mena-gmtdmp

الشيف المصرية سوزان مختار: أحرص على توازن الأصالة والحداثة في المذاق

الشيف المصرية سوزان مختار
الشيف المصرية سوزان مختار

في منزلٍ، امتلأ برائحةِ البهاراتِ السوريَّة، ودفءِ الأطباقِ المصريَّة، نشأت سوزان مختار بين ثقافتَين، شكَّلتا ذائقتها الأولى، ووُلِدَ فيه حبُّها للمطبخ. خلال طفولتها، كانت تجلسُ إلى جوارِ والدتها السوريَّةِ وجدَّتها، وتراقبُ باندهاشٍ كيف تتحوَّلُ المكوِّناتُ البسيطةُ إلى أطباقٍ تنبضُ بالحبِّ دون أن تدري أن تلك اللحظاتِ البسيطة، ستفتحُ أمامَها أبوابَ الشغفِ الذي سيُغيِّر مسارَ حياتها.
 

مروة عوض Marwa Awad
تصوير | يحيى أحمد Yehia Ahmed


الشيف سوزان مختار

الشيف سوزان مختار

 

والدها، الرجلُ الذي أحبَّ الطعامَ كما أحبَّ التفاصيل، كان أوَّلَ مَن التقطَ موهبتها. هو لم يُقدِّم لها ألعاباً، أو رواياتٍ، بل أهدى إليها كتبَ الطبخ، لتُصبِحَ صفحاتُها الأولى بدايةَ الطريقِ نحو حلمٍ أكبر. ومن بين دفاترِ النكهات، وأعوامِ التجارب، انتقلت سوزان من مطبخِ العائلةِ إلى أعرقِ مدارسِ الطهي العالميَّةِ في لندن، واكتشفت هناك أن المطبخ، ليس مجرَّد هوايةٍ، وإنما فلسفةٌ في التنظيمِ والانضباطِ والإبداع.

وعندما عادت إلى مصر، كانت تحملُ رسالةً مفادها بأن المطبخ، ليس مجالاً رجالياً بحتاً، بل هو مساحةٌ، تتَّسعُ لشغفِ المرأةِ وإبداعها، لذا أسَّست مدرستَها الخاصَّةَ لتعليمِ فنون الطهي، وبدأت تنقلُ تجربتها إلى الأجيالِ الجديدةِ بصدقٍ وحبٍّ ومعرفةٍ. وبمناسبةِ اليومِ العالمي للشيف، التقت «سيدتي» سوزان مختار في مدرستها لتعليمِ الطهي حيث فتحت قلبها، لتروي حكايتَها كما عاشتها من مطبخِ العائلةِ إلى مدرستها الخاصَّة، ومن الملعقةِ الخشبيَّةِ الأولى إلى أحلامٍ، لا تزال تُطهى على نارٍ هادئةٍ.

ومن عالم الطبخ يمكنك التعرف على الشيف الكويتية عائشة الفارسي

الشيف سوزان مختار


متى بدأ حبُّكِ للمطبخ، وهل تتذكَّرين أوَّلَ طبقٍ أعددتِه بنفسكِ؟

حبِّي للمطبخِ، بدأ في سنٍّ صغيرةٍ، وحسبما أتذكَّرُ قبل دخولي المرحلةَ الثانويَّة. والدي هو الذي اكتشفَ هذا الشغفَ لدي، لأنني لم أكن أدرك في البدايةِ أنني أملكه. كنت فقط أحبُّ دخولَ المطبخِ مع والدتي وجدَّتي، ودائماً ما كنت أتلقَّى منهما ومن أهلي كلماتٍ جميلةً عن الأكلِ الذي أعدُّه، لكنَّني لم أكن أرى الطبخَ مهنةً في البداية، وإنما “حبٌّ بسيطٌ”.

لا أذكرُ جيداً أوَّلَ طبقٍ أعددته، لكنَّني أتذكَّرُ أنني صنعتُ مرَّةً “آيسكريم” لصديقاتي، واندهشن من طعمه بالقول: “ما هذا يا سوزان؟”. ربما كنت وقتها في المرحلةِ الابتدائيَّة، ومنذ ذلك اليوم، بدأت أركِّزُ، وأرى أن هناك شيئاً خاصاً لدي.

والدكِ كان أوَّلَ مَن لاحظَ موهبتكِ وشجَّعكِ، كيف تصفين شغفكِ بالطبخ؟

أنا من عائلةٍ، تُحبُّ المطبخَ كثيراً. والدتي سوريَّةٌ، ووالدي مصري، والسوريون معروفون بقوَّةِ حضورِ المطبخِ في ثقافتهم، ثم إن والدي يحبُّ الأكلَ كثيراً، لذا كان أوَّلَ مَن لاحظَ أن لدي شغفاً بالطهي، ولولاه ربما ما كنت سأسلك هذا الطريق. كان يُشجِّعني دوماً، وفي ذلك الوقتِ، لم يكن هناك “يوتيوب”، أو “سوشال ميديا”، لذا كان المصدرَ الوحيدَ للمعرفة، هو الكتب. كان يُفاجئني دائماً، مثلاً كان يذهبُ إلى معرضِ الكتاب، ويعودُ محمَّلاً بكتبِ الطهي، ومن هنا بدأتُ أتعلَّمُ، وأجرِّب، وأثقِّفُ نفسي حتى قرَّرت تحويلَ الأمرِ إلى دراسةٍ لأجعله مسيرةً مهنيَّةً احترافيَّةً.

 

كبرتِ بين ثقافتَين، سوريَّة ومصريَّة، كيف انعكسَ ذلك على ذوقكِ ومذاقاتكِ في المطبخ؟

لأن والدتي سوريَّةٌ، ووالدي مصري فقد جعل ذلك المزيجَ داخل البيتِ غنياً جداً. والدتي تطهو بطريقةٍ سوريَّةٍ أصيلةٍ، ووالدي يحبُّ المذاقاتِ المصريَّةَ التقليديَّة. هذا التنوُّع، أسهمَ في أن أدمجَ بين الثقافتَين. أحبُّ مثلاً أن أُبقي على النكهةِ الشرقيَّةِ الأصيلة، لكنْ بطريقةٍ أخفَّ وأقربَ للعصر.

«كنت طفلةً أراقب والدتي وجدتي وذاكرتي محملة بنكهات من الشام ومصر»


عندما قرَّرتِ دراسةَ فنون الطبخِ في لندن، ما الذي غيَّر نظرتكِ للمهنة؟

بعد أن سافرتُ إلى لندن، والتحقتُ بإحدى أقدمِ وأفضلِ مدارسِ الطبخِ في العالم Le Cordon Bleu، تغيَّرت حياتي تماماً.

كنت في البدايةِ أطبخُ بوصف ذلك هوايةً فقط. أطبخُ طعاماً لذيذاً، لكنْ لا أعرفُ لماذا ينجحُ الطبقُ، أو يفشل، ولم أكن منظَّمةً في المطبخ. هناك تعلَّمتُ الالتزامَ، والتنظيمَ، وتحمُّلَ المسؤوليَّة.

تغيَّرت شخصيَّتي كلياً، وأصبحتُ أكثر انضباطاً في حياتي، وفي عملي، وحتى في بيتي. المدرسةُ جعلتني أنظرُ إلى المطبخِ بوصفه عالماً متكاملاً من الفنِّ والانضباط، لا مجرَّد متعةٍ منزليَّةٍ.

ما رأيك بالتعرف على الشيف سهام بورهان الأزرق

 


واجهتِ تحدِّياتٍ كثيرةً في بدايةِ مشواركِ، ما أصعبُ لحظةٍ مررتِ بها؟

حين دخلتُ مطبخَ فندقٍ للتدريب قبل سفري، كان الأمرُ غريباً جداً. وقتها لم تكن هناك شيفاتٌ سيِّداتٌ تقريباً، وكان وجودي مفاجئاً لهم.

بعضهم كان يظنُّ أنني “مراقِبةٌ”، أرسلها صاحبُ الفندق، لأنهم لم يتقبَّلوا فكرةَ وجودِ فتاةٍ في المطبخ! كانت الأجواءُ كلّها ذكوريَّةٌ، وكان الأمرُ صعباً للغايةِ بالنسبة لي، خاصَّةً أنني كنت في الـ 21 من عمري فقط.

مع الوقتِ، وبالإصرارِ، صرتُ أقوى. كلُّ تحدٍّ واجهته، زادني صموداً وثقةً.

احكي لنا عن فكرةِ مدرستكِ لتعليمِ الطبخ، كيف بدأت، وما الرسالةُ التي أردتِ إيصالها؟

حلمي بدأ حينما كنت في لندن. كنت أرى أن المطبخَ، لا يمكن أن يُعامَل بوصفه مهنةً روتينيَّةً، فهو في نظري إبداعٌ وفنٌّ.

حين عدتُ إلى مصر، أردتُ تغييرَ نظرةِ الناسِ للمطبخِ حتى يُحبُّوه، لا أن يعدُّوه عملاً شاقاً. أردتُ التأكيدَ أن الطهي مهنةٌ جميلةٌ ومجزيةٌ لمَن يُحبُّها، لكنَّها تحتاجُ إلى النظامِ، والمعرفةِ، والممارسة.

مدرستي، جاءت من هذا الإيمانِ بأن أعلِّمَ الناسَ أساسيَّاتِ المهنةِ باحترامٍ وحبٍّ، وأن أزرعَ فيهم الشغفَ كما وُلِدَ في داخلي.

الشيف سوزان مختار


الشغفُ بالطبخِ، كان دائماً دافعكِ، كيف تُحافظين عليه على الرغمِ من ضغطِ العمل؟

حين أفقدُ الحماسَ أحياناً، أذكِّرُ نفسي لماذا بدأت، وأعودُ لاستحضارِ اللحظاتِ الأولى التي أحببتُ فيها المطبخ، وأجدِّدُ طاقتي بتجاربَ مختلفةٍ، وبفكرةِ أن هناك دائماً شيئاً جديداً يمكن أن أتعلَّمه، أو أن أقدِّمه.

ما أحلامكِ، أو مشروعاتكِ المقبلة؟

حالياً أعملُ مستشارةً للمطاعمِ في تطويرِ قوائمِ الطعام، ومفاهيمِ الطهي، كما أدرِّسُ في مدرستي الخاصَّةِ لتعليمِ فنونِ الطهي.

أشعرُ بسعادةٍ كبيرةٍ عندما أرى طلابي يُحقِّقون النجاح، فبعضهم أصبحَ يملك مشروعاتٍ خارجَ مصر، أمَّا حلمي الأكبر، فهو افتتاحُ مكاني الخاصِّ الذي يرتبطُ بقصَّتي وشخصيَّتي، ويحملُ روحاً فريدةً، تروي مراحلَ حياتي من الطفولةِ حتى اليوم. أريده مكاناً، يشعرُ فيه الزائرُ بالحبِّ والدفء، لا مجرَّد مطعمٍ تجاري.

يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط