العلاقة بين الوالدين والأبناء لا تُقاس بمدى الطاعة الفورية، بل بعمق التواصل الإنساني والعاطفي بينهم؛ فحب واحترام الأبناء لآبائهم لا يقوم على السيطرة والخضوع، بل المشاركة والتقدير المتبادل، ومهما تغيّرت الأجيال؛ يبقَ الحب والكلمة الدافئة، ولحظة الاستماع الصادقة ونظرة الحنان هي اللغة الأعمق التي تفتح أبواب الاحترام وتجدد غرسه في قلب الطفل.
لكن أحياناً كثيرة ترغب بعض الأمهات في التحقق؛ فنجدها تراقب سلوك طفلها وأفعاله اليومية متسائلة: هل هناك ابتعاد عاطفي لسبب ما، أم علامة تراجع في الرباط العائلي الذي طالما نفتخر به؟
في هذا التقرير توضح الدكتورة وفاء الصاوي أستاذة التربية وعلاج سلوك الطفل أسباب تراجع العلاقة بين الآباء والأبناء، وتشرح المؤشرات السلبية وتحولات الأجيال الحديثة من خلال 7 أسئلة تطرحها الأم على نفسها، وتتخيل إجابتها لتعيد بناء جسر الحب والاحترام بين الآباء والأبناء.
سيدتي الأم:

- تربية الطفل على طاعة الوالدين تتطلب جهداً متواصلاً من الأب والأم معاً، ومبادئ وأسساً لا تقبل الحياد عنها.
- أن يتفق الوالدان على أسلوب معاملة موحد؛ حتى لا يتشتت الطفل وتضيع الجهود المبذولة في تقويمه وتربيته تربية صحيحة.
- حبّ الأطفال للوالدين ردّ فعل لحبّ الوالدين لهما، فإذا ساد الحبُّ في العلاقة بين الطفل ووالديه، فإنّ الطاعة لهما ستكون محققة.
- كن قريباً من أبنائك ولا تحرمهم من سؤالك عنهم ولعبك معهم ومساعدتهم، وحاول التعرف إلى تفاصيل شؤونهم.
- الطفل الذي يحصل على التقدير من قبل والديه، يسعده ذلك ويحاول المحافظة عليه بإرضائهما والتفاني في طاعتهما.
- الطفل الذي يربَّى منذ نعومة أظفاره على احترام الكبير، وخاصة الأم والأب سينعم والداه في كبرهما، ويجنيان ثمار ما زرعاه فيه.
7 أسئلة اطرحيها على نفسك

إليكِ مجموعة من المواقف والسلوكيات التي يمكن أن تُلاحظيها على طفلك، وكل سؤال تطرحينه على نفسك يعتبر ملاحظة غير مباشرة تساعدك على تقييم مدى حب واحترام طفلك لكِ.
- عندما تطلبين من طفلك إنجاز مهمة بسيطة في المنزل (مثل ترتيب غرفته أو غسل الصحون): هل يستجيب بابتسامة وموقف إيجابي؟ أم يتأخر ويتذمر قبل التنفيذ؟
- حين تتحدثين إليه على مائدة الطعام أو أثناء وقت العائلة: هل ينظر إليك ويشاركك الحديث، أم يكتفي بجملة قصيرة وينصرف لهاتفه؟
- إذا خالف قراراً اتخذتموه كعائلة: هل يحاول أن يشرح وجهة نظره بهدوء، أم يتجاوز القرار بصمت ويعاند؟
- عندما يراك حزينة أو متعبة: هل يسألك عمّا بك أو يحاول المساعدة، أم يكتفي بالصمت أو الانشغال بشيء آخر؟
- في المناسبات العائلية: هل يُظهر حماساً للمشاركة واللقاء، أم يبدو منزعجاً ويكتفي بالحضور القصير؟
- عند ارتكابه خطأ: هل يبادر بالاعتذار، أم ينتظر أن تطلبي منه ذلك؟
- في الأوقات الخاصة بينكما (قبل النوم أو في السيارة): هل يبدأ هو الحوار معك، أم يبدو منغلقاً ومنشغلاً بأفكاره أو هاتفه؟
تقييم الإجابات:

- هذه الأسئلة ليست اختباراً، بل أدوات للملاحظة تساعدك على فهم التوجه العام؛ فإذا لاحظتِ أن تصورك لإجاباتك تميل إلى نادراً أو أحياناً، فربما حان الوقت للتأمل في طبيعة التواصل مع طفلك وليس لإلقاء اللوم عليه.
- على الوالدين أنْ يُصدرا الأوامر برفق ولين بصورة نصح وإرشاد، فإنّ الطفل حتماً سيستجيب لهما، أمّا استخدام التأنيب والتعنيف فإنه سيؤدي إلى نتائج عكسية.
أسباب تراجع العلاقة بين الأهل والطفل

تغيّر أدوار الوالدين وطبيعة العلاقة الأسرية
في الماضي كانت العلاقة بين الوالدين والأبناء أكثر صرامة وهرمية؛ الأب يأمر والطفل يطيع دون نقاش، أما اليوم، ومع انشغال الوالدين بالعمل والتكنولوجيا، فتغيّرت طبيعة العلاقة وأصبحت قائمة أكثر على الحوار والمشاركة، لكنها أحياناً تفقد التوازن بين الحرية والتوجيه.
قلة مشاركة الآباء في تفاصيل حياة أبنائهم اليومية تجعل بعض الأطفال يشعرون بالاستقلال الزائد، أو بانخفاض الارتباط العاطفي بالأسرة، مما ينعكس على سلوكيات الاحترام والمبادرة.
الجيل الجديد بين الاستقلالية والتمرّد
الجيل الجديد نشأ في زمن مختلف تماماً عن جيل آبائه وأمهاته، بينما يرى جيل الأمهات والآباء أن الاحترام حق وواجب فطري، يرى الأبناء أنه نتيجة طبيعية لعلاقة متبادلة.
عندما لا يشعر الطفل بأن والديه يستمعان إليه أو يقدّران رأيه، قد يعبّر عن ذلك بالرفض أو التجاهل، وهو ما يُفسَّر غالباً على أنه قلة احترام، بينما في الحقيقة هو محاولة للتعبير عن الذات.
6 أسئلة تكتشفين بها حجم غضب طفلكِ وبالتقرير طرق التعامل معه.
أثر التقبّل والدعم العاطفي
الأطفال الذين يشعرون بأن والديهم أقلّ اهتماماً بمشاعرهم يميلون إلى الانعزال أو الردّ ببرود، الاحترام في أعين الأطفال لا يُبنى على السلطة فحسب، بل على الإحساس بالحب والأمان، وحين يتراجع التواصل العاطفي، يبدأ تحوّل الاحترام من التزام داخلي إلى مجرّد سلوك مؤقت يُظهره الطفل لتجنّب العقاب.
التكنولوجيا والتواصل
الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي غيّرت شكل التواصل داخل البيت، بينما كان الحديث وجهاً لوجه أساس العلاقة سابقاً، أصبح التفاعل رقمياً وسريعاً، الانشغال الدائم بالأجهزة يقلّل من فرص التفاعل الإنساني، ويخلق فجوة زمنية وعاطفية تُضعف الحضور الوجداني للوالدين في حياة الأبناء.
كيف تساعدين طفلك على تطوير مهارات التواصل الاجتماعي؟ هل تودين التعرف إلى أفضل الطرق؟
نصائح عملية لبناء علاقة تقوم على المحبة والاحترام

ابدئي بالملاحظة الهادئة لا باللوم، إذا لاحظتِ أن طفلك لا يستمع إليك أو يتجاهل كلامك، فلا تواجهيه بالعقاب أولاً. اسأليه بلطف: هل هناك ما يشغلك؟ أحب أن نتحدث قليلاً، أحياناً تكون قلة الاحترام مظهراً لتعب نفسي أو ضغط دراسي.
اجعلي اللحظات الصغيرة بينك وبين طفلك فرصاً للتواصل، خصّصي خمس دقائق يومياً من دون هواتف للحديث أو الضحك أو تناول وجبة معاً، هذه الدقائق الصغيرة تُعيد بناء الجسور العاطفية وتجعل الطفل أكثر وعياً بقيمة الوقت العائلي.
اشرحي معنى الاحترام بطريقة بسيطة، قولي له: “احترامك لي يعني أنك تنصت لي عندما أتحدث، وتُخبرني بما تشعر به”، بهذه الطريقة يفهم أن الاحترام ليس خوفاً من العقاب، بل تعبيرٌ عن المحبة والتقدير.
استخدمي نحن بدل أنت، وقولي: لنحاول معاً أن نستمع لبعضنا أكثر، بدلاً من: أنت لا تحترمني، هذا الأسلوب يزيل نغمة الاتهام ويزرع شعور المشاركة.
كوني حازمة بحب، المحبة وحدها لا تكفي، والصرامة وحدها تُضعف العلاقة، قولي لطفلك: "نغلق الهاتف في التاسعة لأننا نحتاج إلى راحة، وأنا سأفعل ذلك معك"، عندما يرى أنك تطبّقين القواعد على نفسك أيضاً، يزداد احترامه لكِ.
ابحثي عن السبب قبل معاقبة السلوك؛ إذا ردّ عليك بجفاء، فحاولي معرفة إن كان غاضباً أو متعباً قبل إصدار الحكم.
اغرسي ثقافة الامتنان، قولي لطفلك: شكراً لأنك ساعدتني، واطلبي منه أن يقولها بدوره، الامتنان المتبادل يزرع الاحترام الحقيقي، ويعلّم الطفل أن الحب عطاء متبادل.
احتفي بالتقدم الصغير، عندما يبادر طفلك بالاعتذار أو بالمساعدة، امدحيه فوراً، التقدير العاطفي يُرسّخ السلوك الإيجابي أكثر من أي عقوبة.
استعيني بخبير إذا تطلب الأمر، نعم إذا استمرّت الصعوبات أو لاحظتِ عزلة واضحة أو عناداً مستمرّاً، فلا تترددي في طلب دعم مختص نفسي أو تربوي.
*ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.






