تونسيون يسألون: هل أصبحت الحفلات الفنيّة من الماضي؟

"يبدو أنّ الحفلات الفنيّة ستصبح شيئاً من الماضي" هو قول يتردّد في الشارع العربيّ، ويُشكّل لسان حال الجمهور العريض، بعد كساد مواسم الحفلات منذ سنتين، بسبب ما تشهده المنطقة العربيّة من أحداث أمنيّة واضطرابات سياسيّة، جعلت من الفنّ رفاهيّة صعبة المنال.
في تونس، السياسة هذه الأيّام جنت على الفنّ، والانفلات الأمنيّ أسقط الحفلات بالضربة القاضية؛ فالنّاس في تونس فقدوا متعة حضور الحفلات العامّة، خشية أن يُفاجئهم المتشدّدون بهجوم باتت الفعاليّات الفنيّة عرضةً له، لا سيّما وأنّ حفلات كثيرة استهدفتها هجمات المتشدّدين، وكان للجمهور فيها النصيب الأكبر من الأذى المعنويّ والجسديّ؛ أمّا البعض الآخر من الجمهور فهو في مزاج بعيد كلّ البعد عن الفنّ، لما يُعانيه من ضغط نفسيّ، بسبب الأوضاع المتأزمّة في البلاد، وبسبب غلاء المعيشة وعدم الاستقرار الذي أفقد هذا البعض الفضول للقاء الفنّانين المحبوبين.
ونتيجة لهذه الأوضاع، ألغيت في الفترة الماضية الكثير من الفعاليّات الفنيّة، حيث كانت تعاونيّة الأمن والحرس الوطنيّ ـ على سبيل المثال ـ تعتزم إقامة حفلة، تُخصّص ريعها لمشاريعها الاجتماعية، وكانت قد اتّفقت مع الفنّان اللبنانيّ وائل جسّار لإحيائها في قبّة المنزه، إلا أنّ التأجيل كان من نصيب الحفل، وإلى أجل غير محدّد.
فإذا كان الأمن نفسه لا يستطيع تأمين سلامة الحفل، وهو منظّمه والمشرف عليه، فما بالك بأيّ جهة أخرى؟ أو حتى بمتعهد حفلات؟ أسئلة يطرحها المراقبون في تونس، التي يبدو أنّها تعيش قحطاً فنيّاً، بالرّغم من اشتهارها بأماكن معروفة، كانت تستقطب فنّانين من أنحاء الوطن العربيّ كافّة، لكنّها لم تستقبل أيّ حفل منذ مدّة طويلة، بسبب التّجاوزات التي ارتكبها متشدّدون لمنع تنظيم حفلات فنيّة، ما كان له أبلغ الأثر على نسبة الحضور الجماهيريّ فيها، وجعل ـ بالتالي ـ من تنظيم أيّ حفل مغامرة غير محسوبة العواقب.
ويبقى الاستثناء الوحيد هو المسرحيّات الهزليّة السّاخرة من الحكومة والمعارضة على حدّ سواء، وهي ما يُقبل عليها الجمهور التونسيّ بكثافة للتنفيس والضّحك.
ومع تراجع الحفلات العامّة، انقلب بعض المطربين والمطربات إلى منشدين دينيين، وأصبح في أحاديثهم وتصريحاتهم وأغانيهم الكثير من النفس الدينيّ، تماشياً مع الوضع الجديد، كما أنّ هناك مطربة تحجّبت ثمّ خلعت الحجاب، ما دفع بالبعض إلى اتّهامها بالتزلّف.
هذه الأوضاع انعكست على التلفزيون التونسيّ أيضاً، إذ كان قبل سنتين زاخراً بالسّهرات الفنيّة والمنوّعات الموسيقيّة، وكان يُقدّم في الأعياد حفلات ومنوعات ضخمة، وكلّها انتهت وتركت مكانها للنقاشات السياسيّة التي لا تكاد تنتهي.
هذا العيد، التونسيّون مشغولون بأسعار الخرفان المرتفعة، ويُتابعون أخبار استيراد 12 ألف خاروف من رومانيا، أمّا الحفلات العامّة فلا أثر لها، باستثناء بعض العروض الهزليّة.
ولكن من يدري؟ فقد يتعاقد فندق مع نانسي عجرم ـ مثلما حدث في الفترة السّابقة ـ لإقامة حفل لمجموعة قليلة جدّاً من زبائنه، وتكون الأسعار خياليّة وتساوي راتب موظّف؛ لكن لا إشارة إلى ذلك لغاية الآن، إذ إنّ الفنادق أصبحت تخشى الإعلان في وسائل الإعلام عن حفلاتها، من باب الحيطة والحذر.
لكن المؤكّد أنّ أجواء الحفلات تغيّرت، وليالي الطرب والسّهر توقّفت، وهناك من يقول إنّها قد ولّت، والمطربون يشكون فعلاً من الكساد، وقد تقلّصت مداخيلهم الماديّة بشكل ملحوظ.
فمن يعمل بكثرة هذه الأيّام هم الأطباء النّفسيّون، وبعضهم يُعالج مرضاه بالموسيقى، وتلك حفلات مزدهرة.