«كذب المنجمون ولو صدقوا» التوقعات وقراءة المستقبل بيع وهمي للأمل يرفضه الخبراء

«كذب المنجمون ولو صدقوا» التوقعات وقراءة المستقبل بيع وهمي للأمل يرفضه الخبراء
«كذب المنجمون ولو صدقوا» التوقعات وقراءة المستقبل بيع وهمي للأمل يرفضه الخبراء

في بداية كل عام، يتصدر المنجمون والفلكيون، كما يسمون أنفسهم، وسائل الإعلام من شاشات تلفزيونية، وسمعية، حتى أنهم احتلوا منصات السوشيال ميديا، فما من برنامج على تويتر أو بودكاست، إلا ويستضيفهم، ليبيعوا الأمل لأناس ينتظرونهم بالملايين؛ رغبة في النّجاح السّريع والسّهل، فيما ملايين آخرون يرغبون في شراء الأمان والاطمئنان، أما النسبة المحيرة، فهي تلك التي تدعي أن الأمر برمته مجرد تسلية!
في هذا الملف نستضيف علماء اجتماع ونفس لتسليط الضوء على هذه الظاهرة.. عن مضارها، وإن كان لها فوائد اجتماعية ونفسية.
 

 



أعدت الملف | لينا الحوراني Lina Alhorani
الرياض | يارا طاهر Yara Taher
تصوير | بشير صالح Basher Saleh
الشرقية | عواطف الثنيان Awatif Althunayan
المغرب | سميرة مغداد Samira Maghdad
تونس | منية كوّاش Monia Kaouach
القاهرة | أيمن خطاب Ayman Khattab
بيروت | عفت شهاب الدين Ifate Shehabdine

 


من الرياض
عبد الرحمن آل مرضي:

 

عبد الرحمن آل مرضي



هناك علاقة طردية بين الاكتئاب وتنبُّؤ المستقبل


يعتقد المنجمون أن الحياة في كوكب الأرض ترتبط بتحركات ومواقف الأجرام السماوية، وأن موضع النجوم في السماء قد يساعد في تفسير أحداث الماضي والحاضر؛ حيث سُمّيت بعض النجوم بأسماء عربية، مثل الدبران، والنسر الطائر، هكذا بدأ عبد الرحمن آل مرضي، أخصائي نفسي، حديثه.

يفرّق عبد الرحمن بين علم الفلك والتنجيم، ويشبههما بالليل والنهار، فالأول منضبطٌ أكاديمياً، أما الآخر فليس له أصلٌ علمي حتى الآن، يتابع قائلاً: «من يصدق التنجيم ترتبط مشاعره النفسية كلياً بالتفاعل اليومي مع محيطه، وتدخله مرحلة الانعزال والاتكال؛ أي إن هناك علاقةً طرديةً بين الاكتئاب وتنبُّؤ المستقبل، فكلما زاد بحث الإنسان عن قراءة مستقبله، زادت درجة اكتئابه، والعكس صحيحٌ، ويدخل تدريجياً في متلازمة كرونوفوبيا، أو كما تُعرف برهاب المستقبل، وهي مرحلة خطرة في حياة الإنسان؛ حيث يعاني من انفصالٍ تامٍّ عن واقعه، ويشعر دائماً بنوبات فزعٍ عند اقتراب موعد التنبُّؤ المزعوم، وقد يغمى عليه، ويشعر بالضياع».


تجاوزٍ للغشاء النفسي


في بعض الحالات، قد يحتاج من يصدق التنجيم، إلى تدخلٍ طبي عاجل، هذا إلى جانب اهتزاز الثقة بالنفس، التي تضعف إذا ما تعلَّقت بشيءٍ لا وجود له بالأصل، وتصبح مرتعاً للأمراض الروحية والنفسية، يتابع المرضي: «علم النفس يميل دائماً إلى وقاية الفرد من أي خرقٍ وتجاوزٍ للغشاء النفسي، وتغليب وتمكين الواقعية بعيداً عن أي افتراضات ومزاعم مستقبلية، وعلى الفرد أن يسعى إلى تحسين مستقبله بإشباع واقعه وتحسُّسه عملياً، والعمل على تطوير جودته، والتوكل على الله أولاً وأخيراً».


من الشرقية
زينب آل سلاط:

 

زينب آل سلاط



بعض الناس يبحثون عن خبايا وصف شخصيتهم بشكل دقيق


عادت زينب آل سلاط، أخصائية اجتماعية، إلى إيمان الفراعنة بنجمة البعث التي ارتبط ظهورها بفيضان النيل، الذي بدروه يروي الحقول، وبالتالي ذهبوا إلى أن بعض النجوم مختص بالطبيعة والبعض الآخر مختص بالبشر.

يميل أنصار التنجيم، كما تجد زينب، إلى إثبات حقيقة هذا العلم، وتحويله من علم زائف إلى علم حقيقي، من خلال بعص القصص المشهورة التي لم تثبت صحتها، مثلما حدث مع زوجة يوليوس قيصر عندما حذرته من عدم الخروج للاجتماع؛ لأن هناك من يتآمر على قتله، وهذا ما حدث، تتابع زينب: «أشهر من كتب في دحض علم التنجيم هو ابن سيناء «رسالة في إبطال أحكام النجوم»، وقد كشفت دراسة أعدت في جامعة لوند بالسويد أن النرجسية سمة في الأفراد الذين يسعون إلى جعل التنجيم بوصلة حياتية لهم، عندما يشعرون بأن حركة الكواكب والنجوم تحاكيهم من خلال أحداث أو مواقف معينة تعزز إحساسهم بالأنانية».


استنقاص للمنطق


يقع الكثير من الناس ضمن ظاهرة «فورير»، التي تعني ميل بعض الناس إلى البحث عن خبايا وصف شخصيتهم بشكل دقيق، وبالتالي يتحولون إلى عملاء لدى المنجمين. تجد زينب أن العلوم الزائفة ليست مقياساً لتقييم الشخصية، وكذلك ليست منهجاً علمياً للتخطيط الحياتي؛ حيث إنها تفتقر إلى الأدوات العلمية، تستدرك قائلة: «بل هي قائمة على المعتقدات التي تختلف من مكان إلى آخر، وهذا ما يفقدها الثبات والصدق. إن إشباع الإنسان لنفسه بمثل هذه العلوم إنما هو استنقاص للمنطق والمعرفة التي فطر عليها».

تابعي المزيد: في يومها العالمي الأسرة..مركزٌ التفاعلات بين الأجيال


من الإمارات
د. رقية الريّس:

 

د. رقية الريّس



التنجيم يسبب القلق والإحباط


يجب عدم الخلط بين علم الفلك القائم على النظريات العلمية بما يسمى (التنجيم). كما تجد د. رقية الريس، أخصائية علم اجتماع تطبيقي، ولها الكثير من البحوث التي تعالج قضايا المجتمع الإماراتي.

البرهان العلمي هو ما تبحث عنه الشخصية الإماراتية المحبة للتطور، والمتمسكة بتقاليدها الأصيلة، وهو لا يشبه استشراف المستقبل، لا من قريب ولا من بعيد، تتابع قائلة: «استشراف المُستقبل هو جهد فكري علمي متعمق مبني على مؤشرات كمية ونوعية منتقاة حسب طبيعة مجال الدراسة، ويقصد منه التنبؤ بمستقبل ظاهرة معينة، من خلال طرح احتمالات وبدائل تتفاوت في درجة إمكانية وقوع أي منها».

تكلمت د. رقية عن الاستراتيجية الوطنية الإماراتية للفضاء مثلاً، حيث تم تحديد النتائج الإيجابية لتلك الصناعة على الدولة خلال 10 سنوات تعلّق د. رقية: «إنها محاولة لاستكشاف المستقبل وفق الأهداف المخططة، باستخدام أساليب كمية تعتمد على قراءة أرقام الحاضر والماضي».


من باب التسلية


يسبب حديث المنجمين، برأي د. رقية، الكثير من أنواع القلق والإحباط، ويؤثر في الصحة النفسية للفرد، تستدرك قائلة: «أثبتت دراسات عديدة أن الإنسان الطبيعي يفكر يومياً في 60000 فكرة تقريباً، منها أفكار إيجابية وأخرى أفكار سلبية تسبب له قلقاً لو لم تخلد في ذهنه لوقت طويل. لذا، حرص علماء النفس والتنمية البشرية على ضرورة التخلص من تلك الأفكار السلبية؛ حتى يحقق كل شخص السير لخطة حياته التي يسعى إليها.. كما أن تصديق هذه الخزعبلات هو الذي كرّس العلوم الزائفة في المجتمع؛ بسبب اعتقاد الناس بها وقولهم إنه من باب التسلية، وهم من دون أن يدروا، يصبح التنجيم في اللاوعي جزءاً من آلية اتخاذ القرارات لديهم، سواء قراراتهم الشخصية، أو في العاطفة، أو المال، أو العمل، وحتى سلوكهم اليومي وأمورهم الشخصية».


من المغرب
هناء نشاطي:

 

هناء نشاطي



البحث عن الأمان كرّس التوقعات الخرافية


لا يمكن أن ننكر أهمية الفلك في حياتنا بوصفه علماً قائماً بذاته يهتم بالكواكب والمجرات وغيرها، الذي له بكل تأكيد تأثير مهم في بنية الإنسان بوصفه جسداً وعقلاً وروحاً، كما توافق وتقول هناء نشاطي، أخصائية تنمية بشرية ومدربة حياة.
تستشهد هناء بالسنة النبوية التي تحثنا على صيام الأيام البيض من كل شهر هجري، والتشجيع على الحجامة في هذا التوقيت، تستدرك قائلة: «إن ربط هذا التأثير بتواريخ الميلاد وبتنبؤات غيبية يدخل الإنسان في متاهة ما يسمى «التنجيم»، وبما أن الإنسان يبحث عن الأمان فهو يرضخ لهذه التوقعات الخرافية هروباً من ضعفه، بل أكثر من ذلك، هو يحرق لحظته الراهنة ليستسلم للقلق من المستقبل».


الصراع الأزلي


تحدثت هناء عن الإنسان السوي، الذي يعيش لحظته ويومه بسلام وأمان ساعة بساعة، ساعياً إلى تحقيق أهدافه بخطط رزينة تجمع بين السعي المادي والسعي الروحاني، من دون تعلق أو هروب. تضيف قائلة: «ما نشهده اليوم من تكهنات بالمستقبل على مواقع التواصل الاجتماعي وترويج لبعض التوقعات المستقبلية، ما هو إلا نتيجة حتمية لهذا الصراع الأزلي مع الخوف من المستقبل، فقد فرضت الطفرة الرقمية هذا التداول لتوقعات فلكيين قد يصيبون وقد يخطئون، وهي في تقديري ظاهرة غير صحية تتطلب منا أن نحصن أنفسنا باستمرار بالتدرب على كل تقلبات الزمن».

تابعي المزيد: الجمعيات التعاونية تركيزٌ على الاستهلاكيّة منها.. ومناداةٌ بدعمها


من تونس
إيناس بن سليمة:

 

إيناس بن سليمة

 

الرغبة في النجاح السريع هي سبب الإقبال على المنجمين




النجاح لا يأتي بالتمنّي وبالتوقعات


تبيّن إيناس بن سليمة، الأخصّائيّة النّفسيّة، أنّ التنجيم ظاهرة قديمة ترافق الإنسان أينما كان، وتستقطب اهتمامه، سواء كان شابّاً أو كهلاً، متعلّماً أو أمّياً، ناشطاً أو عاطلاً عن العمل، وكذلك نجما مشهوراً وسياسياً معروفاً.

تذكّر إيناس بتصدر المنجمين للمنابر الإعلامية وتهافت النّاس على سماعهم لاكتشاف ما سيحمله العامّ من أخبار جديدة، كتوقّعاتهم بظهور أوبئة جديدة، وزوال أخرى، وما ينتظرهم من جديد على مستوى شخصي، تتابع إيناس: «يلجأ الناس إلى التوقّعات، جرّاء خوف داخليّ يسكنهم، فيجعلهم منشغلين بالمجهول، محاولين تأويله، ويمنحون المنجّمين مكانة اجتماعية بجعلهم مؤثّرين، ويسمح لهم باستعمال كلمات مستمدّة من علم الفلك، فأضفوا مصداقية على تنبّؤاتهم التي قد يصيب بعضها من باب الصّدفة والرّبط بين الأحداث».


هشاشة نفسيّة


ما يعيشه البعض من هشاشة نفسيّة وعجز عن تخطّي صعوبات الحياة، جعلهم، برأي إيناس، يحتمون بالأوهام؛ ليتملّصوا من مسؤوليّاتهم عند إخفاقهم، مفضّلين سماع أخبار سارّة ولو كانت كذباً؛ لأنّها تمنحهم طاقات إيجابيّة للحظات، وتبرّئهم من مسؤوليّة فشلهم في اختياراتهم، ودراساتهم، وفي تأخر سنّ زواجهم، وتقنعهم بألّا قدرة لهم على التحكّم فيما سطّرته الأبراج لهم.

كما أعادت إيناس السبب في الإقبال الكبير على المنجّمين إلى رغبة البعض في النّجاح السّريع والسّهل، بدلاً من الاعتماد على النّفس، والتشبّع بآليات الذّكاء العاطفي والسعي إلى النجاح، تعلّق قائلة: «لا يأتي بالتمنّي وبالتوقعات، بل يتحقّق بتحمّل المسؤوليات، وبقبول الواقع، وبالتخطيط لتغييره، والعمل على تحسينه».

تابعي المزيد: كيف تنبأ فيلم عمره 73 عاماً بواقعنا الحالي؟


من مصر
د. أسماء مراد:

 

د. أسماء مراد



التنجيم متنفس للتقليل من التوتر والقلق


من المثير للدهشة أن علم التنجيم واسع الانتشار في العالم، حتى بين أوساط المتعلمين والأذكياء، على الرغم من وجود أدلة على مصداقيته، كما تجد د. أسماء مراد، أستاذة علم الاجتماع.

الأشخاص الأكثر ميلاً إلى التنجيم، برأي د. أسماء، هم الذين يعتقدون بأن نجاحاتهم أو إخفاقاتهم ناتجة من عوامل أو قوى خارجية خارجة عن تأثيرهم، تستدرك قائلة: «على عكس الأشخاص الذين لديهم موقع داخلي للسيطرة، وهم يعدّون أنفسهم المسيطرين على حياتهم. فالناس قد يؤمنون بالتنبؤات الفلكية، لأسباب مختلفة ومتعارضة، قد يجدها بعض الناس جذابة؛ لأنها تعزز إحساسهم بالأنانية والخصوصية، بينما قد يعدّها آخرون وسيلة للمعرفة الروحية، فالتنجيم يجذب النرجسيين؛ لأنه يركز على الذات، ويعزز إحساس الفرد بالتفرد، ويجعل النرجسيين يعتقدون أنه يمنحهم معرفة خاصة لا يمتلكها معظم الناس».


عالم من الأوهام


ترجح د. أسماء أن يلجأ الناس إلى علم التنجيم، عندما يواجهون أزمات شخصية أو ضغوطاً في الحياة؛ ما يدل على أنه متنفس يساعد الأشخاص على تقليل التوتر والقلق أثناء المواقف الصعبة، ووسيلة للتعامل مع المخاوف، تضيف قائلة: «تضاعفت شعبية علم التنجيم خلال أزمة كورونا العالمية، التي شهدت ظهور آلاف التطبيقات الإلكترونية التي توفر للمتابعين معلومات فلكية وتنبؤات يومية لاتخاذ قرارات مهمة في الحياة تخص الجانب المالي والصحي والعاطفي».

يمنح التنجيم الإنسان، برأي د. أسماء، إحساساً بشعبية تحمل في طياتها خطراً كبيراً على الصحة النفسية، للأفراد المنغمسين في عالم من الأوهام».


من لبنان
د. راشد شهاب الدين:

 

د. راشد شهاب الدين



يعتمد الدجّالون أسلوب الهشاشة النفسية


يتعلّق الإنسان بالأمل، وهو عبر التاريخ كان يلحق الوهم، كما يكشف د. راشد شهاب الدين، أخصائي في التنمية البشرية ومدرّب حياة؛ لأنه لا يستطيع السيطرة على بعض الأمور الحياتية، وحتى يشعر بالأمان والطمأنينة.

لجأ القدماء إلى الظواهر الطبيعية، كالكواكب والنجوم، عند حالات الخطر للشعور بالأمان، كما كان كبار القوم والملوك يلجؤون إلى المنجمّين لحساب منازِل النجوم ومواقعها؛ لأخذ أي خطوة قادمة، يتابع د. راشد: «من هذا المنطلق كان للكهنة حظوة عالية أو مكانة اجتماعية مرموقة عند علية القوم، يغسلون أدمغتهم ويقرؤون أفكارهم... لا شك أن الدجّال يستطيع أن يستشفّ نقطة ضعف السائل، فيستغلّها ويبني عليها أوهاماً كثيرة تشعره بالأمل والأمان. لذلك، يطلق عليهن اسم «بائعي الأمل أو تجار الأمل».. ولا علاقة للنجوم والكواكب أبداً بقراءة المستقبل؛ لذلك نهانا رسولنا الكريم (عليه الصلاة والسلام) عن استشارة العرّافين والدجّالين؛ لأنهم يضرّون الإنسان ويعيّشونه بوهم، والله عزّ وجلّ أعلم بالمستقبل».

يلوم د. شهاب الدين وسائل الإعلام التي أعطت مساحة للمنجّمين بالظهور والتأثير في الرأي العام، إلا أن الخصائص الشخصية للأفراد (المستوى العلمي والالتزام الديني...) ممكن أن تلعب دوراً بارزاً في تصديق هذه الظاهرة أو رفضها، يعلّق قائلاً: «هي مسائل متروكة للصدفة، فقد تحدث أو لا تحدث، وهذا ما يتعارض مع العلم الذي لا يقبل بأمور تحتمل التخمين بهذا الشكل».

تابعي المزيد: في اليوم العالمي للطفل ..كَيفَ نَحميْ أجْيالَ المُستَقبَلْ؟