer
في عام 2024م، أطلق الرئيس التنفيذي للشركة العالمية خطة تقلل من مستويات الإدارة التقليدية، وتُشكّل 5,000 إلى 6,000 فريق ذاتي التوجيه، تعمل في دورات محددة مدتها 90 يوماً؛ لتعزيز سرعة اتخاذ القرار والابتكار وسط هيكل ضخم.
تعرفوا أيضاً إلى: نظرية السيارة الحمراء في الإدارة.