رائدة الأعمال سارة الشروقي: أقول لكل أم ابدئي من لا شيء، لكن تعرّفي إلى قدراتك أولاً

رائدة الأعمال سارة الشروقي: أقول لكل أم: ابدئي من لا شيء، لكن تعرّفي إلى قدراتك أولاً
رائدة الأعمال سارة الشروقي

امرأة تتحدى النمطية، مشاغبة، كما ترى نفسها؛ ذلك أنها تحب الخروج عن المألوف.. تحب كل جديد يخرجها عن النمطية؛ لكنها في الوقت نفسه تحترم بيئتها وعاداتها وتقاليدها، وهذا برأيها، لا يمنع، وكما يقال، إن القواعد خلقت لتكسر.. هي رائدة الأعمال والمؤثرة الإماراتية سارة الشروقي.. المرأة المشغولة بأولادها أكثر من حياتها الشخصية، التي حسب قول الناقد الكندي «نورثروب فراي» لا تؤمن بالثوابت، وقد لا يأخذها الأمر، وتجد أن هناك صوراً مغلوطة أعطيت عن المرأة، ويهمها أن تكسرها، خاصة في نطاق العمل. «سيدتي» التقت سارة الشروقي في حديث أمومي وصريح خارج النمطية كما أرادت.

رائدة الأعمال سارة الشروقي

تعمل سارة على تعزيز صورة المرأة الإماراتية الناجحة من خلال تمكين الشركات الناشئة في مراحلها المبكرة، عبر دفع عجلة الابتكار في القطاعات الحيوية، فعندما أنشأت شركاتها الثلاث: شركة رفلكت للفنون الإبداعية Conclusive لإدارة الاتصال، وإدارة الإعلام، وأخرى للتصميم الداخلي اسمها NV، في السنوات القليلة الماضية، وجدت أن تأسيس الأعمال في الإمارات ليس بالتعقيد الذي يتوقعه الناس، لذلك كرست جزءاً من وقتها لتعلمهم أهم الطرق التي تمهد لهم الظروف لإنشاء شركات، وبحكم خبرتها السابقة في المجال المؤسسي لمدة 23 عاماً، التي وصلت خلالها إلى مناصب عليا، واكتسبت مهارات تحاول إيصالها إلى المجتمع، لكنها تستدرك قائلة: «أستهدف فئة ربات البيوت اللواتي ليس لديهن عمل مؤسسي، فكل امرأة يمكنها أن تدير أعمالاً من المنزل، خاصة بعد أن يكبر أطفالها ويصبحوا قادرين على الاعتماد على أنفسهم».

أشعر بسعادة الإنجاز

صممت سارة مع فريق عملها برنامجاً مع خبير مالي معروف، وخلال 16 ساعة يمكن لأي مشاركة أن تضع أساسيات العمل الذي تفكر فيه.. حاجات هذا العمل وخطته، ودراسة الجدوى الخاصة به، تتابع قائلة: «أنا لا أطلب من المشاركة أن ترسم لي هذه الخطوات، لكننا من خلال البرنامج نعلمها خطوة بخطوة، وخلال هذه الساعات الـ 16 يمكنها بناء مشروعها بنفسها، وقد نفذنا هذا البرنامج لمرتين، خرجنا خلالهما بـ 6 مشاريع لسيدات، بعض المشاريع كانت بسيطة، وبعضها متقدمة كإنشاء تطبيقات هاتفية Apps. يختلف برنامجنا عن الدورات التدريبية المحددة المنهج؛ حيث نقدم كل ما تحتاج إليه السيدات من استفسارات، فأنا أناقش معهن الكثير من التفاصيل، وهذا جهد يشعرني بسعادة الإنجاز؛ لأنني أقدم ما تعلمته للآخرين، يهمني جداً أن أعود بالفائدة على من حولي بخبراتي».

أستهدف فئة ربات البيوت لأساعدهن على بدء مشاريعهن الخاصة، وأنقل إليهن خبراتي عبر برنامج يساعدهن على ذلك

 

اعرفي مصدر قوتك

تنظر سارة بعين العطف إلى كل أم مشغولة بتربية أولادها في السنوات الأولى، تتابع قائلة: «بحكم أن عندي 5 أطفال، كنت أتابعهم كل لحظة بلحظتها، لكنني الآن تعديت هذه المرحلة، اثنان منهم تخرجا، وهم يعتمدون على أنفسهم، فإلى جانب حاجة الأم المادية، هي أيضاً تحتاج إلى ملء فراغها، وغالباً ما يسألن عما إذا كان من الممكن إيجاد وظيفة مؤسسية على الرغم من انعدام خبرتهن. وهنا أؤكد لهن أن الفرص المتاحة في مجال ريادة الأعمال ليست بعيدة عن متناولهن، وأنني وفريقي على أتم الاستعداد لمساعدتهن». وتقدم سارة استشارات أولية مجانية لمن يود يخوض هذا المجال.

ليس هناك صح وخطأ في الفن

أطلقت تمكين منصة «تسريع الأعمال» ومقرها جامعة نيويورك أبوظبي، جائزة أفضل مشروع، وقد تم اختيار سارة ضمن أفضل 51 امرأة إماراتية ناجحة عام 2022، ونالت الجائزة التي سلطت الضوء على مركز رفلكت للفنون الإبداعية من قبل مؤسسة «ستارت إيه دي»، وعنها تقول سارة: «فزنا بالجائزة بسبب استمرار نجاح مركز رفلكت في مجتمع حديث العهد في مجال الفنون، فقد حققنا النجاح خلال 6 سنوات، وتخطينا مرحلة كوفيد، والعقبات التي واجهت أغلب الشركات، هدفنا الأساسي من إنشاء المركز هو أن نوصل متعة الفن إلى المجتمع، عن طريق توفير بيئة صديقة آمنة لكل المشاركين؛ حيث يتمكنون من التعبير عن ذواتهم عن طريق الفن، فأنا مقتنعة أن الفن ليس مجرد شيء أكاديمي يدرس، هي تقنيات تكون وسيلة للتعبير، هناك من يعبر بالكلمات، أو بلغة الجسد، أو بالمظهر، وهناك من يعبر بالفن، بالتالي ليس من المنطقي أن نقول إن هناك صحاً وخطأً في الفن، فنحن لا نطلق الأحكام على مشاركنا المبتدئ، فليس هناك فنان فاشل».

تابعي المزيد: سيدة الأعمال مها شيرة: أسست مجتمعاً يليق بتطلعات رائدات الأعمال


أطور المهارات أيضاً

يوفر مركز رفلكت أكثر من 100 ورشة مختلفة، كل ورشة لها جمهورها، تخدم كل الفئات العمرية لا تتعدى السنة ونصف السنة، لغاية 99 سنة، والفكرة أن كل برنامج مصمم بطريقة سهلة يديره فنانون محترفون، يرافقون الطالب خطوة بخطوة، تستطرد قائلة: «نحن لا نطلب الخبرة من المشاركين؛ لأننا نعلمهم من الأساس حتى مراحل متقدمة، وبعد 6 سنوات من العمل والنجاح قررت توسيع أفق اتجاه المركز الذي بدأ بمجال الفنون، وسيستمر في مجال الفنون، لكنه سيركز أيضاً على تطوير المهارات، مثل الصحة النفسية، ومهارات إدارة الوقت، والاتصال الجماهيري، وإدارة المال، وتطوير المواهب والمهارات، وصرت أخطط لأعمالي من خلاج دمج إمكانات شركاتي الثلاث، عند إقامة أي فعالية، ودور رفلكت هو وضع المحتوى لهذه الفعالية. الفعاليات التي عملناها كانت في إمارات الدولة من الفجيرة إلى الرويس، بعضها كان بشراكات حكومية وبعضها الآخر مع جهات خاصة».

أطرح المواضيع الإنسانية

رائدة الأعمال سارة الشروقي

سارة سيدة ناشطة في إثارة المواضيع على وسائل التواصل الاجتماعي، تعودت أن تطرح مواضيع حساسة، قد لا يجد الكثيرون الجرأة لطرحها، وتناولها من باب المنطق، بعيداً عن التصلب والرفض، تتابع ضيفتنا: «صحيح أن ليس عندي آلاف المتابعين، لكن مواضيعي خارجة عن النمط، قد يجد الناس حرجاً في طرحها، أطرحها بطريقة لا تتعدى حدود الاحترام، مستندة إلى أسس علمية، وعلى الرغم من أنني لا أفضل إثارة الجدل، لكن الجدل يفرض نفسه أحياناً على الموضوع، ويديره عمداً، مثل الموضوع الإنساني الذي أثرته عن ذوي الهمم، وقد تمت مناقشتي مباشرة على الخاص، فأنا لا أحب النقاش الذي يصغّر من قيمة الناس بشكل علني».

بحكم عمل سارة الشروقي في شركات الإعلام والتسويق، وآخر حكومية وخاصة، في صناعة الطيران، والرعاية الصحية والدفاع، كل هذا أهلها لإعطاء استشارات في مجال القطاع الاستراتيجي، وإدارة الأزمات، والتسويق، والاتصال الرقمي، حتى أنها تعطي استشارات للموازنة بين العمل والمنزل، وفي فن التعامل مع المراهقين».

أمي هي صديقتي

كانت سارة البنت الوحيدة، بين ثلاثة شبان، تعيش في أجواء صحية فنياً وثقافياً وإبداعياً، صوتها دائماً مسموع، هي وأمها فنانة الموزاييك نسيم الماجد، تعيشان ترابطاً قوياً، وحسبما كشفت سارة، أنها لم تستوعب تماماً أن نسيم هي أمها إلى أن وصلت إلى سن المراهقة، تستدرك قائلة: «كانت تشبهني تماماً، حتى في طولي، كنت أعدها أختي أو صديقتي.. لم أعش معها إحساس رهبة الأم، بيننا ود لا يوصف، حتى أنني أنشأت مركز رفلكت، لأجلها، وكانت تريد مكاناً تبيع إنتاجها الفني، وتعلم فيه الناس فن الموزاييك في الوقت نفسه، اشتريت المكان ووضعته باسمي لأريحها من المتابعات الإدارية، ومع الوقت وجدت نفسي مهتمة بشكل عميق بالمركز، وعندما تقاعدت، صار عندي وقت أكثر وأصبحنا شريكتين أنا أدير الجانب الإداري، وهي الفني، فمساعدتها لي في رعاية أولادي، فسحت لي المجال لأكون ما أنا عليه اليوم».

تابعي المزيد: مديرة مجلس سيدات أعمال الشارقة مريم بن الشيخ: كلّما تغيّر العالم ازدادت التحديات

مرضي جعلني قوية

مرت رائدة الأعمال بمراحل عديدة في حياتها، كانت موظفة، ثم زوجة، ثم أماً انفصلت عن زوجها، ثم صاحبة عمل، ثم متقاعدة، وعنها تقول: «كلها مراحل صقلت شخصيتي، وقد عشت فيها ظروفاً صحية صعبة هي التي غيرت شخصيتي، فبعد شهرين من طلاقي، اكتشفت أن لدي أوراماً في البنكرياس، كانت صدمة عمري؛ حيث سافرت لإجراء العملية بينما كان عمر ابني 6 أشهر، في تلك الفترة ودعت كل ما حولي، لم أكن أدري هل سأرجع أم لا، صرت أنظر إلى نفسي من الخارج، أحاكيها وأقول لست أنا المريضة بل سارة هي المريضة، لكنني بعد إجراء عملية ناجحة لمرض كان في مراحله الأولى، صرت أقوى، وبدأت أستوعب أنني أهملت سارة صحياً ونفسياً، وأعطي كل وقتي لعملي وأولادي، لم أكن موجودة في قائمة أولوياتي، فأعدت جدولة حياتي ووزعتها بين عملي وأولادي ونفسي أنا، وصرت أكثر دقة في اختيار الأصدقاء، من أريدهم بجانبي، ومن أريدهم أن يخرجوا من حياتي، أنا قوية منذ صغري، لكنني أصبحت أقوى بعشرة أضعاف بعد شفائي من المرض».

أهم ما زرعته سارة الأم في أولادها الخمسة هو الصدق، وأن يكون لديهم دراية عن حقيقتهم تجعلهم يدركون نقاط ضعفهم وقوتهم مع أنفسهم ومع الناس، ويعملون على شخصياتهم من هذا المنطلق، وهم معتمدون على أنفسهم. فلم يعد يقلقها أن يسافروا وحدهم لغرض الدراسة، أهم شيء أن يتلمسوا النقاط التي تتطلب التحسين في ذواتهم. «بحكم انفصالنا كنت أخاف أن يؤثر هذا في شخصياتهم، لكن الحمد لله، الحوار المفتوح دائماً بيني وبينهم، لا يدع للمشكلة مكاناً، كما أن حياتهم العملية وتفوقهم يثبتان قوتهم ونجاحهم في التعايش».

الفن ليس مجرد شيء أكاديمي يدرس، هي تقنيات تكون وسيلة للتعبير

 

الصحة النفسية

تحدثت ضيفة حوارنا عن جيلها الذي كان موجهاً أكثر من أولياء الأمور، حتى في اختيار مجال الدراسة، وفي سلوك النهج العلمي أو الأدبي، وكان الأمر عادياً في تلك الأيام؛ إذ تقول: «ربما، اليوم، لا أشعر بضرورة التحكم في مسيرة أولادي، فسابقاً كان مصدر الرزق الأول للإنسان هو حصول الفرد على وظيفة، أما اليوم فقد صار للعمل الحر سوق كبيرة، وازدادت فرصه، كما أن هناك عاملاً مهماً لم يكن متداولاً في أيامنا، وهو عامل الصحة النفسية، كان يفترض على المرء الذهاب إلى عمله سواء كان مرتاحاً أم لا، الجيل الجديد، يبحث عن صحته النفسية، ولا يجد نفسه مضطراً للدوام عند مدير صعب، الغالبية يسعون إلى إنشاء عمل خاص بهم، تعودت أن أعطي أولادي وجهة نظري لا أكثر، وفي النهاية قناعتهم هي التي تجعلهم يتحملون المسؤولية».

«سيكولوجية الجماهير»

إلى قبل ست سنوات، كانت قراءات سارة في مجال الإدارة وباللغة الإنجليزية، إلى أن لاحظت أن مكتبتها صارت شحيحة بكتب اللغة العربية، مقابل كتب الإدارة، فانتسبت إلى مجموعة القراءة والاطلاع، التي تديرها السيدة أشواق بنت إبراهيم العبد المنعم، حرم سفير خادم الحرمين الشريفين في دولة الإمارات، في النادي كتب عربية متنوعة بين الرواية وكتب تطوير الذات والسير الذاتية، تتابع: «كنا نجتمع شهرياً لمناقشة الكتاب الذي قرأناه، فالقراءة أكبر نعمة في حياتي، لكنني أهملت قراءة كتاب لعشر سنوات، وبعد قراءته، اكتشفت أنني تأخرت كثيراً في الوصول إليه، وهو بعنوان: «سيكولوجية الجماهير»، كنت أعتقد أنه متخصص في تطوير الذات، وأنا لا أحب كتب تطوير الذات، الكتاب اختصر واختزل كل الخبرات التي تعلمتها خلال هذه السنوات، فلو أنني قرأته منذ 10 سنوات لما انتظرت إلى حين جمع كل هذه الخبرات».

وعن خبرة سارة من خلال أسفارها تختار مراكش بما تتضمنه من تنوع ثقافي ومعماري وجمالي غير مسبوق، وحسب قولها، إنها تركت قلبها في مراكش ورجعت، هذا بالنسبة إلى بلد، أما كمكان ثقافي فهو أوبرا دبي، التي تحب متابعة فعالياتها، وتختم حديثها بأجمل شيء في كل حياتها وهم أولادها، وتختم: «أطفالي هم فخري».

تابعي المزيد: أسست أول موسوعة رقمية أدبية.. رائدة الأعمال نجلاء المطوع: رحلة العمل الابتكاري طويلة والعالم الرقمي تملؤه التحديات