بفكرٍ فني متجدِّدٍ، وحسٍّ بصري متفرِّدٍ، يواصل الفنَّانُ التشكيلي خالد زاهد رسمَ ملامحِ تجربته بأسلوبٍ، يجمع بين الأصالةِ والحداثة. من جدة، استلهمَ الجمالَ والتفاصيل، ومن تجاربه العالميَّة، اكتسبَ عمقَ الرؤية، ليصبحَ أحدَ الأصوات الفنيَّةِ السعوديَّةِ التي تُعبِّر بالألوانِ عن الإنسانِ والمكان. «سيدتي» كان لها هذا اللقاءُ معه.
تصوير : ندى حكيم Nada Hakeem-wetheloft
الفنان خالد زاهد

كيف بدأت رحلتك مع الفنِّ التشكيلي، وما اللحظةُ التي شعرتَ فيها بأنك وجدتَ نفسك بوصفك فنَّاناً؟
رحلتي مع الفنِّ بدأت في الطفولة، تحديداً في مرحلةِ “التمهيدي”. كنت أجدُ متعةً كبيرةً في الرسم، وأغتنمُ أي مساحةٍ لأعبِّر فيها عن نفسي. كنت أرسمُ على الطاولاتِ، وداخلَ كتبي الدراسيَّة، وكأنَّ الرسمَ كان لغتي الخاصَّة لفهمِ العالم. مع مرورِ الوقت، خَفت هذا الشغفُ، لكنَّه عاد حين شعرتُ بفراغٍ داخلي، جعلني أبحثُ عن نفسي من جديدٍ، إذ وجدتُ أن الفنَّ، هو مكاني الطبيعي، وهو الشيءُ الذي يُعيد لي الحياة.
ما الفكرةُ التي تحاولُ إيصالها من خلال أعمالك، وهل ترى أن للفنِّ رسالةً اجتماعيَّةً، أو إنسانيَّةً، يجبُ أن يحملها؟
الفنُّ بالنسبةِ لي لغةٌ، تتحدَّثُ عندما تصمتُ الكلمات. دائماً أقولُ: A painting is worth a thousand words. فلوحةٌ واحدةٌ، يمكن أن تقولَ ما تعجزُ عنه الصفحات. أسعى من خلال فنِّي إلى إيصالِ رسالةٍ إنسانيَّةٍ قبل أن تكون جماليَّةً، وأن أحرِّك إحساسَ المتلقِّي، وأن أجعله يرى نفسه في العمل. أؤمنُ بأن للفنِّ رسالةً اجتماعيَّةً ودينيَّةً وإنسانيَّةً، فهو وسيلةٌ للحوارِ مع الآخر، وتعبيرٌ عن قيمنا ومشاعرنا العميقة.
لكونك من جدة، كيف انعكست روحُ المدينةِ في أعمالك؟
جدة، هي جزءٌ كبيرٌ من ملامحِ فنِّي. إنها مدينةٌ، تحكي التاريخَ، والدينَ، والدولةَ معاً. من «البلد»، المُسجَّلةِ في «يونسكو»، أستلهمُ طاقتي الإبداعيَّة. حين أمشي بين أزقَّتها، وأتأمَّلُ مشربيَّاتها القديمة، أشعرُ بأنني أسافرُ عبر الزمن. طفولتي في حي الكندرة منحتني ذاكرةً مملوءةً بالمَشاهدِ البسيطةِ التي شكَّلت إحساسي البصري. حين أجلسُ اليوم هناك، وأتأمَّلُ جدرانها القديمة، أشعرُ بأن روحي تعودُ إلى جذورها، وأن الفنَّ يبدأ من الذاكرة.
حدِّثنا عن أبرزِ محطَّاتك ومعارضك التي شكَّلت نقلةً في مسيرتك، وهل تُفضِّل العرضَ داخلَ السعوديَّة، أم المشاركةَ في المعارضِ الدوليَّة؟
من أبرزِ المحطَّاتِ التي أعتزُّ بها مشاركتي في آرت دبي، وآرت أبو ظبي، وساتشي جاليري في لندن، إضافةً إلى معرضِ 2139 في جدة، وأستعدُّ قريباً للمشاركةِ في نور الرياض. كلُّ تجربةٍ منها، أضافت لي بُعداً جديداً سواء في الحوارِ الفنِّي، أو في فهمِ الجمهورِ للأعمال. بالتأكيد، أحبُّ الحضورَ في المعارضِ العالميَّة، لأنها تفتحُ أمامي آفاقاً جديدةً، لكنْ العرضُ داخلَ السعوديَّةِ له خصوصيَّةٌ كبيرةٌ، لأنه المكانُ الذي أنتمي إليه، ويقرأ لغتي الفنيَّةَ بصدقٍ.
ومن عالم الفن ما رأيك بالتعرف على الفنَّانُ والخطَّاطُ فهد المجحدي
«طفولتي في حي الكندرة منحتني ذاكرة مملوءة بالمشاهد البسيطة التي شكلت إحساسي البصري»

ما المشروعاتُ التي تعملُ عليها حالياً؟
أعملُ حالياً على مشروعَين رئيسَين: مشاركتي في نور الرياض، والتحضيرُ لأوَّلِ معرضٍ فردي لي، وأتوقَّع إقامتَه مطلعَ العامِ المقبل. أعدُّه محطَّةً مهمَّةً جداً في مسيرتي، لأنه سيحملُ ملامحَ شخصيَّتي الفنيَّةِ بشكلٍ كاملٍ.
كيف ترى مستقبلَ الفنِّ التشكيلي في السعوديَّةِ في ظل الدعمِ الكبيرِ للمشهدِ الثقافي؟
مستقبلُ الفنِّ في السعوديَّةِ، من وجهةِ نظري، مزدهرٌ بكلِّ المقاييس. الدعمُ الكبيرُ من وزارةِ الثقافة والهيئاتِ المتخصِّصة خلقَ بيئةً خصبةً للإبداع. اليوم أصبح أمامَ الفنَّانين منصَّاتٌ ومعارضُ، وفرصٌ لم تكن موجودةً سابقاً، من بينالي الدرعيَّة إلى المعارضِ المحليَّةِ والبازارات، ما أتاحَ للجميع، حتى الهواة، أن يشاركوا، ويُعبِّروا عن أنفسهم.
ما النصيحةُ التي تُوجِّهها للشبابِ السعودي المهتمِّ بالفنِّ؟
نصيحتي للشباب: جرِّبوا، ولا تخافوا. قدِّموا أعمالكم في أي مساحةٍ متاحةٍ، فاليوم الفرصُ كثيرةٌ، والسعوديَّةُ فتحت لنا أبواباً عدة، لم تكن موجودةً من قبل. في الماضي كان الطريقُ أصعبَ بكثيرٍ، أما الآن فالحِراكُ الفنِّي يزدهرُ في كلِّ مكانٍ.
لو لم تكن فناناً تشكيلياً أي مهنةٍ كنت ستختار؟
لو لم أكن فناناً تشكيلياً؟ ربما كنت سأظلُّ أبحثُ عن وسيلةٍ أخرى لأعبِّر بها عن نفسي، لأن الفنَّ بالنسبةِ لي، ليس مهنةً، وإنما طريقةُ حياةٍ، أرى من خلالها العالمَ، وأعيدُ رسمه كما أشعرُ به.
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط






