في زمن تتسارع فيه الابتكارات وتحتدم فيه المنافسة، تظهر حاجة ملحة لإعادة النظر في طريقة فهمنا للنجاح في ريادة الأعمال. من هنا تبرز مفاهيم غيَّرت عالم ريادة الأعمال مثل استراتيجيات المحيط الأحمر والأزرق، فما هي؟ وكيف يمكن أن يستفيد منها رواد الأعمال؟
التقت "سيدتي" بالدكتورة عائشة البوسميط، الكاتبة والإعلامية وخبيرة العلاقات الدولية والكوتش في الدبلوماسية؛ لتطرح منظوراً مغايراً يعتمد على مفاهيم "المحيط الأزرق" و"المحيط الأحمر"، وهي مفاهيم استراتيجية استمدتها من كتابٍ أحدث نقطة تحول في مسيرتها القيادية.
في حديثها إلى مجلة "سيدتي"، شاركتنا د. البوسميط تجربتها الشخصية والمهنية مع هذه الاستراتيجية، وما الذي يمكن أن تقدمه لرائدات الأعمال وصانعي القرار في عالم يتغير كل لحظة.
منظور مختلف

تقول د. عائشة: "في إطار مشاركتي ضمن فئة القيادات الحكومية في برنامج محمد بن راشد لإعداد القادة، تم توزيع كتاب استراتيجية المحيط الأزرق لقراءته وتحليله. لم يكن كتاباً إدارياً تقليدياً، بل كان دعوة لتبني منظور مختلف في التفكير والعمل."
وتضيف: "الكتاب، من تأليف البروفيسور دبليو. تشان كيم ورينيه موبورني، يدعو القادة وصناع القرار إلى مغادرة الأسواق التقليدية المزدحمة، والبحث عن مساحات جديدة خالية من المنافسة، عبر تقديم قيمة ابتكارية فريدة. تعلمت من خلاله أن النجاح لا يتحقق فقط عبر التفوق على الآخرين في ساحة واحدة، بل في القدرة على رسم ساحة جديدة بالكامل؛ حيث لا تنافس إلا نفسك، وتضع أنت قواعد اللعبة."
المحيط الأحمر.. عندما يكون السوق ساحة حرب

توضح د. البوسميط أن "المحيط الأحمر" يمثل الأسواق التقليدية التي تتنافس فيها الشركات على نفس الفئة من العملاء، بنفس المعايير تقريباً. وتقول: "هذا النموذج يُجبر المؤسسات على أن تتحرك ضمن قواعد مفروضة مسبقاً. الجميع يتنافس على نفس الكعكة بدلاً من أن يخبزوا كعكة جديدة، مما يؤدي إلى صراع مباشر، وحرب أسعار، وتقليص في الهوامش الربحية دون تقديم قيمة جوهرية جديدة."
تسود في هذا المحيط عقلية الكم، وليس النوع؛ حيث تركز المؤسسات على الاستحواذ بدلاً من الابتكار، وتخسر كثيراً من طاقتها في لعبة لا رابح فيها.
المحيط الأزرق.. عندما تُخترع الأسواق من جديد

أما "المحيط الأزرق"، كما تشرحه د. عائشة، فهو يمثل المساحة التي تُخلق فيها الأسواق الجديدة بالكامل. لا يكون فيها هدف الشركة التفوق على المنافسين، بل تجاوزهم تماماً من خلال تقديم عرض ذي قيمة عالية، يلبي احتياجات غير مخدومة أو غير مكتشفة من قبل.
وتقول: هذا التوجه لا ينشأ من فراغ، بل من قدرة المؤسسة على الجمع بين الابتكار والاحتياج الفعلي للجمهور بطريقة تخلق فيها طلباً جديداً بدلاً من التنافس على الطلب القائم.
أمثلة على استراتيجيات المحيط الأحمر والأزرق
ولمزيد من التقارب، تعزز د. عائشة حديثها بأمثلة حية:
- شركة Apple حين أطلقت iTunes وiPhone لم تكتفِ بتقديم منتج، بل صممت منظومة حياة كاملة تربط بين الموسيقى والتواصل وتطبيقات اليومي.
- Cirque du Soleil أعادت اختراع عروض السيرك من خلال إزالة العنصر الحيواني، ودمج المسرح بالموسيقى والعروض الفنية.
- منصة Airbnb خلقت نمطاً جديداً في عالم الضيافة، مكَّنت من خلاله الأفراد من تأجير مساحاتهم الخاصة، دون أن تمتلك الشركة عقاراً واحداً.
أدوات عملية لبناء المحيط الأزرق
تشير د. البوسميط إلى أن الانتقال من المحيط الأحمر إلى الأزرق لا يتم بقرار نظري، بل يحتاج إلى أدوات تعزز التفكير الابتكاري. ومن أبرز هذه الأدوات أداة SCAMPER التي طورها الباحث بوب إبرل.
قاعدة SCAMPER
هو اختصار لسبع تقنيات تفكير: الاستبدال، الدمج، التكيّف، التعديل، الاستخدام في غرض جديد، الإلغاء، والعكس أو إعادة الترتيب. ومن خلال طرح هذه الأسئلة على أي مشروع أو منتج أو خدمة، يمكن توليد أفكار جديدة بالكامل قد تفتح لنا أبواباً نحو محيطات زرقاء لم تُكتشف بعد.
وتقول: مثلاً، حين نستبدل عنصراً في الخدمة، أو ندمج بين فكرتين، أو نستخدم المنتج في مجال مختلف تماماً، فإننا نعيد ابتكار القيمة بشكل ملموس. وتضيف: أن هذا ما نراه اليوم في استخدام الواقع الافتراضي في التعليم، أو تحول قوائم الطعام إلى رموز QR، أو حتى أنماط البيع المباشر من دور النشر إلى القراء.
التفكير التصميمي
منهجية أخرى تعتمد عليها د. عائشة هي التفكير التصميمي (Design Thinking)، الذي طُور في وادي السيليكون، وانتشر في كبرى الجامعات العالمية مثل Stanford وMIT، وتستخدمه شركات مثل Google وNike.
تقول د. عائشة: التفكير التصميمي لا يبدأ من الحل، بل من الإنسان. نحن نصمم بالإنصات لحاجات الناس، ونبني النماذج بناءً على تغذيتهم الراجعة. وتمر المنهجية بخمس مراحل:
- التعاطف مع المستخدم.
- تحديد المشكلة.
- توليد الأفكار.
- النمذجة الأولية.
- الاختبار.
هل نملك الشجاعة لنرسم محيطنا؟

في ختام حديثها، توجه د. عائشة البوسميط رسالة لكل رائدة أعمال: استراتيجية المحيط الأزرق لا تعني الهروب من المنافسة، بل تعني الشجاعة في إعادة تعريفها. SCAMPER ليست مجرد أداة إبداع، بل بوابة لتفكيك القيود الذهنية. أما التفكير التصميمي فهو ليس خطوات جامدة، بل رؤية إنسانية عميقة.
اقرأوا أيضاً: أسئلة تُقلق روّاد الأعمال الصغيرة في 2025: إليكم الإجابات