mena-gmtdmp

الخطاطة السعودية هند الغامدي:الخط العربي ترجمة بصرية لشغفي باللغة

اللغةُ العربيَّةُ وحروفها بالنسبةِ إلى الخطَّاطةِ والفنَّانةِ السعوديَّةِ هند الغامدي، ليست مجرَّد أدواتٍ للتواصل، بل هي عالمٌ متكاملٌ، يُمثِّل الهويَّةَ، والحضارةَ، والتاريخَ، والفن، لذا تجدها تحرصُ في أعمالها على البحثِ، ونقلِ ما تحويه اللغةُ من إرثٍ عريقٍ، وأصالةٍ عميقةٍ متَّصلةٍ بالجذورِ إلى أعمالٍ معاصرةٍ.
وهي تُسهم أيضاً عبر استديو «هاء» الخاصِّ بها في حفظِ بعض المصادرِ والأدواتِ التي تقومُ بمشاركتها وعرضها للمستفيدين والباحثين.
بمناسبةِ اليوم العالمي للغة العربية كان لنا معها الحوارُ التالي.

الخط العربي والجداريات الضخمة 

                                                                                           الخطاطة والفنانة السعودية هند الغامدي               
 

متى كان بداية شغفك بالخط العربي ؟وأي أنواعِ الخطوطِ تُفضِّلين؟

اللغة العربية ، هي ملهمي الأوَّلُ، والمصدرُ الرئيسُ في تعمُّقي بالفنِّ، الذي يجعلني بدوره أتأمَّلُ، وأستلهمُ منها الشكلَ النهائي للعمل، سواء في الحجمِ، أو الألوانِ المستخدمة.

أميلُ للخط الكوفي للخطِّ الكوفي بأنواعه، فهو من أوَّلِ الخطوطِ التي تعلَّمتها، وانطلقتُ منها بمسيرتي الفنيَّة. بدايتي كانت في المدرسةِ الكلاسيكيَّة، إذ حاولت من خلالها التعمُّقَ في دراسةِ الخطِّ الكوفي، كذلك المصحفي، والفاطمي، والمربع، ثم أخذتُ أستلهمُ من خطوطٍ، تتميَّزُ بالمرونةِ والسلاسة، وبأنماطٍ تُساعد في التشكيلِ والتعمُّقِ في الزوايا والانحناءات، وهذا كان سبباً لتوجُّهي لدراسةِ الخطِّ الديواني.
وبعد أن حصلتُ على التدريبِ المناسبِ على هذه الخطوط، تولَّدَ لدي حبٌّ وشغفٌ بالاطِّلاعِ على الفنونِ الأخرى، وهو ما جعلني أتحوَّلُ من الأعمالِ الصغيرةِ على الأوراق إلى الجداريَّاتِ الضخمة.
كذلك صرتُ أبتكرُ طرقاً للخطِّ على الجداريَّات، ما أسهمَ بدوره في توسيعِ مدارك هذه الأحرف، واستيعابِ معانيها لدى الجمهور.

في حب اللغة العربية

كيف تصفين العلاقة التي تربطك باللغة العربية لاسيما الخط العربي؟

تجمعني باللغةِ العربيَّةِ علاقةُ حبٍّ، وأعدُّها «ترجمةً بصريَّةً» لها، بدايةً بكتاباتي اليوميَّة، مروراً بملاحظاتي، ووصولاً إلى مسوداتِ أعمالي وتجاربي حيث أجدُ فيها ما يُترجِم أفكاري وعلاقتي بالنصوصِ التي أقرأها، وأستلهمُ منها، سواء في معرفتي، أو ممارساتي الفنيَّة.
اللغةُ العربيَّةُ بالنسبةِ لي الملهمُ الأوَّل، لاسيما في قراءتنا القرآنَ الكريم عبر احتضانه كثيراً من الكلماتِ العميقة، والبلاغةِ في الوصف، وهو ما تختزنه ذاكرتنا، ويُؤثِّر في أسلوبِ حياتنا، واختياراتنا أيضاً
كذلك، يمتدُّ تأثيرُ هذه الكلماتِ إلى الشعر العربي والإنسانِ الذي يستخدمُ اللغةَ في حياته اليوميَّة، إذ إن اللغةَ، هي السُّلطةُ الأقوى في تكوينِ المعاني، وتوريثها للأجيال. إن اللغةَ العربيَّة، تنقلُ لنا أوضحَ الصورِ وصفاً للجمال، كما هي الأكثرُ بلاغةً في إيصالِ المعنى من إنسانٍ لآخرَ، سواء بشكلٍ معنوي، أو لفظي.

ما البُعدُ الروحي والإنساني المرتبطُ بالخطِّ العربي تحديداً؟

البُعدُ الروحي هنا، يتمثَّلُ في النصوصِ المكتوبةِ بالخطِّ العربي منذ بدايةِ نشأةِ الخطوطِ بشتَّى مدارسها، فهو يرتبطُ بقوَّةٍ بمكانةِ النصِّ وقدسيَّته. أيضاً، نجده في مخطوطاتِ القرآنِ الكريم التي تمثَّلت فيها أبهى صورِ الجمالِ، والوضوحِ، والاتِّساقِ البصري المبني على قواعدَ، وموازينَ خطيَّةٍ مدروسةٍ بدقَّةٍ. بعد ذلك، نشأت مدارسُ جديدةٌ من خلال الخطَّاطين والفنَّانين الذين اتَّخذوا لكلِّ خطٍّ مدرسةً، وعملوا على تطويرها وتطويعها إلى أن توصَّلوا إلى أبعادٍ جديدةٍ للحرفِ في مدارسِ الفنِّ المعاصر.
في حين يتمثَّلُ البُعدُ الجمالي في التكوينِ البصري الذي يتماثلُ في سكونه وحركته لإضافةِ دلالاتٍ جديدةٍ، واستقطابِ أعينٍ مختلفةٍ لهذا الفن، وهذا يُترجِم استمرارَ رغبةِ الإنسانِ في التواصلِ المتجدِّدِ من خلال الفنون، مدفوعاً بالسعي إلى التطويرِ والابتكار.

استديو "هاء" للخط العربي

هند الغامدي وتعليم أساسيَّاتِ الخطِّ والقواعد، وطباعةِ الحرفِ العربي، والتصميمِ التايبوجرافي

أي أبجديَّةٍ فنيَّةٍ تتبعينها في تعليمكِ أصولَ الخطِّ العربي عبر استديو «هاء»؟

شاركتُ خلال الأعوامِ الثمانيةِ الأخيرةِ التقنيَّاتِ والأدواتِ الحديثة مع المتعلِّمين الجددِ لفنِّ الخطِّ، وكذلك الفنَّانين والمصمِّمين الذين تعتمدُ ممارساتهم على الخطِّ العربي.
كذلك، نظَّمتُ ورشَ عملٍ، ودوراتٍ في أساسيَّاتِ الخطِّ والقواعد، وطباعةِ الحرفِ العربي، والتصميمِ التايبوجرافي، كما أسهمتُ من خلال استديو «هاء» في حفظِ بعض المصادرِ والأدواتِ عبر مشاركتها وعرضها للمستفيدين والباحثين. ما أشاركه مع الجمهورِ والمتعلِّمين الجددِ من مادةٍ ومحتوى، أعدُّه أساساً تفاعلياً، يمكن البناءُ عليه.

مبادرات سعودية للخط العربي

كيف تنظرين لمبادراتِ السعوديَّةِ الخاصَّةِ بالخطِّ العربي مثل إطلاقِ الخطِّ السعودي، والخطِّ الأوَّل، وإنشاءِ مركزِ الأمير محمد بن سلمان للخطِّ العربي، وإدراجِ الخطِّ العربي في قائمةِ التراثِ غير المادي لمنظَّمةِ يونسكو، إضافةً إلى إطلاقِ مبادرةِ عامِ الخطِّ العربي؟

اليوم، هناك اهتمامٌ سعودي كبيرٌ بحفظِ الأصول، وبيانِ مكانةِ الثقافةِ الفنيَّةِ والمعرفيَّةِ للخطِّ العربي، إضافةً إلى حفظِ اللغةِ العربيَّة، وتمكينِ الخطَّاطين والباحثين المختصِّين باللغةِ العربيَّة. أعدُّ هذه التدابير خيرَ ما تُبنَى عليه قواعدُ الجيلِ الجديد، في المصادرِ والأصولِ المحفوظة.

كيف ترين وجودَ الخطِّ العربي في التطبيقاتِ الحديثة، والوسائطِ الفنيَّةِ مثل التصميمِ الرقمي، والأزياءِ، والنحتِ، والموسيقى، وهل فيها قابليَّةٌ للابتكار؟

أسهمَ كثيرٌ من الخطَّاطين والمصمِّمين العربِ في دعمِ نماذجِ الخطِّ العربي عبر برمجةِ الخطوطِ العربيَّةِ في تطبيقاتٍ عدة، ما ساعدَ بدوره مصمِّمين وفنَّانين آخرين في الوصولِ على نطاقٍ واسعٍ إلى الأعمالِ، والمطبوعاتِ، والمجلَّاتِ، والواجهاتِ الرقميَّة. أتوقَّعُ أن كثيراً من الفنَّانين والخطَّاطين، يلمسون اليوم تطورَ اللغةِ العربيَّةِ وانتشارها بشكلٍ كبيرٍ عبر الخطِّ العربي، ثم إن التناسقَ في الأنماطِ، والانحناءاتِ، والدقَّةَ في الميزانِ من الأشياءِ التي تُهذِّب الفنَّان، وتُساعده في إنتاجِ أعمالٍ بصريَّةٍ مميَّزةٍ.
من جمالِ اللغةِ العربيَّة، أن طريقةَ نطقنا لها، تُؤثِّر كثيراً في الموسيقى، وفي تكوين الكلماتِ في الشعرِ العربي، وهذه أشكالٌ فنيَّةٌ، يحملها كثيرٌ من الناسِ في ذاكرتهم، وتُؤثِّر بشكلٍ كبيرٍ في اختياراتهم الثقافيَّةِ والفنيَّة، لكنْ قليلٌ منهم، يشعرُ بهذا التأثير، ويراه بشكلٍ مرئي.

نقل إرث هذا الفن

الخطاطة هند الغامدي

ما التحدِّياتُ التي يواجهها الخطُّ العربي اليوم؟

التحدِّي الذي يواجهنا بوصفنا خطَّاطين حالياً مواصلةُ نقلِ إرثِ هذا الفنِّ عبر تلقينِ أصولِ وأساسيَّاتِ مدارسِ الخطِّ العربي الكلاسيكيَّة، من ثم تطويرها من خلال الفنونِ المعاصرة، والتقنيَّاتِ الحديثة.

كيف تُسهم تجربتُكِ الفنيَّةُ في الخطِّ العربي في إلهامِ جيلِ الشباب؟

أحرصُ كثيراً في اختياراتي، وأبحثُ طويلاً في مفاهيمِ أعمالي حتى أنقلَ ما فيها من إرثٍ عريقٍ، وأصالةٍ عميقةٍ متَّصلةٍ بجذورِ اللغة، وتحويلها إلى أعمالٍ معاصرةٍ، كما أهتمُّ بالتفاعلِ مع الجيلِ الجديد عبر ورشِ العملِ التي أطوِّرُ أدواتها بشكلٍ مستمرٍّ، إذ أرى أن مثل هذه التجارب، تُؤثِّر في توثيقِ العلاقةِ بين أصالةِ الخطِّ العربي والفنونِ المعاصرة التي ينتمي لها الجيلُ الجديدُ بشكلٍ أكبر.
الجيلُ الجديدُ محظوظٌ الآن، فلديه جميع أدواتِ التعلُّمِ والمعرفة، إلى جانبِ سهولةِ الولوجِ إلى المصادرِ الموجودة لدى الفنَّانين والخطَّاطين.

الخطُّ العربي، يُعطي اتِّساعاً في إدراك المعاني، ويُعزِّز الهدوءَ، والصبرَ، والتأمُّل

ماتأثَّر اهتمامكِ باللغةِ العربيَّةِ والخطِّ العربي في حياتكِ بشكلٍ خاصٍّ؟

الخطُّ العربي، يُعطي اتِّساعاً في إدراك المعاني، ويُعزِّز الهدوءَ، والصبرَ، والتأمُّل، وهذه من الأشياءِ التي تُلازم الفنَّانَ بشكلٍ كبيرٍ في جميع ممارساته الفنيَّة، وليس فقط في مجالِ الخطِّ العربي. كذلك، هو يُساعده في إنتاجِ أعمالٍ متجدِّدةٍ ومعاصرةٍ، تُعبِّر عن مشاعره وأفكاره، فليس بالضرورةِ أن يكون مُعلِّم الخطِّ خطَّاطاً، فالإرثُ المتأصِّلُ في فنِّ الخطِّ العربي له ارتباطٌ شخصي بكلِّ منا، ويُعبِّر عنه كلٌّ من الفنَّانِ، والشاعرِ، والموسيقي، والنحَّات، وأيضاً كلُّ مبتكرٍ أياً كان مجاله.

ما أمنياتُكِ للعامِ الجديد؟

في كلِّ عامٍ، أرى التطوُّرَ كبيراً في المشهدِ الفنِّي، وأجدُ فيه فنَّاناً، أو خطَّاطاً، ينضمُّ لهذا المشهد، ويُقدِّم مفاهيمَ جديدةً، ورؤيةً طموحةً. أنا أطمحُ لرؤيةِ المزيد، وهذا الأمرُ، يجعلني أجدُ الساحةَ ملهمةً أكثر، وذات طابعٍ حماسي.

اقرأ المزيد : بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية .. ضياء علام: حروفي تتكلم أملاً ونوراً وسلاماً