الحياة بين الأحلام والواقع هي رحلة الإنسان في البحث عن المعنى، وتحقيق الذات، ومواجهة التحديات. ففي كل منا حلم يسكن القلب، يهمس لنا بما يمكن أن يكون، بينما يفرض الواقع شروطه، يختبر عزيمتنا، ويعيد تشكيل طموحاتنا. الأحلام تمنحنا الأمل، وتدفعنا نحو الأفق، أما الواقع فهو الأرض التي نمشي عليها، بكل ما فيها من مطبات وفرص.
في هذا التداخل بين الحلم والواقع، تتشكل شخصية الشباب، وتُصقل إرادته. فمن ينجح في تحويل حلمه إلى هدف، ويواجه واقعه بشجاعة، يصنع من حياته قصة تستحق أن تُروى. وبين الخيال الذي يرفرف في السماء، والحقيقة التي تسكن الأرض، يعيش الشباب في مساحة من التحدي والإبداع، حيث لا شيء مستحيلاً، إن امتلك الرؤية والإرادة.
الأحلام: جوهر الطموح الإنساني
تعريف الأحلام: هي التصورات الذهنية التي تعكس رغباتنا، طموحاتنا، وخيالاتنا حول ما نريد أن نكون أو نحقق.
دور الأحلام في الحياة:
- تمنح الإنسان دافعاً للاستمرار.
- تخلق رؤية مستقبلية تساعد في تحديد الأهداف.
- تُعتبر وسيلة للهروب المؤقت من ضغوط الواقع.
يمكنك أيضاً متابعة التوازن بين العمل والحياة لتحسين صحتكِ النفسية
أنواع الأحلام:
- أحلام واقعية قابلة للتحقيق (كالتخرج، بناء مشروع، السفر)
- أحلام خيالية أو مثالية (كأن يصبح الإنسان خارقاً أو يعيش في عالم مثالي).
الواقع: اختبار الأحلام على أرض الحقيقة

تعريف الواقع: هو مجموعة الظروف والحقائق التي يعيشها الإنسان يومياً، بما فيها من نجاحات وإخفاقات.
سماته:
- يتطلب مواجهة، لا هروباً.
- يفرض قيوداً مثل الوقت، المال، الصحة، والظروف الاجتماعية.
- يعلّم الإنسان الصبر، المرونة، والتكيف.
تحديات الواقع:
- الفشل في تحقيق الأحلام.
- الصراعات الداخلية بين الرغبة والقدرة.
- تأثير المجتمع والأسرة على اختيارات الفرد.
التوازن بين الأحلام والواقع
كيف يتحقق؟
- تحويل الأحلام إلى أهداف قابلة للقياس والتنفيذ.
- تقبل الواقع من دون الاستسلام له.
- تطوير الذات باستمرار لمواجهة التحديات.
- المرونة في تعديل الأحلام حسب الظروف.
أمثلة واقعية
شاب يحلم بأن يصبح فناناً عالمياً، لكنه يعيش في بيئة لا تدعم الفن. يبدأ برسم لوحات صغيرة، يشارك في معارض محلية، ويستخدم الإنترنت للترويج لأعماله. تدريجياً، يقترب حلمه من التحقق.
البعد النفسي والفلسفي
من منظور نفسي:
- الأحلام تُعبر عن اللاوعي، وتُستخدم في العلاج النفسي لفهم دوافع الإنسان.
- التوازن النفسي يتحقق عندما يشعر الإنسان بأنه يسير نحو حلمه، ولو بخطوات بسيطة.
من منظور فلسفي:
- الحياة ليست إما حلم أو واقع، بل هي جدلية مستمرة بين الاثنين.
- الفيلسوف "نيتشه" يرى أن الإنسان يجب أن يخلق واقعه بنفسه، لا أن يرضى بما يُفرض عليه.
وجهة نظر أهل الاختصاص


جون حجار استشاري نفسي، ماجستير علاج نفسي معرفي سلوكي وماجستير علاج نفسي للطفل والمراهق يشرح لـ"سيدتي" أكثر حول الحياة بين الأحلام والواقع.
نحن كبشر نعيش دائماً في منطقة وسطى: بين ما نحلم به وما نعيشه فعلياً. الأحلام تعطي لحياتنا معنى واتجاهاً، بينما الواقع يضعنا أمام حدود وإمكانيات معيّنة. كثير من الناس يظنون أن الحلم هو هروب من الواقع، لكن في الحقيقة علم النفس يوضح أن الأحلام هي وقود الصحة النفسية.
الأحلام كطاقة نفسية
سيغموند فرويد كان يعتبر أن الأحلام نافذة على اللاوعي، بينما كارل يونغ رأى أنها لغة رمزية تحمل رسائل عن ذواتنا الأعمق. أما من زاوية العلاج النفسي الحديث، فالأحلام (بالمعنى الواسع: أهداف، طموحات، صور ذهنية) هي أشبه بما نسميه "المرساة النفسية"، شيء يمسكنا عندما نتعب من مواجهة الضغوط اليومية.
الواقع كمعلم
الواقع أحياناً يبدو قاسياً: التزامات، ضغوط عمل، صعوبات مالية، علاقات فيها شدّ وجذب. لكن هنا بيت القصيد: الواقع ليس عدواً للأحلام، بل هو "المختبر" الذي نختبر فيه قدرتنا على تحويل الخيال إلى خطوات عملية. في العلاج السلوكي المعرفي مثلاً (CBT)، نشتغل على تحويل الأفكار والأهداف الكبيرة إلى "خطوات صغيرة قابلة للتنفيذ".
التوازن النفسي
الإنسان الذي يعلّق نفسه فقط بالأحلام، يعيش في "عالم مثالي" سرعان ما ينكسر عند أول خيبة. وفي المقابل، الإنسان الذي يغرق فقط في الواقع، من غير مساحة للحلم، يعيش نوعاً من الاحتراق النفسي وفقدان الشغف. التوازن النفسي هو أن نسمح لأنفسنا نحلم، لكن بنفس الوقت نسأل: ما الخطوة الصغيرة التي أستطيع أن أقوم بها اليوم لأقترب من حلمي؟
ما رأيك الاطلاع على تحقيق الامتنان والراحة النفسية عند الشباب
لمسة إنسانية
أنا كمعالج نفسي أقابل أشخاصاً تقول يومياً : "أشعر أن حياتي واقفة في مكانها" أو "أحلامي كبيرة لكن الواقع يخنقني". أقول لهم دائماً: الحلم ليس خيالاً فارغاً، هو خريطة طريق. والواقع ليس سجناً، هو الأرض التي نمشي عليها. بين الاثنين نستطيع أن نعيش حياة أكثر امتلاءً ولها معنى.