mena-gmtdmp

نجلاء السليم: لوحاتي قصص حنين أرويها في معرض "معادلات متداخلة"

الفنانة نجلاء السليم
الفنانة نجلاء السليم

يزخر المشهد الفني السعودي المعاصر بالعديد من الأسماء المؤثّرة التي قدّمت إسهامات بارزة، تعكس من خلالها حيوية ثقافية لافتة، جعلت من هذا المشهد أحد أكثر المشاهد الفنية ديناميكية في المنطقة.
وتعَد نجلاء السليم من رواد هذا المشهد، لاسيّما وأن فنها امتدادٌ لإرث تركه والدها الفنان محمد السليم، الذي يعَد أحد أعمدة الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية. ولعل ما يميّز فن نجلاء السليم، أنه بمثابة جسر بين جيلين، وبين مرحلتين زمنيتين، ويحمل في العمق التزاماً محكماً بالهوية والتراث والوطن بماضيه وحاضره مع آفاق تطلعيّة للمستقبل.
هذا التداخل الجميل الذي يجمع ما بين الأصالة والحداثة، برز واضحاً في المعرض الأخير للفنانة السعودية، والذي يحمل عنوان: "معادلات متداخلة"، ويروي في مجموعة كبيرة من اللوحات، قصص البيئة المحلية وجمالياتها وتنوُّعها ما بين القرية والمدينة، والماضي والحاضر، وينسج خيوط الحنين بين الفنانة، ولوحاتها، وجمهورها، ووطنها.
في هذا الحوار، نتحدث مع نجلاء السليم عن مسيرتها والإرث الفني الذي ورثته عن والدها، كما وتخبرنا عن المشاعر والرؤى والأفكار والذكريات التي صبتها في لوحات معرضها الأخير: "معادلات متداخلة"، والتي غلب عليها اللون الأزرق، لون شعرت بأنه يحرر ما بداخلها من انفعالات في قالب فني متميّز. المعرض يستضيفه في الرياض "إصدار غاليري" بتنظيم من الفنانة لولوة الحمود.

حوار: عبير بو حمدان
تصوير: صالح الغنام

إرث محمد السليم

الفنانة نجلاء السليم مع لوحاتها



يُعتبر محمد السليم أحد أعمدة الفن التشكيلي السعودي، وقد ترك إرثاً فنياً غنياً ومدرسة فنية ملهمة للأجيال اللاحقة، كيف تأثرت نجلاء السليم بمسيرة والدها؟

بطبيعة الحال، بما أنني الابنة الكبرى للوالد محمد السليم؛ فقد تأثرتُ به كثيراً، كانت البيئة المنزلية أو العائلية الصغيرة، كلها محفّزة للفن؛ فالمرسم للوالد في البدايات، كان هو نفسه غرفة المعيشة للعائلة. وكان سهلاً جداً أن أتأمل رسومات الوالد وأتابعه في عملية مزج الألوان، وأحياناً كثيرة أشاركه في هذه الأمور، والوالد كان يحب كثيراً أن يحدّثنا ويناقشنا ويقرّب المفهوم الفني أو مواضيع اللوحات التي كان يرسمها للعائلة، وأحيانا كثيرة كان يستشيرنا في بعض الألوان، ويأخذ بآرائنا في موضوعات المعارض أو اللوحات التي يشارك فيها. كان هناك رابط قوي بيني وبين الوالد والعائلة بشكل عام.

"الآفاقية" كبرت معي

 

الفنانة نجلاء السليم


درستِ الكيمياء ثم الفنون الجميلة. كيف جمعتِ بين مسارين متناقضين تماماً؟

بعد تخرجي من مرحلة الثانوية العامة، كانت لي مشاركة في دار الفنون السعودية، المؤسسة التي أسسها الوالد لتنمية الفن التشكيلي في منطقة الرياض، وفي منطقة الخليج بشكل عام. فمن خلال الحوارات والنقاشات مع الوالد، بدأتْ تتحدد المسيرة الفنية أو المهنية لي. لكن رغم أنني كنت أرغب بإكمال دراستي بالفن التشكيلي، كانت نصيحة الوالد لي بأن أركّز على التخصص الذي كان أقرب إليّ في هذه المرحلة. وكانت مادة الكيمياء محببة جداً بالنسبة لي في تلك المرحلة، وكانت أعلى درجاتي في هذه المادة؛ فنصحني الوالد بأن أدخل كلية العلوم قسم الكيمياء في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة، بينما يتبنّى هو توجيهي وتدريبي وتلقيني للفن كهواية.
بعدها سنحت الفرصة بأن أُبتعث إلى أمريكا مع زوجي عبدالله، رحمه الله. وفي ذلك الوقت اقترح الوالد عليّ أن أُكمل دراستي في الفنون الجميلة هناك، وهكذا حصلتُ على البكالوريوس الثاني في الفنون الجميلة من جامعة ميتشيغان في الولايات المتحدة الأمريكية.

كل هذه التداخلات كيف انعكست في أسلوبك؟

بالنسبة للأسلوب، كما تعرفون، الوالد معروف بأسلوبه "الآفاقية"، وأنا كبرت مع هذا الأسلوب، يعني كنت دائماً أشعر بأن "الآفاقية" كبرت معي، وعايشتها من بداية مراحلها، وتابعتُ الوالد وهو ينمّي هذا الأسلوب من البداية إلى أن تُوفي، رحمة الله عليه؛ فكان من الطبيعي أن أتبنّى هذا الأسلوب بشكل تلقائي، وأن أُكمل مسيرتي بهذا الأسلوب. ولكن، كان من المتطلبات أن أنقل هذا الأسلوب إلى الحداثة وإلى الفن المعاصر؛ بحيث أغيّر في التقنيات الفنية بشكل يتناسب مع هويتي أنا، ومع البيئة المحلية التي أعيش فيها، باعتبار أن الوالد كان يعيش في مرحلة عمرية مختلفة، وبزمن مختلف تماماً. فنشأة "الآفاقية" في تلك الفترة كانت تختلف عن الفترة الحالية، وبالتالي لا بد أن تتأثر بالتغيّرات الحاصلة.
كان لـ«سيدتي» لقاء مؤخراً مع الفنانة لولوة الحمود قالت فيه: جودة الفكرة والوسائط أوصلت الفن السعودي للعالمية

انعكاس البيئة المحلية

رئيسة تحرير مجلة سيدتي لمى الشثري تزور معرض الفنانة نجلاء السليم


كيف يمكن للفنان أن يُفرد مساحة لنفسه في ظل التغيّرات واختلاف البيئات والمراحل؟

أنا دائماً مع مبدأ أن يتمسك الإنسان أو الفنان بشكل خاص بتعبيره التلقائي أثناء ممارسة الفنون، لا بد وأن تظهر هويته الداخلية. فكما يقال، كلّ إناء بما فيه ينضح، كذلك فكلّ فنان يعكس ما يحمله من أفكار وأحاسيس على الأعمال الفنية التي يقدّمها بشكل تلقائي. وهوية الفنان تظهر بشكل تلقائي وتكون موجودة بفنه، سواء أراد ذلك أو لم يُرد. بالنسبة لي، بيئتنا المحلية والبيئة التي تربيتُ فيها، وعشت فيها وكبرت فيها، كان لها دائماً تأثير كبير على أسلوبي.
والمشاعر والحميمية التي أحملها في داخلي، كلها تنبت من هذه البيئة. لذلك كلّ لوحاتي تعكس البيئة المحلية بشكل قوي، مع اختلاط الحداثة والفن المعاصر بشكل حضاري، وهذا أيضاً متطلب لا بد وأن يتأثر فيه الفنان بشكل تلقائي.

الفنانة نجلاء السليم مع لوحاتها

في هذا المعرض تحديداً، أيّة عناصر هي التي طغت على المشهد؟

مناظر القرية، والدفء والحنين بهذا المكان، كلها مرتبطة بزياراتنا التي كنا نحرص عليها دائماً في الأعياد والمناسبات العائلية إلى بيت جدتي وجدي، رحمهما الله. كنتُ طفلة صغيرة، وكنت أتأثر كثيراً بهذه البيئة البسيطة وكل هذه المعالم، القرية والتفاصيل البسيطة وأهالي القرية بمشاعرهم الطيبة وكل عناصر الفترة التي كنت فيها.
فزياراتنا من الرياض للقرية واختلاف البيئة من المدينة الى القرية، أثارت فيّ الحنين لهذا المكان وخصوصاً أنه مرتبط بجدي وجدتي، رحمهما الله، وأهالي القرية البسطاء، وبات هذا الإحساس في عمق الشخصية الفنية الذاتية.
طبعا اللوحات كلها تتأثر أو تحكي عن المشاهد من البيئة، والمناظر الطبيعية من المدن والقرى، بعض اللوحات مزجت ما بين القرية والمدينة، وبعض اللوحات تحدثت فقط عن القرية، وأخرى كان فيها الكثير من المعالم المدنية.
فالخطوط والتكوينات والتراكمات للمباني في المدينة، تختلف عن بساطة وانسيابية البيوت البسيطة الصغيرة بالزخارف المتعارَف عليها في القرية. فهذه الأجواء المختلفة ما بين المدينة والقرية، هي العامل الأساسي الذي أحب تجسيده في لوحاتي.

الاستسلام عامل يقتل الفنان

 

الفنانة نجلاء السليم مع لوحاتها



كيف تصفين تجرِبتك في تمثيل المملكة العربية السعودية في فعاليات ثقافية دولية مثل اليونيسكو؟


شاركتُ في محافل وطنية وعالمية كثيرة، منها اليونسكو في عام 2013؛ حيث مثّلت الفن السعودي في معرض فن تشكيلي مشترك ما بين فنانين كثيرين، وكان مفاجأة بالنسبة لي؛ لأنه في ذلك الوقت كانوا في بداية التعرُّف إلى الفن السعودي. وخصوصاً كامرأة تمثّل الفن السعودي؛ فكان بالنسبة لهم في باريس أمراً غريباً جداً وجودُ فنانة سعودية تمثّل الفن بشكل جميل ومختلف عن أيّة فنون أخرى، بتميُّز وبهوية مختلفة. فكانت تجرِبة جداً مميزة. كان لي أيضاً عدد من المشاركات الدولية مع وزارة الثقافة، كان منها في عام 2015 و2017 وكانت بمناسبة أسبوع ثقافي محلي، ولاقت نجاحاً كبيراً. ودائماً تكون لي مشاركات هادفة تصب في خدمة الفن السعودي وخدمة الفن بشكل عام.

بصفتك فنانة سعودية رائدة، ما هي نصيحتكِ للجيل الجديد من الفنانين التشكيليين في المملكة؟


أهم نصيحة يمكن أن أوجهها لأيّ فنان، أن يلتزم بما يحتويه من الداخل، وأن يشعر بالاستقلالية ويُظهر ما بداخله وبقوة؛ لأن هذا هو الذي يميّزه عن غيره من الفنانين. والأمر الآخر المهم في هذه المسيرة بالذات، هو الإصرار؛ لأنها فيها الكثير من العقبات؛ فالاستسلام عاملٌ يقتل الفنان. لذا لا بد من الإصرار ولا بد من الاستقلالية بالفكرة؛ بحيث يتفرّد الفنان بأسلوبه المميز.

نظرة على لوحات الفنانة نجلاء السليم في معرض "معادلات متداخلة":

الفنانة نجلاء السليم مع لوحاتها

 

 

من لوحات الفنانة نجلاء السليم

 

 

 

 

من لوحات الفنانة نجلاء السليم

 

 

 

 

من لوحات الفنانة نجلاء السليم

 

 

 

من لوحات الفنانة نجلاء السليم

 

 

 

من لوحات الفنانة نجلاء السليم


اقرأي أيضاً: لمناسبة اليوم الوطني السعودي د. هناء الشبلي: الفن مرآة تعكس ثقافة وهوية الشعوب