في ظل نمو ريادة الأعمال والإقبال المتزايد على تأسيس شركات ناشئة وتزايد الحاجة إلى التميز في بيئة أعمال تتسم بالمنافسة والتحول الرقمي، لم تعد العلاقات العامة خياراً ثانوياً، بل أصبحت عنصراً أساسياً في بناء الهوية المؤسسية، وترسيخ السمعة، وتحقيق الاستدامة، والنمو.
في هذا السياق، تناقش "سيدتي" الدور الاستراتيجي للعلاقات العامة، وأهمية استثمارها بذكاء في عالم ريادة الأعمال الحديث، مع المستشار الإعلامي والمحاضر وخبير تطوير الأعمال حسام راضي الحرباوي، الذي وصف فريق العلاقات العامة بأنه "صوت المؤسسة وعينها على الجمهور"، وأكد أن "القائد الذكي يدمج العلاقات العامة منذ البداية ولا يستدعيها عند الأزمات فقط"، كما وناقشنا معه في حوار موسع العديد من النقاط المهمة حول هذا الموضوع..
العلاقات العامة أكثر من مجرد تواصل

برأيك، ما هي الركائز الأساسية التي يجب أن تعتمد عليها أي مؤسسة لضمان أن تكون العلاقات العامة لديها أداة استراتيجية فعالة وليست مجرد وظيفة تنفيذية؟
العلاقات العامة تُعد العقل الاتصالي للمؤسسة، والذراع الفعالة في بناء جسور الثقة مع الجمهور داخلياً وخارجياً. تنطلق مهامها من تشكيل الصورة الذهنية للمشروع، والتواصل الاحترافي مع وسائل الإعلام بكافة أشكاله وصوره المسموع والمقروء، والتفاعل الذكي عبر المنصات الرقمية، وصولاً إلى إدارة الأزمات وقياس الانطباعات العامة. ويبقى الهدف الأهم هو ترسيخ انطباع إيجابي ومستدام يُجسد هوية المشروع وقيمه، ويُثمر عن فرص حقيقية للنمو والتوسع في محيطه ودخول أسواق جديدة.
من البداية وحتى ما بعد النجاح

متى يجب أن تبدأ المؤسسة بتفعيل دور العلاقات العامة ضمن خطتها الاستراتيجية؟ وهل التأخير في ذلك يؤثر على صورتها وهويتها؟
يبدأ دور العلاقات العامة منذ اللحظة الأولى في التخطيط لأي مشروع، إذ ينبغي أن تكون جزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجية الأساسية، لا مجرد أداة تنفيذية لاحقة حيث يقع الكثير في هذا الفخ. فهي لا تقتصر على نقل الصورة إلى الجمهور، بل تُشارك بفعالية في صناعتها وتوجيهها بما يعكس أهداف المشروع وقيمه. ولا يتوقف دورها عند تحقيق النتائج المرجوة؛ بل تمتد مهمتها إلى ما بعدها، من خلال تحويل النجاحات إلى روايات وقصص مُلهمة تُروى للجمهور، وتُعزز من الصورة الذهنية للمشروع، وتفتح آفاقاً أوسع للفرص والشراكات المستقبلية. فالعلاقات العامة ليست مرحلة عابرة تنتهي بانتهاء المشروع، بل مساراً استراتيجياً متكاملاً لبناء الحضور المؤسسي المستدام.
إذا كنت رائد أعمال، قد يهمك أن تعرف أيضاً كيف تختار نوع الهيكل التنظيمي المناسب لشركتك؟
سر القوة في دعم الإدارة
"الثقة لا تُبنى بالحملات المؤقتة، بل بالتواصل المستمر والواعي"
حسام راضي الحرباوي
ما العناصر التي يجب أن تتوافر داخل المؤسسة لضمان علاقات عامة فعالة ومستدامة؟
لتحقيق علاقات عامة فعالة ومستدامة، هناك عناصر أساسية لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستغناء عنها. في مقدمتها:
- دعم حقيقي وواضح من الإدارة العليا، يُترجم إلى التزام استراتيجي بأهمية التواصل المؤسسي.
- يلي ذلك وجود فريق متخصص يتمتع بالمرونة والقدرة على التكيف مع التغيرات،
- إلى جانب رؤية اتصالية واضحة تُوجه الجهود وتضمن الاتساق في الرسائل.
- كما أن امتلاك شبكة علاقات قوية ومتنوعة سواء مع وسائل الإعلام أو صُناع القرار أو المؤثرين، يُعد ركيزة لبناء حضور مؤثر ومصداقية عالية.
فالعلاقات العامة الناجحة لا تُدار كردود أفعال ظرفية، بل تُبنى ضمن استراتيجية شاملة ومتكاملة، تُوظف فيها كل الأدوات المتاحة لتعزيز صورة المؤسسة وتحقيق أهدافها على المدى الطويل.
ما أبرز المعوقات التي تحدّ من فاعلية العلاقات العامة داخل المؤسسات، وكيف يمكن تجاوزها لضمان تأثير حقيقي؟
من أبرز المعوقات التي تُضعف فاعلية العلاقات العامة:
- النظر إليها كـ "زينة إعلامية" أو ترف مؤسسي، بدلاً من اعتبارها وظيفة استراتيجية محورية تكاملية. حين يُهمّش دورها، وتُحرم من الدعم الإداري والصلاحيات والموارد اللازمة، تصبح عاجزة عن تحقيق أي تأثير حقيقي بما ينعكس بالسلب لاحقاً على المشروع.
- كما أن غياب التواصل الفعال بين الإدارة العليا وفريق العلاقات العامة يُفرغ الجهود من مضمونها، ويُضعف القدرة على التفاعل مع التحديات بمرونة واحترافية.
- ولا يقل أهمية عن ذلك، غياب البيانات الدقيقة والتحليلات الواقعية، ما يؤدي إلى إنتاج رسائل سطحية لا ترتكز على فهم عميق للجمهور أو السياق، وبالتالي لا تصمد أمام الأزمات ولا تُحقق الأثر المرجو.
فالعلاقات العامة القوية لا تُبنى على الشعارات، بل على الثقة، والمعرفة، والتمكين الفعلي.
دور القائد في تفعيل العلاقات العامة

"منشور واحد لا يصنع صورة.. لكن استراتيجية ذكية ومتكاملة تفعل ذلك"
حسام راضي الحرباوي
كيف يؤثر مستوى دعم مدير العلاقات العامة على قدرة الإدارة في بناء الصورة الذهنية وتحقيق التأثير الاستراتيجي؟
يُعد مدير العلاقات العامة العامل الحاسم في تفعيل دور العلاقات العامة داخل المؤسسة. فالمسؤولية تبدأ منه، عبر دمج العلاقات العامة في الهيكل المؤسسي منذ لحظة التأسيس، وليس التعامل معها كأداة إسعافية تُستدعى فقط في أوقات الأزمات. فكل مشروع ناجح يحتاج إلى استراتيجية اتصال متكاملة تُبنى من الأعلى وتُترجم إلى أداء ملموس.
وعلى المدير أن يمنح فريق العلاقات العامة صلاحيات حقيقية ومساحة من الثقة لاتخاذ قرارات تواصلية مدروسة، مع توفير الموارد والدعم اللازمين. كما يجب أن تُقاس نتائج العمل وفقاً للأثر الفعلي على الصورة الذهنية، وبناء العلاقات، وتعزيز ولاء الجمهور، لا بمجرد عدد المنشورات أو حجم التغطيات الإعلامية. فالمدير الواعي يدرك أن العلاقات العامة ليست مجرد واجهة، بل قوة استراتيجية تسهم في صنع المستقبل المؤسسي بثبات وذكاء.
معايير اختيار الفريق
ما المعايير التي يجب أن تتوافر في فريق العلاقات العامة لضمان كفاءته في التفكير، وإدارة السمعة، والتفاعل السريع مع الجمهور ؟
يتطلب بناء فريق علاقات عامة فعّال مراعاة عدد من المعايير الجوهرية، أهمها:
- الفهم العميق لطبيعة السوق المحلي والجمهور المستهدف.
- القدرة على التفكير الاستراتيجي والإبداعي.
- امتلاك مهارات متقدمة في إدارة السمعة، وبناء العلاقات الإعلامية، والتعامل السريع مع المواقف الطارئة.
- كما أن روح المبادرة، والوعي بالصورة الكبرى للمشروع، والشغف بالتواصل الحقيقي عوامل لا غنى عنها.
قيمة مضافة

في منطقة الخليج التي تُعد من أكثر البيئات الاقتصادية والإعلامية ديناميكية، يمثل وجود شريك متخصص في العلاقات العامة قيمة مضافة، خصوصاً للشركات الناشئة أو تلك التي لا تمتلك بنية اتصالية داخلية قوية. ومع ذلك، فإن تشكيل فريق داخلي محترف يبقى خياراً استراتيجياً مهماً، خاصة عندما يقوده شخص لديه رؤية واضحة، وفهم عميق لثقافة المشروع، وعلاقات فعالة في الوسط الإعلامي. هذا القائد يشكّل عنصر الربط الحيوي بين هوية المؤسسة وسردية تواصلها مع الجمهور.
وفي حال الاستعانة بشركة علاقات عامة خارجية، يُستحسن وجود مستشار إعلامي داخلي يعمل كحلقة وصل بين الإدارة والشركة، لضمان اتساق الرسائل الإعلامية مع هوية المؤسسة وأهدافها، وتقديم التوجيه الاتصالي اللازم بما يتناسب مع خصوصية السوق المحلي.
الشركات المتخصصة في العلاقات العامة تُعد شريكاً مهماً في حالات معينة مثل الحملات الكبرى، وإطلاق المبادرات، أو التوسع الدولي. لكنها لا تلغي أهمية وجود عقل استراتيجي داخلي يدير التواصل المؤسسي من الداخل، ويضمن الاستمرارية والفعالية في التفاعل مع المتغيرات اليومية.
وأيضاً لرائد الأعمال: خمس استراتيجيات لضمان وصول رسائلك إلى الموظفين